لابد لي ان اقدم موضوعا في غاية الأهمية والخطورة على حد سواء وذلك من حيث النتائج المتوقعة التي تشخص أمام انظار الرائين وهي (الحالة النفسية) وماتصاحبها من مشكلات قد تؤدي الى انهاء حياة الفرد عن بكرة ابيها نتيجة مانشهده من تغيرات مريرة على الواقع الامني والاجتماعي والاقتصادي والتدهور المجتمعي الحاد وحالات الفقر والحاجة الماسة لمقومات الحياة اضافة الى توالي الحروب ابتداءا من حرب إيران وما رافقها من سياسة هدامة وخوف وترهيب وتعذيب حتى قيام حرب الخليج الاولى فالثانية وما حدث من تغيرات عصيبة جدا بعد 2003 ولحد هذه اللحظة التي اكتب فيها ، فكل هذه العوامل ادت الى افرازات خطيرة جدا في حياة معظم العراقيين واسهمت في انتشار الامراض النفسية مثل الجنون والعصاب والقلق والارق والاكتأب والعزلة والوسواس والهيستريا اضافة الى الامراض الوظيفية كالسكري وارتفاع الضغط وامراض القلب وهذا وارد جدا في مجتمعات مثل المجتمع العراقي فقد اوضحت الدراسات النفسية احتمالات عديدة لانتشار هكذا امراض في الوسط الاجتماعي الطبيعي اذن فكيف بالعراق الذي مر وما زال يمر في ظروف عقيمة الوقع لاتبقي ولاتذر فمعظم العراقيين يعانون امراضاً نفسية وذلك بسبب الحروب والحرمان والخوف من المجهول ومشاهد العنف وعيش المرضى في أحداث ولّدت لديهم حالات يرفض الكثير من المرضى الاعتراف بوجودها بحيث انهم يعزفون عن معالجتها بسبب ثقافة العيب ، ولو حققنا في هذا الموضوع لوجدنا ان هذه الامراض العقلية والنفسية تأتي نتيجة الظروف الصعبة التي مرت على بلادنا من جميع النواحي من قبل النظام السابق الى ما بعد سقوط النظام حيث عاش العراق حالة من الخوف والتعب لما جرى عليه لكن بقي هذا الأمر مخفياً ولا احد يريد البوح به حيث تبين لنا الدراسات ان نسبة الأمراض النفسية في البلد بلغت 18.6 بالمائة فاذا احتسبنا عدد نفوس العراقيين (32) مليوناً فإن نسبة المصابين بالأمراض النفسية (ستة ملايين) ولو أخذنا المصابين منهم بـ(فصام العقل) او (الشيزوفرينيا) وهم حسب النسب ان ما لا يقل عن 40% من المراجحعين للمستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الخاصة هم بالأساس يعانون من مرض نفسي ولا يرغبون بالبوح به أو يظهر على شكل اعراض جسمانية متعددة عدا عن مرتادي العلاج الشعبي بالأساليب الروحانية والطقوس الدينية والسحر وغيرها الذين انتشروا بصورة كبيرة جدا في كل العراق لعدم وجود رادع لهم من حيث الدولة او رجال الدين !!ومن المؤكد ان الحالة النفسية تأتي بعد اضطرابات نفسية شديدة حيث ان هناك كثيراً من الحالات التي نشاهدها على مستوى ثقافي عالٍ جداً وخير مثال على ذلك (ابو سام) السياسي والرباع الذي قضى حياته متهربا من سياسة البعث الجائرة ومن ثم تصادف مع السياسة الحالة المزرية ، ومع مرور الوقت بدأت ا?حظ تغيراً واضحاً في شخصيته إذ اصبح عصبياً بشكل دائم وعدوانياً ويشعر بخوف مستمر هذه الحالة واحدة من حالات ملايين العراقيين الذين يعيشون بهذه الاوضاع الانعكاسية ان صح التعبير التي تؤدي الى معاناة نفسية مستمرة وان هذه الأمراض تحتاج الى وقت طويل من العلاج وكما هو معروف ان العراق لديه نظرة غير صائبة اتجاه هذه الحالات وعدم تقبل ان هذا المرض اعتيادي لذلك ان ما اشاهده ان هناك مستوى منخفضاً لفتح عيادات نفسية لأن المجتمع يعتقد ان كل مرض نفسي يدل على الخلل العقلي وبمعناه الجنون !!ولعل صديقي عدنان الصيدلاني صادقا عندما يخبرني ان كثيراً من الاشخاص يأتون الى الصيدلية يطلبون ادوية مهدئة للأعصاب من دون استشارة الطبيب او مختص نفسي على الأقل بسبب العنف والوضع الأمني بل لسوء الأوضاع الاجتماعية ولتدهور المعيشي هذا ايضاً سبب رئيسي هو عدم ارتياح النفسية حيث تؤدي هذه الأوضاع الى تفكير مستمر وتوتر دائم مما يضطر المريض الى أخذ المهدئات من دون معرفة النتائج المضرة للصحة والتي قد تسبب في احداث نتائج سلبية تدمر حياة الفرد فتقول احدى النساء : كنت حاملاً في الشهر الثالث بابنتي الوحيدة عندما سمعت بخبر استشهاد زوجي في تفجير انتحاري في منطقة الأمين ومنذ ذلك الحادث وانا مريضة فاصبحت لا اعرف اي طريق سوى ذهابي الى الطبيب وكل مرة اكتشف مرضاً جديداً والجميع يقولون ان هذه الأمراض تأتي بسبب الضغوط وما يزيد ألمي عندما ارى ابنتي تكبر يوماً بعد يوم وهي تطلب مشاهدة والدها فهذا يزيدني هماً واكتئاباً وعصبية ولا اعرف ما العلاج للهروب من هذا الواقع المرير الذي يجعلني كالمجنونة المشوشة التي تقضم اظافرها قلقا من القادم .ولهذا فأن المستشفيات تستقبل شهرياً آلاف المرضى مشيرة الى ان غالبية المرضى مصابون بالقلق نتيجة الوضع الحالي وتتالي الازمات لأن اي شخص يعيش في بيئة هادئة واطمئنان لا أظن أنه يعاني من مرض نفسي لأن الكآبة والفصام والهستيريا التي تأتي نتيجة ضغوطات على النفس وتوتر مستمر وتشابك في الأفكار وعدم الارتياح والوف من المجهول وان الأمراض النفسية تشكل خطراً كبيراً للانسان وعلى الرغم من شدة ألم المريض الجسدي أم العضلي ، اذا كانت الحروب تعتاش على وقود الدم والموت المجاني فانها حين تخمد تخلف وراءها عدداً من العاهات الاجتماعية فخلاصة الامر ان الشعب العراقي يحتاج الى اطباء نفسسين مرافقين لهم بمعدل طبيب لك فرد ليتسنى لهم التنعم بصحة جيدا وهذا الاحتمال لايمكن ان يحقق نتائج على ارض الواقع مالم يكن هنالك تغير جذري للظروف التي يعانيها الفرد العراقي وهذا ما لا يمكن تكهنه بسبب السياسية الفاشلة التي لاتصلح ولا تدع الاخرين يصلحون او يقدموا مقترحات تنفع ولو بنسب قليلة جدا كأقل خدمة يمكن تقديمها للمواطن العراقي ومن ثم الاكثر فالاكثر على اعتبار ان الامم تغيرت تدريجيا وحسب المبدأ التربوي القائل بوجوب التعلم من الاسهل الى السهل ثم الى الوسط وبعدها الى الصعب فالاصعب ولان خطوة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة.
مقالات اخرى للكاتب