قبل اقل من اسبوع اوشكت سيارة الأمن العامة ان تقتحم علينا مخادعنا في "مجمع البعث الطلابي " بصدر القناة في بغداد . ترجل من السيارة الفارهة آنذاك عملاقان حشرا صديقا لي في القسم الداخلي بينهما وشدا بقبضتيهما على كفيه من الطرفين واختفت السيارة ومع تلاشي دخان عادمها ، تلاشى الصديق اليساري والى الابد . اتضح فيما بعد انه حث وهو ثمل على الاستعانة بنظام موسكو الشيوعي لاستعادة فلسطين فوشى به للاتحاد الوطني في قسمنا الداخلي فلسطينيان وطنيان جدا استغلا غيابه عن الوعي بعد ان تغلغلت آثار الكأس الى مواطن اسراره . كانت الحرب الطاحنة بين البلدين الجارين على اشدها وكنت في المرحلة الجامعية الثالثة حين "سفطت" امام قسمنا الداخلي سيارة شبيهة بتلك التي ارتعدت لها فرائصنا الاسبوع الماضي وكان الفارق اللون فقط . انت استاذ حميد ؟ نعم انا هو واعترتني هزة كالتي تعتري عصفورا بلله القطر . تفضل معنا لبضع ساعات رجاء . فقرأت الشهادتين بارتباك شديد واحسست باسهال دموي حاد يخترق خلايا دماغي خفف منه انني لم احشر كصديقي الغائب قبل اسبوع بين عملاقين . في الطريق الى المبني للمجهول ، اكتشف مضيّفي داخل السيارة الفارهة ان ثمة في خلق الله من هو اكثر جبنا من حسان بن ثابت شاعر الرسول الكريم "ص" . فحاول تخفيف الوطأة على امعائي باثارة جو من الفكاهة فحضر سعدي الحلي بمجونه ، وكنت افتعل الابتسامة افتعالا . فالبهلول بقضه وقضيضه لو تمثل لي بشرا سويا لم يكن لينتشلني حينها من نفق الرعب الذي انا فيه . يا الهي !!! من يجرؤ على ان يسأل هؤلاء عن وجهتنا وكل ما في داخل السيارة من اجهزة اتصال وسلاح وخوف يشي بان الموت منك قد قرب واكلك الان وجب بحسب احمد شوقي . سلمت امري الى الله الواحد القهار مستعرضا شريط فديو لما ستفعله والدتي وشقيقاتي عندما يصلهن خبر نهايتي المحتومة . تمنيت يومها ان تطول الطريق الى ما لا نهاية ، وطال الطريق حقا بسبب الزحام قرب المحطة العالمية ليس بعيدا عن كراج العلاوي الذي ودعته بطرف عيني وحاجبي . استدارت السيارة الى اليسار ، لحظات وانا في مبنى افقي فخم اضع عني ملابسي المدنية لاستبدلها باخرى زيتونية رفاقية انيقة جدا تاركا القلم والدنانير والهوية في ملابسي التي لا ادري اين حل بها المقام . نصف ساعة من الهدوء المطبق واذا بالمرافق الاقدم صباح ميرزا يتقدم مجموعة من العسكريين يقودني الى صالة فارهة مجاورة . انا الاطرش بالزفة تماما غرقت في لوحات تشكيلية اربع كانت تزدان بها الجدران نسيت بها الجبن واسهال الدماغ حينا من الوقت ، بينا انا كذلك دخلت علينا مجموعة من المصورين غير ديجيتاليين ثم صدام حسين بـِزرِّه و زريره مبتسما !!! يا الهي هل انا مستغرق في حلم ام هي الحقيقة ؟ جلس الريّس فجلسوا جميعا الا انا حيث امرني صباح ميرزا ان اقف خلف "القنفات" الوثيرات عند الزاوية حيث يجلس صدام في جانب منها وضيوف ايرانيون على "مستو-نعال "في الجانب الاخر وفلاشات الكاميرات لا تتوقف عن الوميض . علمت حينها انني هنا للترجمة ولا داعي لكل هذا الجبن الحسّاني الثابت ، فاطمأن قلبي لوجود فرصة لحياة اخرى . استمر اللقاء نحو ساعة . نهض ابو عدي "لا رحمه الله ولا رحم عديا ابنه " ونهض الضيوف . توجه الى احدى اللوحات فسال ضيفه عما اذا كان البعير وهو بطل اللوحة يبتسم . فاستنجد بي صباح ميرزا لترجمة السؤال . فكان رد الضيف ان الجمل لا يبتسم اطلاقا بل هو يتألم من الخطام الذي شد شدقيه بشدة . فاستحسن الرئيس جواب الضيف العجمي . كنت غارقا في لوحتين تجريديتين لم افهم منهما شيئا للعملاق الصوفي شاكر حسن آل سعيد "رحمه الله" عندما صاح بي صباح ميرزه : السيد الرئيس يريدك ... "شوف خوالك شيردون؟ " ... هكذا سألني صدام بخبث . سيدي يريدون التقاط صور تذكارية . اي ... طلبو حگهم ... يللّه خلينه نصور ( اللام كانت مضخمة اكثر من اللازم) ... وتنحيت جانبا تاركا لهم فرصة دخول التاريخ مع الدكتاتور . بعدها قلت لصدام : وآني لعد ؟ رد : والله حگك ، تعبناك اليوم ويانه بلحچي . فدخلت التاريخ مع الدكتاتور على الواهس . عندما اوصلني السائق الى القسم الداخلي سالني عما اذا كان الخوف قد تبدد ام لا ؟ ... ارتبكت فلم أنبس ببنت شفة ، لاني ساعتها كنت اتحسس اعضاء جسمي فقط لاتأكد من ان كل شيء کان في مكانه الپی ،ضعه الخالق ... بعدها باكثر من عشرين عاما تيقنت بانني مازلت حيا ارزق وان الدكتاتور سائر الى تباب . واني مطمئن بقدر ما هو خائف .
مقالات اخرى للكاتب