أرضية الإنتماء وتحديد الهوية في الوطن، قاعدة إنسجام منصفة لا تجعل أحد يشك بوطنية الأخر، الهشاشة نتيجة الإنهيار بعد دولة الخلافة وخضوع العراق للمعاهدات الدولية، جعلت المواطن بشكل (أ ) من الدرجة الأولى، او (ب) من الدرجة الثانية، تمنح جنسية التبعية العثمانية للساكن في أرض العراق منذ 6\8\1924م، (ب) لمن إعتاد السكن في العراق هو ووالده منذ 23\8\1921م، على هذا الأساس تم إسقاطها من مئات الألاف، ورث مشاحنات وصراعات وفهم مختلف بين الجميع، بعضهم يرى الشيعة صفويين، أخر يرى السنة أمويين او وهابين، ومن يرى الكرد إنفصاليين غيرعراقيين، لكن الجميع شارك في المعاناة، قتل وشرد وهجر وتعرض للإبادة الجماعية.
إنحراف العملية السياسية والتخبط والشلل وعدم وضوح محورمنطلقات الساسة, حرك بوصلتهم حسب المكون الإجتماعي الذي ينتمون له، جعلت الستراتيجيات تشوبها الضبابية والإندفاع الخاطيء.
الساسة الشيعة: لازالوا يشعرون عقدة المظلومية والتهميش والإقصاء والحرمان، إنكار كان سافر لحقهم في الحكم والمجتمع والجنسية العراقية أحياناً، في غياب الدولة المدنية وصولاً الى 9\4\2003م ، بعض الساسة لا يزال يعيش العقدة، يتصرف كمعارض ليس رجل دولة حسب المفاهيم الديمقراطية، هم أغلبية بلا غبار، حاضن للمكونات، لكن عرض الديمقراطية بهذا الشكل، يؤدي الى النفور والرفض من المكونات الأخرى، يشعر المقابل بالتهميش او يتوقع دكتاتورية إستبدادية للأغلبية الشيعية.
الساسة السِنّة: لم يدركوا واقع التغيير وتحول المعادلة السياسية، التي كانت تميل لهم بشكل واضح ومجحف على حساب الشيعة والكرد، التي أدت الى دمار البنية السياسية والإجتماعية والإقتصادية. الأعتقاد بعودة الإمور الى سابقها مخالف للمنطق، وتأمل عودة عقارب الساعة الى الوراء يضعف الفاعلية لديهم، يوسع الفجوة مع شركائهم، ينكر الواقع السياسي الجديد مروجاً للعقلية التاَمرية، يأزم العلاقة مع بقية المكونات بضرب التعايش السلمي، من خلال الإرتماء بأحضان السياسة العربية التي لا تملك الإستقلالية في القرار، غالباً ما تكون عرضة للمؤامرات العالمية على حساب الأشقاء، في غياب جامعة عربية تتعامل مع التحولات الأقليمية، إستقطبت أطراف لإبعاد العراق عن دوره الريادي منذ عام 1991م بعدغزو الكويت. التحولات العربية ربما تحمل سياسات غامضة تتطلب التمتع بالحكمة وتبني المواقف الوطنية.
الكرد: لهم منطلقات إستراتيجية، من أدبيات إقامة دولة كردية كبرى وحلم الدولة القومية بعد إنتهاء عصرها، ولد نقمه وعداوة الدول الأقليمية مزعزعة أمن العراق وإستقراره، الإيمان بهذا المشروع يقطع الصلة مع المكونات الأخرى، يشعرهم بالإنتماء المؤقت، والدول مثلما ترفض، تقدم الإغراءات بشكل مؤقت مع نقمة ايران وتركيا وسوريا، كي لا يكونوا نموذجاً لأكرادهم. التفكير بهذا النمط يقلل الولاء ويدفع المتطرفين إتباع إسلوب عنيف في سلوكهم السياسي. وعود الدول الأقليمية تقف عند نقاط معينة، لا يمكن أن تضحي بمصالحها لمصلحتهم. المظلومية التي تعرضوا لها تركت الصدمات والأثار، وللتخلص منها لابد التحرر من هذه العقدة، والإندفاع في بناء مجتمع عراقي متعافي متكافيء يعملون فيه شركاء حقيقين.
صناع القرار والمستشارون والأكاديميون والخبراء إنزلق بعضهم خلف المكون الإجتماعي، يتحرك وراء عقلية الساسه مندفعاً خلف مسارات خاطئه غير محسوبة العواقب.
المواطن العراقي وفياً لوطنه، والأطراف السياسية لا تزال ساعية خلف التقسيمات الأجنبية، وسياسة الطائفية والقومية سلم إنتخابي، أفقدت المواطن حقه المساواة في الإنتماء. الوطن هو الماء والهواء الذي لا يستطيع أن يعيش بدونه مواطن، والجميع في مركب واحد والعبث من أحدهم يغرق العراق. الواقع الجديد يحتاج تعامل إيجابي، ونجاح بناء الدولة متوقف على طبيعة التفكير وتحليل البيئة الداخلية والخارجية، بعد فشل النخب في التوافقات السياسية في الحكم، لا يمكن ان يقوّم الإنحراف الاّ بأغلبية سياسية من جميع المكونات.
مقالات اخرى للكاتب