مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
يُعد القطاع الكهربائي احد القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المهمة وذلك لما له من دور مهم وكبير في تحريك النشاط الاقتصادي وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، إذ تمثل الكهرباء احد عناصر تكاليف الانتاج التي تؤثر سلبياً على الاقتصاد الوطني في ظل ارتفاع اسعارها سواء كان انتاجها محلياً او استيرادها من الخارج واستخدامها في الانتاج الوطني ولكن تكون ايجابية اذا ارتفعت اسعار الكميات المصدرة الناتجة من زيادة الانتاج المحلي عن تلبية الطلب المحلي الذي يُعرف "بالفائض"، لان تصدير الفائض منها بأسعار مرتفعة سيؤدي الى زيادة ايرادات الدولة من العملة الاجنبية وهذا ما يدعم قوة العملة والاقتصاد المحليين.
والعكس صحيح أي تؤثر الكهرباء ايجاباً على الاقتصاد في ظل انخفاض اسعارها سواء كان انتاجها محلياً او استيرادها من الخارج وتم استخدامها في الانتاج الوطني، ويكون ارتفاعها سلبياً عندما يكون الانتاج المحلي غير قادر على تلبية الطلب المحلي من الكهرباء الذي يُعرف بـ" العجز"، لان استيراد الكهرباء بأسعار مرتفعة يؤدي الى تسرب العملات الاجنبية الى الخارج، وهذا ما يُضعف من قوة الاقتصاد وعملته.
ان زيادة استيراد الكهرباء بأسعار مرتفعة من الخارج يتطلب زيادة نفقات الدولة لتمويل ذلك الاستيراد، الذي يعني زيادة الطلب على العملة الاجنبية وهذا ما يؤدي الى ارتفاع قيمتها مقابل انخفاض قيمة العملة المحلية وانخفاض اسعار صرفها وحصول التضخم. ومن اجل عدم حصول التضخم والحفاظ على اسعار صرف العملة المحلية، الذين يُعدان من مهام البنك المركزي بالدرجة الاولى، فان البنك المركزي يلجأ لزيادة عرض العملات الاجنبية وهذا ما يؤدي الى تقليص الاحتياطي النقدي للبلد -تسرب العملة الاجنبية للخارج- الذي يمثل احد ركائزه المهمة في ظل الاوقات الحرجة هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى ان زيادة النفقات على حساب الايرادات يؤدي الى عجز الموازنة العامة وهذا يتطلب زيادة الضرائب او الاقتراض لتمويل ذلك العجز وكلاهما يؤثران على النشاط الاقتصادي، وبالتالي فان عجز الموازنة العامة وتسرب العملة الاجنبية نحو الخارج يُضعفان من قوة الاقتصاد وعملته.
انتاج الكهرباء في العراق
ذكر تقرير البنك المركزي العراقي لعام 2010 ان معدل انتاج الطاقة الكهربائية قد بلغ لهذا العام هو (6347.6) ميكا واط، مقابل (5913.2) ميكا واط في 2009، أي ازداد بنسبة 7.3%، وتعود تلك الزيادة الى تشغيل محطات غازية جديدة ساهمت الى حد ما في رفع مستوى الانتاج، وعلى الرغم من هذا التحسن النسبي في الانتاج، الا انه (القطاع الكهربائي) لا يزال يشكل نسبة متواضعة في الناتج المحلي الاجمالي والتي بلغت 1.1% وهي الاوطأ بالنسبة لمساهمات باقي الانشطة الاخرى. ثم بلغ معدل الانتاج (9161.5) ميكا واط في عام 2014 مقارنة بمعدل انتاج عام 2013 البالغ (8194.2) ميكا واط، أي ان معدل الانتاج ارتفع بنسبة 11.8 %، وحتى في ظل هذا الارتفاع في الانتاج إلا انها (الكهرباء) تشكل نسبة ضئيلة من الناتج المحلي الاجمالي وهي 2.5% لكنها افضل من نسبة عام 2010 البالغة 1.1% من الناتج المحلي الاجمالي.
واشارت خطة التنمية الوطنية 2013-2017 الى ان خطة التنمية الوطنية 2010-2014 اعطت اولوية متقدمة جداً لتوليد الطاقة ونقلها وتوزيعها من التخصيصات الاستثمارية وذلك لما لها من آثار اقتصادية واجتماعية، اذ شكل حجم التخصيصات 10% بعد تخصيصات النفط (15%) من مجموع الاستثمارات، بل تجاوز حجم التخصيصات الفعلية ما هو مخطط لها، اذ شكلت التخصيصات الاستثمارية الفعلية لنشاط الكهرباء 16.5%، 17.2%، 12.8% من اجمالي تخصيصات هذه الموازنات للسنوات 2010 و2011 و2012 على التوالي واجمالي استثمارات قدرها (15382) مليار دينار، لكن مخرجات النشاط الكهربائي لم تتناسب مع ما اعطي له من اهتمام واولوية، كما لم يتم تحقيق الهدف الاول من الاهداف التي وضعتها الخطة والمتمثل، بزيادة الطاقة الانتاجية في المنظومة لتغطية كامل الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، وهذا ما يتضح عند التطرق الى حجم العجز ما بين الانتاج والطلب، ومن باب اولى انها لم تحقق اغلب الاهداف الاخرى وخصوصاً تأمين احتياطي كهرائي لمواجهة الطلب المتزايد للطاقة مستقبلاً والذي يُقدر نموه بحدود 10% سنوياً، تأمين احتياطي في القدرات التوليدية بحدود تتراوح بين 5% - 10%، استقرار التيارات الكهربائي وغيرها.
