كنت في حوار مع أستاذ في العلوم السياسية , يدرّس في جامعة عالمية عريقة , وكان الحوار حول مستقبل المنطقة والعراق خصوصا.
وبعد أن تشعب الحوار , إستنتج بأن الذي جرى سببه إحتلال العراق للكويت , وهذه التداعيات ناجمة عن ذلك الإحتلال.
فقلت: بالتأكيد أن لذلك تداعيات جسيمة عشناها , لكن لماذا لم نتجاوزها؟
وأضفت: أن ألمانيا قد تجاوزت ما جلبه عليها الحزب الحاكم الذي أدخلها في مأزق الحرب العالمية الثانية.
فحدق بوجهي مندهشا وغاضبا وهو يقول: :كيف تقارن شعبنا بالشعب الألماني , شعبنا وين والدنيا وين, لا يمكن المقارنة , لا يمكن , هذا إعتداء على الشعب الألماني , أن تقارننا به!!
وراح يكيل التوصيفات السلبية على شعبنا والإيجابية على غيره!
فتعجبت من الأمر!
وقلت: الشعوب الحية تتجاوز محنها وتصنع مستقبلها!
وإذا به يقول: نحن شعوب ميتة , مدفونة في ظلمات الأجداث , لا يمكننا أن نعرف أبسط معاني الحياة , وكل ما نسعى إليه هو الموت!
أنظمتنا تؤسس لتفاعلات وقوانين ومؤسسات الموت!
حتى الديمقراطية حولناها إلى آلية للموت البشع!
قلت: إنه اليأس!
قال: أكثر من ذلك , فاليأس رحمة!
ومضى : إننا لا يمكننا أن نكون في الحياة , أو نتجاوز أي محنة , أو نحل أية مشكل , وإنما نتوحل بهما , ونتلذذ بالوجيع , ونتظلم ونذرف الدموع , ولا هم عندنا إلا التغني بالغاديات.
وشاركنا أحد الأخوة في الحوار , وقال ضاحكا: نفس الطاس ونفس الحمام , تروح ناس وتجي ناس , ومن هالمال حملوا اجمال!
ما كو سياسة , كلمن يضرب ضربته ويمشي!!
تأملت محدثي واحترت في الجواب , ذلك أن آلية السلوك العام محكومة بالجزع والخوف وفقدان الثقة بالآخر , وعدم الإيمان بالقدرة على التغيير والتفاعل المعاصر.
والعقيدة السائدة , أن لا وجود للشعب والوطن!
ونظرت إلى الأستاذ في العلوم السياسية متسائلا عن رأي آخر؟
فقال: الحل الأصلح أن يتم إحتلال البلاد من قبل دولة أجنبية , فلا ينفعنا إلا الإحتلال!!
وأضاف منفعلا: إن الحل في الإحتلال!!
فقال الأخر الذي شاركنا الحوار: الله يسمع من حلكك , خربت , وآخر الدواء الكي!!
ترى هل نحن حقا معوقين وطنيا وسياسيا وإنسانيا , ولا نصلح إلا أن نكون دولا محتلة مباشرة من قبل الآخرين؟!!