من سوء الاقدار وتعاستها وعمق مأساتها , ان يقسم العراق الى حظائر واصناف ومسميات مختلفة , فكل حظيرة منعزلة تماما عن الاخرى . حيث كل منها تعيش عالم خاص بها , في العادات والتقاليد والقيم والاخلاق والمبادئ والدين , والمزاج وشكل ونمط الحياة . ونوعية الحياة والامن والاستقرار , ونوعية مستوى المعيشة . والمنزلة والمكانة والشأن , ونوع المصائب والاهوال , وقوتها وضعفها وجبروتها وسطوتها وطغيانها , ونفوذها وقوة سلطتها المالية والمعنوية . ففي حظيرة الخنازير , تملك كل شيئ , ولا تعطي اي شيئ , حتى لو فتاتات زائدة عن حاجتها , فهي تتحكم بالحرث والنسل , ولها جبروت متسلط بقوة القانون , وقوة رادعة لاتعرف الكرامة والحقوق والضمير والانسانية . حيث بقبضتها مفاتيح الحياة والموت , وتتصرف حسبما تشتهي وتريد وترغب , فهي تملك المال بامراطوريات متعددة الاسماء والفرسان , ودينها ومذهبها الذي تؤمن به , النهب والسلب والمال الحرام , والكذب والابتزاز والاحتيال , وتنعدم فيها اعراف النزاهة والعدالة والقانون , والصدق والرجولة والشهامة . حيث بيدها السلطة التنفيذية , وممكن من خلال قراراتها وقوانيها وتشريعاتها , ان تقف البلاد على كف عفريت . تعيش حياة الاستقرار والامن , والحياة الجميلة والزاهية , اذ لايقرب او يدنو منها احد , فهي تعيش في منطقة محصنة مسورة باسوار وقلاع , لاتخرقها حتى ذبابة , رغم انها اقلية ,فهي تتكون من الخنازير الاشرار وقساة والعتاة بالطغيان والاجرام . . اما الحظائر الاخرى , حظيرة الدجاج او الخرفان , فهي دايحة وضائعة , ومغضوب عليها , ومقهورة ومظلومة ومسكينة ومنكوبة , ويداهمها المصير المجهول والمظلم في اية لحظة , وكل يوم تدفع ضريبة الدم , ويكفي مثال واحد عن سعة الموت المجاني , التي يداهمها كل يوم , فقط في هذا الشهر ايلول , سقط 660 قتيل ومئات الجرحى والمصابين , وعداد الموت مازال يعمل ويشتغل بكل طاقته , فهي مسلوبة الارادة والاختيار والقرار , تعشعش فيها الاحزان وجنائز الموتى. تأكلها رياح الاحباط واليأس والخنوع والقنوط والظلام , تعيش تحت رحمة غيوم الطائفية , التي لاتحترم البشر والحجر , يسودها الاهمال والنسيان والاوساخ , لايلتفت اليها احد , ويعطف عليها بقلب وضمير ووجدان حي . كأنها تعيش في غابة من الوحوش الجائعة . ليس لها شفيع اونصير وعون ومساعد , سوى الله , اذا قدر ان ينصفها وينقذها ويعطف عليها , ان يأخذ ارواح حظيرة الخنازير , فيسلط عليهم طيورا ابابيل ترميهم بالحجر الحارق والهالك , او يرفع حظيرة الخنازير من مكانها ويرميها في ابعد مكان من الازبال والنفايات ويطمرها هناك الى الابد . حتى تتنفس حظيرة الدجاج اوالخرفان الصعداء , وتزيل ثقل الهموم والاحزان , عندها ستهب رياح الحرية والنور والحياة الكريمة والامان , لان الجحيم الذي اصابها , لا يمكن ان يستمر ويطول بجوره الطاغي , لانه تجاوز كل الخطوط الحمراء.
مقالات اخرى للكاتب