يحتل الربيع موقعا متميزا وبهيجا بين الفصول الاربعة ، رغم قصره ، لتحسن الجو فيه ، وجمال الطبيعة ، وإخضرار الارض ، وارتدائها حلة جديدة ..
وتنتعش في الربيع النفوس ، وتنشط الاجسام ، وتتخلص من الخمول والكسل ، ويبعث التفاؤل والأمل ويطرد اليأس..
والربيع هو ميلاد حياة ، و( ثورة ) الطبيعة التي ينتظر الانسان أوانها كل عام ، وتكون عيدا تحتفل به الطبيعة والشعوب معا ،، وقد اتخذ أسماء كثيرة عبر التاريخ لم تخرج عن هذا المضمون ، كونه رمزا للتجديد وللنماء والخصوبة وانتصار الحياة ..
وفي السياسة عندما يتأخر التغيير ، في مفهومه الصحيح ، وفعله الحقيقي في التجديد ، ويحصل التراجع في كل شيء ، يصبح ( الربيع ) ضرورة وأملا تنتظره الشعوب والاوطان بشوق كبير ، وتسعى اليه ليغير حياتها نحو الافضل ، ولكنه ما أن حل فعلا ، لم يستمر طويلا ، وتحول الى ( خريف ) بسرعة ، زاحفا نحو شتاء قاس وشيخوخة مبكرة ، بحاجة الى ربيع حقيقي أخر…
لماذا ..؟..
لقد كُتب عن الربيع الكثير ..فمنهم من لم يعده ربيعا ، ولا ثورة ، بل كان هبة جماهيرية عفوية ، نتيجة ظروف معيشية صعبة ضاغطة ، وتقييد الحرية ، وليس نتيجة حركة ثورية ، وهناك من جعله سببا في هذا التراجع والدمار الذي حل بالاوطان والظروف الصعبة التي تعيشها الشعوب وحياتها التي زحف اليها الشتاء مبكرا..
وهناك من تمنى لو لم يحصل من الاساس ، لانه وراء هذا الانقسام الخطير في الداخل ، والفوضى والخراب..
وهكذا غاب الربيع بسرعة عن التداول والتأثير …وانتهى قبل أوانه ..
وتعيش ( الدول الربيعية ) ، انقسامات في الرأي في الثورة .. وإذا كان هناك اختلاف في تقويم ما حصل .. وهل كان ثورة أم خارج هذا الوصف ، أو هبة ، فإن هناك اتفاقا بين الفرقاء على اعتبار ما حصل مؤشرا على قدرة الشعوب على التغيير ، و قهرالمستحيل ، وكان سكوتها ، وقوة صبرها ، وقدرة تحملها قبل أن تنتفض لا تعني باي شكل من الاشكال تنازلها عن حقها ، او ضعفها وخضوعها ، بل هي قوة جبارة ، ومارد كبير ، وبامكانها ان تخرج من قمقمها هادرة ، مطالبة بحقها في الحياة والثروات ، بعفوية ، وهي التي إختارت أهدافها وشعاراتها ، ولم يكن الجوع بحاجة الى تنظير المنظرين ، وركوب الطارئين الموجة ، واستغلال اصحاب الاهداف والنوايا المسبقة لاخطاء الانظمة والحكام ، وكأنهم هم وراء تلك الاحتجاجات و( الثورات ) ، وهناك بينهم من لا يقل سوءا ولا خطورة عن اؤلئك الذين خرجت الجماهير عليهم الى الميادين والساحات تطالب بالتغيير والخلاص منهم …
وتلك نقطة جوهرية في التاريخ تحسب للشعوب في معرفة الطريق الصحيح .. وقدرتها على التمييز عندما تختلط الالوان وتتداخل الخنادق ..
ولكن ما لم يكن في حسبان الشعوب التي خرجت وهي تنتظر خلاصها مما هي فيه من عوز وفاقة وحرمان وفساد ، ان تخسر قضية طالما كانت نقطة ارتكازقوية للعرب جميعا ..كانوا يلتقون عليها بمختلف الانظمة والاتجاهات ، وضاعت وسط مشاكل ( ثورات الربيع ) ، وانشغال كل بلد بمشاكل ( ثورته ) وهمومه الذاتية ، وكيف يحفظ دم ابنائه ، أو توفير لقمته ، وغابت فلسطين بعد الربيع حتى عن كلمات المجاملة و( اسقاط الفرض ) اذا جاز التعبير في المؤتمرات والخطب والبيانات والاحتفالات…
وبذلك كانت ( اسرائيل ) ليست المستفيد من نتائج ما حصل فقط ، بل وراءه على حد ما ذهب اصحاب هذا الرأي ..
وهناك من المراقبين من يرى ( ان الربيع العربي هو مؤامرة جديدة يقودها الغرب للتنكيل اكثر فاكثر بالبلدان العربية ، وادخال شعوبها الى مناطق وازمنة احباط جديدة ) …
والاخطر من كل ذلك هو أن ينتهى الربيع والثورة معا بتدميرمؤسسات الدولة عندما اختلط الامر على البعض ( بين اوطان يجب حمايتها وانظمة حكم يمكن تغييرها دون اضطرار الى تهديم الدولة ) على حد رأي أحد الكتاب الصحفيين العرب ..
والربيع اذا كان يكسو الارض حلة جديدة ، و يغير وجهها ويزيده جمالا وبهاء ونضارة ، لكنه لا يمسحها من الوجود ، ويأتي بارض غيرها ، بل يغيرها نحو الاحسن ..
وكذلك التغيير يجب أن لا ينال من الثوابت شيئا ، وهي الاساس الذي يبنى عليه التغيير ..
والربيع الجميل الذي تنتظره الشعوب التي تعيش اوطانها في حالة من الانفلات والفوضى والخراب والفساد والارهاب هو في الاستقرار والسلام والعودة الى وطن تحول الربيع فيه الى حرب تسببت في هجرة كبيرة ، ودماء كثيرة ، والشروع بالبناء والاصلاح ، وفي تثبيت اركان الدولة والنظام ، وبناء حياة حرة كريمة تتحقق فيها العدالة الاجتماعية ، ويتعززالانتماء الوطني ، بدون تهميش أو اقصاء ، وتحقيق التوازن المطلوب ، ويتمتع الانسان العربي بكامل حقوقه المشروعة ، ويتطلع الى المستقبل بخطى واثقة قوية تستند الى حاضر مشرق ..
وذلك هو الربيع الجديد الذي تنتظره الشعوب …
{{{{{
كلام مفيد :
قال الشاعر:
كن كيف شئت فان الله ذو كرم
وما عليك إذا أذنبت من بأس
إلا إثنتين فلا تقربهما أبدا
الشرك بالله والاضرار بالناس
مقالات اخرى للكاتب