عصر الثلاثاء الماضي وبعد مرور يوم على حادث تفجير مقهى في حي العامل بجانب الكرخ من العاصمة بغداد ، شددت الأجهزة الأمنية إجراءاتها فاصبح عبور السيطرات أشبه بالخروج من عنق الزجاجة ، بإخضاع المارة والمركبات إلى التفتيش فوصل الازدحام" إلى الفاو" على حد تعبير رجل في السبعين من عمره ، كان متوجها مع مجموعة أشخاص من نساء ورجال لحضور مجلس عزاء في حي العامل ، طال انتظار المعزين لأكثر من ساعة ، وفشلت محاولات السماح لهم بمرور المعبر عن الطريق المخصص للمركبات الحكومية ، وفيما اذعن الرجال والشباب للأوامر وانتظار الفرج القريب ، توجهت النساء إلى موقع السيطرة ورفعن العارضة وفتحن الطريق العسكري فمرت سيارات المعزين متخطية جهاز الكشف عن المتفجرات بسلام.
في مجلس العزاء واصل الرجال حديثهم عن عبور السيطرة ، وأشادوا بدور النساء في تحقيق إنجاز تاريخي كبير في إقناع الضابط المسؤول بتخفيف إجراءات التفتيش ، احد المعزين ابدى اعتراضه على الدور النسائي في تحقيق العبور ، وخاطب الحاضرين بالسؤال :" وين صارت الزلم " وبين مؤيد ورافض للسؤال، قال احدهم أن القضية لا تتطلب موقفا رجوليا ، ومواجهة من هذا النوع بإمكان النساء حسمها من دون الحاجة لتدخل "الزلم النشامة " .
في مجلس العزاء النسائي وبعد الانتهاء من فاصل البكاء والعويل وترديد أهزوجة "ياملك الموت سو للزين جرباية " كان الحديث يدور عن رفع عارضة التفتيش بجهود النساء مع الإشارة إلى أن "الزلم " كانوا داخل سيارة الكوستر يدخنون وأحدهم لم يحرك ساكنا ، خشية التعرض للاعتقال بتهمة أربعة إرهاب والدخول بـ "طلابة "طويلة مع الحكومة ، تعجز سنن العشائر عن حلها ، لتعلق الأمر بخرق القانون .
أثناء عودة المعزين ، وداخل سيارة الكوستر سرد صاحب مقولة "وصل الازدحام إلى الفاو " قصة عن شخص كان مطاردا لنشاطه السياسي من رجال الأمن في زمن بعيد ، ولم يجد ذلك الشخص المتنكر بزي قروي غير المقبرة للابتعاد عن الملاحقة ، فلجأ إلى احد السراديب ، وعندما شعر انه بات على وشك أن يكون بقبضة عناصر امن السلطة في ذلك الوقت ، صرخ بأعلى صوته "ها إخوتي الموتى عليهم " وبارتفاع الصوت ، وتردد صداه في المقبرة مع الدقائق الأولى لحلول الظلام ومن خلال "الاستعانة بالموتى" استطاع السياسي المطارد التخلص من ملاحقيه ، والقصة حسمت الجدل حول الدور النسائي في رفع عارضة سيطرة التفتيش ، ولكنها أثارت التساؤلات عن معناها وخاصة في ما يتعلق بتحشيد "جهود الأموات" لمساعدة الأحياء في الدفاع عن حقوقهم ، وحثهم على الاحتجاج عند شعورهم بانهم يتعرضون لمظاهر تعد في دول العالم ذات الأنظمة الديمقراطية انتهاكا فاضحا لحقوق الإنسان ، سائق سيارة الكوستر كان الأكثر حماسة بين مستمعي القصة لتفسير معناها بشكل عملي ، وابدى استعداده للتنازل عن أجرته عندما يتفق معه عشرة رجال لقيادة انتفاضة "الأحياء الموتى" لمنع وصول الزحام المروري في بغداد إلى القطب الجنوبي.
مقالات اخرى للكاتب