كما ان خطة التنمية الوطنية 2013-2017 نفسها لم تعالج ما اخفقت في تحقيقه خطة التنمية الوطنية 2010-2014، اذ كان احد أهدافها (خطة التنمية الوطنية 2013-2017) هو زيادة الطاقة الانتاجية في المنظومة الكهربائية لتغطية كامل الطلب المتزايد على الطاقة بإيصالها الى (25000) ميكا واط إلا انه لم يتحقق لحد عام 2015 لان وزارة الكهرباء لم يتجاوز انتاجها 10500 ميكا واط كما هو متاح على موقع وزارة الكهرباء الالكتروني، كما لم تحقق اغلب الاهداف الاخرى.
استهلاك (الطلب على) الكهرباء في العراق
بلغ حجم الطلب المحلي على الطاقة الكهربائية لعام 2010 هو (10080.4) ميكا واط مقارنة بطلب عام 2009 عندما كان (8846.3) ميكا واط، أي ان الطلب ازداد بنسبة 13.7%، وازداد حجم الطلب على الكهرباء في عام 2014 الى (12555.8) ميكا واط مقارنة بعام 2013 عندما كان (11411) ميكا واط، أي ازداد حجم الطلب بنسبة 10.0%، وعلى الرغم من انخفاض نسبة التغير في الطلب على الكهرباء في عام 2014 الى 10.0% عند مقارنتها بنسبة التغير في عام 2010 البالغة 13%، إلا ان العجز يبدو واضحاً وكبيراً عند مقارنة حجم الانتاج بحجم الطلب، حيث نلاحظ ان حجم العجز في عام 2010 قد ازداد بشكل كبير عندما بلغ (3732.8) ميكا واط وعند مقارنته بعجز عام 2009 البالغ (2951.1) ميكا واط، وبلغت نسبة التغير في حجم العجز 26.5% في عام 2010 وهذه نسبة كبيرة جداً. اما في عام 2014 فقد بلغ حجم العجز (3394.3) وهو افضل مما هو عليه في عام 2010، كما ان نسبة التغير في حجم العجز لعام 2014 عند مقارنتها بعام 2013 نلاحظ هناك انخفاض كبير جداً أي انها (نسبة التغير) بلغت 5.5%، في حين ان نسبة التغير البالغ 13% كانت مرتفعة في عام 2010 عند مقارنتها بعام 2009.
كما توقعت خطة التنمية الوطنية 2013-2017 ان الطلب على الكهرباء سيزداد الى11411 ميكا واط و16298 ميكا واط و17494 ميكا واط و18628 ميكا واط و19823 ميكا واط في عام 2013 و2014 و2015 و2016 و2017، وحتى هذه التوقعات بحجم الطلب على الكهرباء كانت تتسم بعدم الدقة، وما يؤكد هذا هو عدم التطابق ما بين ما تحقق من طلب على الكهرباء في عام 2014 وما كان متوقع ضمن الخطة، اذ بلغ حجم الطلب الفعلي لعام 2013 هو (11411) ميكا واط أما المتوقع ضمن الخطة هو (15183) ميكا واط. وكذا الحال بالنسبة لعام 2014 فالطلب الفعلي هو (12555.8) ميكا واط في حين كان المتوقع ضمن الخطة هو (16298) ميكا واط.
وكان من اهداف هذه الخطة بالإضافة الى الهدف السابق ذكره، هو الارتقاء بحصة الفرد العراقي من الطاقة الكهربائية من المعدل الحالي بحدود 1800 ك.و/س والوصول الى 3700 ك.و/س عام 2017، تحسين كفاءة اداء المنظومة الكهربائية وايقاف تدهورها، تحسين نوعية الخدمات للمستهلكين بأصنافهم كافة (المنزلي والتجاري والصناعي والزراعي والحكومي)، ترشيد استهلاك الطاقة للاستخدامات المختلفة، تحسين الاداء البيئي لنشاط الكهرباء.
