من نكد الدنيا على شعب العراق انه ابتلي بثلاث آفات مهولة، كلما ابتلعت واحدة منها جزءا منه سارعت الاخريان الى ابتلاع ما تبقى.
الافة الاولى هي العنف والعنف المضاد الذي لا يلتهم اصحابه انما يلتهم الشعب البرئ الامن المسالم، وقد خرجت من معطف هذه الافة مجاميع الارهاب وفرق الموت والميليشيات متعددة الولاءات والاتجاهات، وكل هذه تعمل تحت شعار (قاتل للايجار وحسب الطلب).
الآفة الثانية هي المحاصصة وانعدام الثقة بين الكتل السياسية الممثلة للمكونات الشعبية للشعب العراقي، وقد تسرب فايروس هذه الافة الى الوحدات الاجتماعية ويكاد يوقع بينها ما لاتحمد عقباه.
اما الافة الثالثة فهي استشراء الفساد وبلوغ الفاسدين مراتب معينة في الدولة منحتهم فرص الوثوب على ثروات الشعب وممتلكاته ومصدر ديمومة حياته ونهبها وتحويلها الى الخارج في ظل سكوت مهيمن عن الفساد والمفسدين والفاسدين.
واذا كان الخلاص ممكنا من الافة الاولي من خلال نهوض دولة مؤسسات دستورية وقانونية تحتكم الى الدستور والقوانين بعدل ومساواة وحزم وحسم وقيام مؤسسات عسكرية غير فئوية ولا ينصب اهتمامها وعملها لصالح طرف سياسي معين، او مكون معين، واذا كان الخلاص ايضا ممكنا من الافة الثانية باعتماد الدستور فيصلا واجراء تعديلات عليه تزيح عن جوهره اية بثور مفخخة، فان الافة الثالثة تبدو من الافات طويلة العمر بعد ان عم الفساد وطم كل مؤسسات الدولة ودوائرها وصار العيش على الحرام قاعدة ورفضه استثناء.
اين تكمن خطورة الفساد؟
للفساد نتائج خطيرة على مختلف نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويمكننا إجمالها على النحو التالي:
اولا: يؤدي الفساد إلى خلخلة القيم الأخلاقية والى الإحباط وانتشار اللامبالاة والسلبية بين أفراد المجتمع، وبروز التعصب والتطرف في الآراء وانتشار الجريمة كرد فعل لانهيار القيم وعدم تكافؤ الفرص. كما يؤدي الفساد إلى عدم المهنية وفقدان قيمة العمل والتقبل النفسي لفكرة التفريط في معايير أداء الواجب الوظيفي والرقابي وتراجع الاهتمام بالحق العام. والشعور بالظلم لدى الغالبية مما يؤدي إلى الاحتقان الاجتماعي وانتشار الحقد بين شرائح المجتمع وانتشار الفقر وزيادة حجم المجموعات المهمشة والمتضررة وبشكل خاص النساء والاطفال والشباب .
ثانيا: يقود الفساد إلى العديد من النتائج السلبية على التنمية الاقتصادية منها:
الفشل في جذب الاستثمارات الخارجية، وهروب رؤوس الأموال المحلية، فالفساد يتعارض مع وجود بيئة تنافسية حرة التي تشكل شرطا أساسيا لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية على حد سواء، وهو ما يؤدي إلى ضعف عام في توفير فرص العمل ويوسع ظاهرة البطالة والفقر.
هدر الموارد بسبب تداخل المصالح الشخصية بالمشاريع التنموية العامة، والكلفة المادية الكبيرة للفساد على الخزينة العامة كنتيجة لهدر الإيرادات العامة.
الفشل في الحصول على المساعدات الأجنبية، كنتيجة لسوء سمعة النظام السياسي.
هجرة الكفاءات الاقتصادية نظرا لغياب التقدير وبروز المحسوبية والمحاباة في أشغال المناصب العامة.
