اشتهرت في نهاية السبعينات من القرن الماضي انشودة وطنية لحنها الملحن العراقي فارق هلال وادتها مجموعة شبابية عنوانها ( غلط غلط ) ومقدمتها تقول ))غلط غلط غلط ، لسنا شريان يضُخُ النفط للعالم فقط
نحن شعبٌ كان مهداً للحضارة .. عربياً لو توحد سوف يحتل الصدارة ))
وقد نالت هذه الانشودة شيئا كبيرا من الشهيرة بين اناشيد ذلك الزمن السياسي وخصوصا اثناء مشاركة العراق في المهرجان العالمي للشباب في العاصمة الكوبية هافانا.
الانشودة حينها كانت رسالة للعالم ان العراق الحضاري متنوع الخيرات وان قيمته الاقتصادية والحضارية ليست بالنفط كمورد لكل شيء فيه . بل اننا بُناة حضارة عريقة وليس كما ينقل الغرب عن العربي انه مجرد بعير وبئر نفط.
يبدو ان الانشودة أي كانت غاياتها ومقاصدها تُستعاد لتجسد اليوم ذات القصد ولكن بشكل معكوس لتقول للعالم : نحن نعيد تمجيد وتشييد ذلك المفهوم ( الغلط ) ، هو اننا اليوم ( فقط ) شريان يضخ لنفط للعالم فقط .ففي بداية الستينات والسبعينات وعلى لسان النائب السابق والقاضي وائل عبد اللطيف ان 90 بالمئة من الناتج المحلي العراقي كان يعتمد على الموارد الزراعية والنفطية وعشرة بالمئة على النفط .اليوم انقلب الامر وصار معكوسا .
لقد اصبح النفط هذه الأيام المهيمن على الدخل الوطني وموارده وتحول بفضل رعونة السياسة وهاجس اشعال الحروب الى عامل مساعد لديمومة عجلة الموت والخراب وتحسيد النعوش في خطوط القتال ابتداء من الحرب مع ايران واحتلال الكويت وانتهاء بمعارك تحرير مدينة الرمادي.
لقد حولنا النفط الى مستهلكين لأبداننا وارواحنا وحضاراتنا وذوقنا ايضا . وكذلك زرع فينا الاتكالية والفساد والحرب والاعتماد على المستورد الرديء، وان استمر هذا الغلط سيبقى النفط ينهش في البنية المجتمعية والحضارية للكيان الانساني العراقي وتلك لعمري واحدة من اخطر المراحل التاريخية التي سنمر فيها
مقالات اخرى للكاتب