لكثرة استخدامه مفردة الوسيلة في احاديثه مع الأهل والأصدقاء والمعارف في اطار جهده التنظيمي لحثهم على اعتناق مبادئ حزبه الديني ، حمل الرجل كنية "أبو وسيلة " فلازمته حتى هذه اللحظة، على الرغم من تركه العمل السياسي منذ سنوات طويلة ، استجابة لنصيحة زوجته بالابتعاد عن هذه المغامرة ، حفاظاً على سلامته أولاً والأسرة ثانياً ولاسيما ان العديد من زملائه اعتقلوا وبعضهم توجه الى دولة جارة للتخلص من ملاحقة السلطة .
أبو وسيلة بدأ نشاطه السياسي بإلقاء محاضرات على رواد مقهى في منطقة الكاظمية بداية عقد السبعينات من القرن الماضي ، واعتاد ان يستهل حديثه بعبارة "خير وسيلة لتحقيق العدل والإنصاف التمسك بالشريعة ، وخير وسيلة لمواجهة التصحر والجفاف للحفاظ على الثروة الزراعية والحيوانية القيام بصلاة الاستسقاء ، وخير وسيلة لضمان نجاح الزواج الارتباط بامرأة صالحة تعرف دينها بشكل حقيقي ومن نسل مبارك ، لايوجد بين أهلها من تناول المنكر(يقصد الخمر) ،و فضل ارتكاب الموبقات فخسر الدنيا والآخرة ."
الاسترسال في الحديث في البحث عن افضل وسيلة كان سبباً مباشراً للشعور بالملل والضجر ، وللخروج من دائرة الرتابة بهدف التخلص من ثقل النصائح ، يطلب احد الحاضرين من القهوجي إحضار (الدومنة) للعب "الآزنيف" فينتفض أبو وسيلة غاضباً ، لان محاضرته لم تستطع التأثير في أدمغة المصرين على اللهو فيضطر لمغادرة المقهى رافضاً الاستجابة لدعوات البقاء واحتساء الشاي على حساب الخاسرين بلعبة الآزنيف ، لأنها نوع من القمار، وخير وسيلة لتركها التوجه الى أعمال تضيف المزيد من الحسنات لرصيد الشخص المؤمن .
استخدام السلطة في ذلك الوقت العين الحمراء في مراقبة نشاط الحركات الدينية تحت شعار ملاحقة أعداء الحزب والثورة ، جعل أبو وسيلة يعيش حالة من الصراع النفسي فبين رغبته في مواصلة العمل النضالي ، وإلحاح الزوجة بالتفرغ لرعاية العيال ، حسم الموقف بترك التنظيم ، مفضلا السير بجانب الحايط بوصفه افضل وسيلة للتخلص من احتمال التعرض لعواقب وخيمة ، ولاسيما انه فقد الاتصال بجماعته ولم يعرف مصيرهم ، ولكي يبعد الشبهات عنه ، اخذ يتردد على مقهى الطرف للعب الطاولي و الدومنة بأنواعها العدلة والازنيف والطيرة والبقرة ، لأنها افضل وسيلة من وجهة نظره للتخلص من الاعتقال بارتداء قناع جديد لم يسعفه في تفادي الحرج من تساؤلات رواد المقهى عن افضل وسيلة للانتصار على العدو الصهيوني.
بعد العام 2003 وتحت "تأثير الأجواء الديمقراطية" أبدى الرجل على الرغم من كبر سنِّه استعداده للعمل السياسي بإعادة ارتباطه بحزبه القديم لكنه واجه صعوبة في تحقيق رغبته لأنه لم يكن قيادياً ، وتحركاته في زمن العمل السري لا تتعدى حدود المقهى ولم يتعرض للاعتقال ، ففشلت محاولاته في الحصول على منصب ، فيما استطاع غيره اقل منه شأنا ودوراً في المعترك النضالي ان يحتلوا الواجهة سواء بشغل مقعد في مجلس النواب او مناصب حكومية ، فاخذ يندب حظه كأفضل وسيلة للتخلص من معاناة لم تخطر في باله .
مقالات اخرى للكاتب