استيراد الكهرباء من الدول المجاورة
ان تعرض الطاقة الكهربائية في العراق للكثير من الازمات والمحن كالحروب التي خاضها العراق مع الدول المجاورة، وفرض الحصار الاقتصادي عليه في عقد التسعينات الذي اثر على مخصصات الطاقة الكهربائية، بالإضافة الى احتلاله من قبل امريكا في عام 2003، وزيادة حدة الصراعات الداخلية وانتشار الفساد في اغلب مفاصل الدولة بما فيها وزارة الكهرباء، الذي اثر مرةً اخرى على مخصصاتها، كما ان هناك اسباب اخرى تتعلق بذات القطاع نفسه مثلاً انخفاض الكفاءة التشغيلية بسبب تقادم اغلب المحطات العاملة في العراق ورداءة صيانة وتشغيل شبكات النقل والتوزيع إلا انها كانت ومازالت تنتج الكهرباء ولكن بشكل متذبذب بين الارتفاع والانخفاض، ويتم تلبية العجز عن طريق الاستيراد من دول الجوار لأنه معروف ان الكهرباء لا يمكن نقلها لمسافات بعيدة كما هو الحال بالنسبة للسلع والخدمات.
ومن اجل تغطية حجم العجز في انتاج الطاقة الكهربائية - الذي تمت الاشارة اليه قبل قليل - وذلك لتلبية ما تحتاجه الانشطة الاقتصادية والاجتماعية الخدمية، فقد لجأ العراق الى استيراد الطاقة الكهربائية بمعدل (774.8) ميكا واط عبر الخطين التركي والايراني وعن طريق البارجات في عام 2010 مقابل (648.6) ميكا واط في عام 2009، أي ارتفع حجم الاستيراد بنسبة 19%. كما ان معدل الاستيراد للطاقة الكهربائية البالغ (1011.1) ميكا واط في عام 2014 عبر الخط الايراني والبارجات، كان اقل عند مقارنته بعام 2013 البالغ (1053.3) ميكا واط، أي ان حجم الاستيراد انخفض بنسبة 4.0%، وعلى الرغم من هذا الانخفاض في معدل الاستيراد الا انه لايزال كبيراً.
وينبغي الاشارة الى امر مهم وهو حتى في ظل استيراد العراق للطاقة الكهربائية من الدول المجاورة لتغطية العجز الحاصل في الانتاج المحلي، إلا ان هذا الاستيراد لن يكفي لتلبية كل الطلب المحلي على الطاقة الكهربائية، انما ساهم في تلبية جزء من ذلك الطلب، وما يؤكد هذا الكلام هو مقارنة ما يتم استيراده بحجم العجز، فعلى سبيل المثال بلغ حجم العجز (3732.8) ميكا واط في عام 2010 في حين لم يتجاوز معدل استيراد الطاقة (774.8) ميكا واط لنفس العام، هذا يعني ان طلب على الكهرباء بمقدار (2958) ميكا واط لم يتم اشباعه، كما لم يتم اشباع طلب مقداره (2383.2) ميكا واط عند مقارنة العجز بحجم الاستيراد لعام 2014، فيبقى الطلب دون اشباع وهذا ما يؤثر سلبياً على الاقتصاد العراقي ومواطنيه في آن واحد.
ومن اجل توفير الطاقة الكهربائية في العراق لدعم الاقتصاد العراقي لأغلب قطاعاته من ناحية على اعتبار ان الكهرباء احد تكاليف الانتاج كما ذكرنا في المقدمة، ولتوفير الرفاهية للشعب العراقي من ناحية اخرى على اعتبار ان الكهرباء احد الاسباب والوسائل التي تزيد من رفاهية وتطور الحياة الاجتماعية للأفراد من حيث التدفئة والتبريد او تشغيل وسائل اللهو والترفيه وتشغيل الآلات والادوات المنزلية … إلخ، ينبغي العمل على اتجاهين:
الاول: الاهتمام بزيادة الانتاج من خلال عدة وسائل تتمثل في اعادة تأهيل وصيانة المنظومة الكهربائية القائمة انتاجاً ونقلاً وتوزيعاً، والاسراع بتنفيذ وحدات الانتاج قيد التنفيذ -ان كانت متاحة-، وانشاء وحدات انتاجية جديدة في مناطق استراتيجية اقتصادياً واجتماعياً.
والثاني: الاهتمام بتقليل الطلب وذلك من خلال عدة وسائل تتمثل في تبني برامج لتوعية المواطنين بالفائدة الايجابية للترشيد عند استخدام الطاقة الكهربائية على مستوى الفرد والبلد، وربط استهلاك الكهرباء بالضريبة الكهربائية أي كلما يزداد الاستهلاك تزداد الضريبة، وفرض غرامات كبيرة على من يتجاوز على شبكة الكهرباء الوطنية بشكل غير قانوني.
ولكل ما تقدم، لا يمكن الوصول به إلى بر الأمان مالم يتوفر المناخ الاستثمار الملائم من حيث الاستقرار الامني والسياسي والاداري وغيرها.
مقالات اخرى للكاتب