ثالثا: يترك الفساد آثارا سلبية على النظام السياسي برمته سواء من حيث شرعيته أو استقراره أو سمعته، وذلك كما يلي:
يؤثر على مدى تمتع النظام بالديمقراطية وقدرته على احترام حقوق المواطنين الأساسية وفي مقدمتها الحق في المساواة وتكافؤ الفرص وحرية الوصول إلى المعلومات وحرية الإعلام، كما يحد من شفافية النظام وانفتاحه.
يؤدي إلى حالة يتم فيها اتخاذ القرارات حتى المصيرية منها طبقا لمصالح شخصية ودون مراعاة للمصالح العامة.
يقود إلى الصراعات الكبيرة إذا ما تعارضت المصالح بين مجموعات مختلفة.
يؤدي إلى خلق جو من النفاق السياسي كنتيجة لشراء الولاءات السياسية.
يؤدي إلى ضعف المؤسسات العامة ومؤسسات المجتمع المدني ويعزز دور المؤسسات التقليدية، وهو ما يحول دون وجود حياة ديمقراطية.
يسيء إلى سمعة النظام السياسي وعلاقاته الخارجية خاصة مع الدول التي يمكن ان تقدم الدعم له، وبشكل يجعل هذه الدول تضع شروطا قد تمس بسيادة الدولة لمنح مساعداتها.
يضعف المشاركة السياسية نتيجة لغياب الثقة بالمؤسسات العامة وأجهزة الرقابة والمساءلة.
هذه المخاطر وغيرها كافية لان تلغي دولة راسخة وقائمة في بيئة مستقرة اذا ما دهمها الفساد فكيف بدولة ينهشها الفساد من كل حدب وصوب ويضرب اطنابها في جميع مفاصلها، بل ويتربع الفاسدون الكبار الخطيرون على مستقبل الشعب والوطن على بعض مصادر القرار.
هل ثمة فاسدون كبار؟
هذا سؤال قد يطرحه البعض، وهنا سنجد انفسنا ازاء الاجابة على السؤال مطالبين بالشواهد والادلة والامثلة.
ولعل عائلة الكرابلة الفاسدة (جمال الكربولي واشقائه) خير مثال.
فماهي علامات فساد هذه العائلة التي لاتخطئها العين؟
اولا: حين انفضحت قصة سرقة جمال الكربولي لمئة وخمسين مليون دولار من الهلال الاحمر العراقي بمشاركة اسماعيل حقي واخرين، وجد نفسه بين امرين جد خطيرين لا يرفضهما الا ابن امه وابيه حقا، اما ابن غيرهما فيقبل بهما على الفور:
الامر الاول: طلب قوات الاحتلال وجهة عراقية معينة وباسناد من دولة مجاورة من جمال الكربولي تصفية الشيخ مزهر ناجي العفات من اهالي الصقلاوية في الانبار بسبب روحه الوطنية الوثابة وغيرته على شعبه ووطنه.
الامر الثاني: تسليم سيارة اسعاف لاستخدامها من قبل احدى الميليشيات في تصفية واغتيال بعض العراقيين.
يقول ابو نوروهو احد الشركاء السابقين للكربوليفي اعترافات خطية مكتوبة له: ان جمال الكربولي استدعاه الى مقره وطلب منه اغتيال الشيخ مزهر العفات بناء على طلب من قوات الاحتلال وجهة عراقية مسنودة من دولة مجاورة، مقابل مليون دولار عدا ونقدا، فرفض تنفيذ هذه الجريمة الامر الذي دفع جمال الى استدعاء احد شيوخ الانبار الصغار ودفع له مليون دولار ونفذ الجريمة بدم بارد، علما ان جمال تسلم لقاء هذا العمل كتابا تحريريا ينقذه من اي تعرض قانوني له ازاء سرقته الهلال الاحمر العراقي.
