ما أن إنتهت الحرب الباردة بسقوط الإتحاد السوفيتي , وتوهمت الدنيا بأنها ذات قطب واحد لما يزيد على عقدين , حتى إنطلقت نظريات المتوهمين بأن المعركة القادمة ستكون مع الدين؟!
فنهضت الرؤى والتصورات والآليات والمشاريع والمخططات , وبعد حروب وحروب , وجدت البشرية نفسها في محنة مصيرية قاسية.
ذلك إن المنظرين الذين إندفعوا في مخططاتهم وتصوراتهم , حسبوا الدين حزبا أو عقيدة كأي عقيدة قابلة للسقوط.
وقد أصابهم الإتحاد السوفيتي بسقوطه السريع بمقتل , وبإضطرابات فكرية وتقديرية مدمرة.
ووفقا لما خبروه من آليات الصراع معه , إنطلقوا في مخططات صراعهم الجديد , فانتهت الأمور إلى ما هي عليه الآن , ووجد الساحر سحره قد إنقلب عليه.
وفي محنة التورط الديني , إنتقلت البشرية إلى مرحلة مصيرية خطيرة , ربما ستعيدها قرونا عديدة إلى الوراء.
وبما أنها قد إمتلكت أدوات الفناء الشامل , فأنها قد أصبحت على شفا حفرة المصير المبيد.
وفي خضم المؤثرات العقائدية الإنفعالية المؤزرة بالإعلام الموجه الفعال المتمكن من عقول الناس , فأن قدرات الحكمة والحلم والرشاد , باتت واهنة ضعيفة ومدانة.
لأن معزوفات الرقص على أكتاف الموت , تتعالى أنغامها وتتنوع ألحانها , وترافقها طبول الحرب الصاخبة الإيقاع والضرب الجنوني الفتاك.
فإلى أين سيأخذ البشرية جنونها الفظيع , وإنطلاقها الحامي الشديد في دروب الهلاك البديع.
البشرية التي أصبحت مدججة بالسلاح والمتفجرات , والمبيدات الفتاكة الخاطفة للأنفاس كلمح البصر , حتى أمست المجتمعات في مآزق الخوف والقلق , والتوجس والشك وفقدان الأمن والأمان والسلام.
فما عاد البشر هنيئا بما وصل إليه من أسباب السعادة والرفاهية والتقدم والعمران , لأن الموت صار قائما ومباغتا له أينما حلّ وكان.
وحفت المخاطر أرجاء الدنيا ووسائلها ومبتكراتها , ومنجزاتها , وأصبحنا على حافة إنهيار القوانين , واحتراق الدساتير , وإنتصار أمارة السوء التي فينا , وسيادتها على المكان والزمان.
وبهذا ستزأر وحوش الغاب في طرقاتها الظلماء , وسيحل الفظيع والشقاء.
فعندما يتحول البشر إلى قنبلة , فإن الحياة تكون مقبرة!!
فهل من صحوة ضمير , ونهضة أخلاق , وعودة قيم , وسيادة عدل , وشعور ببعض المعاني الإنسانية , بدلا من التمادي بالقوة العدوانية؟!!