الامر الثاني: في العام2008 وحيث العنف الطائفي على اشده، حاولت قوات الاحتلال السيطرة على بعض الطرقات ومنها الطرق المؤدية الى جامع براثا الذي استخدم كمجزرة لبعض العراقيين، فلم يجد زعيم فرقة الموت هناك جلال الدين الصغير من سبيل الى استمرار حطف المواطنين ومن ثم قتلهم في المسجد الا باستخدام سيارة اسعاف فطلب من الفاسد جمال الكربولي ان يزوده بسيارة فوافق الكربولي على الفور وتم استخدام السيارة للتصفية والاغتيال والاختطاف وهذه السيارة صارت حكايتها على كل لسان بغدادي.
وهنا نصوص الوثائق التي تبادلها الصغير مع الكربولي بشأن هذه السيارة التي اخرجت ارواح الوف العراقيين من اجسادهم:
الوثيقة الأولى:
كتاب مرسل من( النائب جلال الدين علي الصغير)
العدد 1122 ش في 27/1/2008
إلى / هيئة الهلال الأحمر
الموضوع/ تخصيص سيارة إسعاف:
(السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. الأمل موافقتكم على تخصيص سيارة إسعاف إلى منطقة العطيفية وما حولها وذلك لحاجتنا الماسة له، شاكرين تعاونكم
التوقيع: الشيخ جلال الدين الصغير)
والتهميش يقول:
وجاء بتوقيع الكربولي ( تصرف سيارة إسعاف جيدة ومجهزة)
الوثيقة الثانية:
مسجد براثا
العدد 81م ، التاريخ: 31/1/2008
إلى جمعية الهلال الأحمر الموقرة
الموضوع/ تخويل
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
دعائنا لكم بالموفقية وقبول الأعمال ، نخول السادة المدرجة أسمائهم أدناه باستلام سيارة الإسعاف المخصصة من جمعيتكم الموقرة إلى مسجدنا، آملين شمولهم برعايتكم.
الأسماء:
حيدر عبد المنعم حسن
أحمد جاسم محمد
التوقيع
أدارة مسجد براثا
الوثيقة الثالثة:
من الهلال الأحمر
مذكرة داخلية
من/ مكتب رئيس الهيئة
إلى/ السيد الأمين العام المحترم
م/ تخصيص سيارة إسعاف
تحية وتقدير...
وجه السيد رئيس الهيئة تخصيص سيارة إسعاف إلى الشيخ جلال الدين الصغير ، راجين الإيعاز إلى قسم اللوجستك لغرض جرد السيارة وتسليمها إلى المخولين المدرجة أسمائهم أدناه حسب كتاب أدارة مسجد براثا مع التقدير
المخولين:
حيدر عبد المنعم حسن
أحمد جاسم محمد
التوقيع
مدير المكتب
أحمد صاحب
عاجل
31/1/2008
ثانيا: يقول ابو نور في اعترافاته انه في العام 2008 كان مع جمال الكربولي في زيارة لدمشق، وامضوا احدى الليالي في (نايب كلوب النسيم) في شارع 29 ايار بدمشق، وكان ثالثهما احد اشقاء جمال، ومع صعود نشوة الخمرة في رأس جمال تبارى مع رجل اعمال ثمل على نثر الاموال على جسد احدى الراقصات (فلة) ، اذ ابتدأ النثر بوريقات صغيرة مالبث ان تصاعد الى الرزم النقدية (الشدات) بالعملة الاميركية وقد بلغ ما نثره جمال على تلك الراقصة مئة وعشرين الف دولار، نجمت عنها علاقة اثمة ورخيصة مع الراقصة التي لم تكتف بذلك بل امعنت في اذلالها لجمال وشقيقه وابتزتهما خير ابتزاز تمثل في شراء شقة سكنية لها في بيروت بمبلغ 600 الف دولار وتأثيثها بمبلغ مئة وخمسين الف دولار.
المثل العراقي يقول:
(مال عمك ما يهمك)
فالمال الذي ينثره هذا الفاجر جمال لا يوجع قلبه لانه مال مسروق من شعب العراق الذي ينام على جوع وتشرد وموت وفجيعة.
للحديث بقية...
مقالات اخرى للكاتب