يروى عن الشيخ عبد السلام البغدادي وكان من الفقهاء، انه كان اذا القى على تلاميذه درسا في علم الكلام، خصوصا في تفضيل الاسلام على غيره من الملل، ختم درسه بهذين البيتين:
( يلّي تريد العبر.... ومن الغرك تبرهْ
كل الشرايع زلك.... من يمّنه العبرهْ)
هذا الشيخ المسكين لو امتد به العمر لما قال مثل هذا الكلام، وحتى لو انه تفحص التاريخ جيدا، لما ورط نفسه بهذين البيتين،فعلى مر التاريخ كان الموت والذبح والتمثيل بالجثث مرافقا لاغلبية من كان يدعي الاسلام، وهذا لم يكن مفاجئا وانما سبقته سوابق كثيرة، سياسة قطع الرؤوس والتمثيل بالموتى وسبي النساء واعتبارهن غنيمة، لم تكد تخلو حقبة زمنية من هذه الاحداث غير المتزنة،ومع هذا هناك من يمتدح الاختلاف، مذاهب وايديولوجيات اختلفت تماما في تفسير النصوص والعمل بها، ويذهب البعض الى انها رحمة، وكل الشرايع زلك من يمنه العبره.
لندع الموت العراقي الذي اتخم من جراء حفلات الموت المستمرة بالكاتم والمفخخة والعبوات، وربما الكيمياوي قريبا، ونذهب الى الاخوان في مصر كانموذج للفكر الاسلامي المعتدل، فهم ليسوا مثل القاعدة بقناعة الكثيرين، لقد قام انصار جماعة الاخوان المسلمين بالاعتداء على الروائي المصري علاء الاسواني في فرنسا، حيث كان الاسواني يلقي محاضرة ادبية في معهد العالم العربي في باريس، وكان من بين الحضور جاك لونغ وزير الثقافة الفرنسي السابق، وجيل جوتيه مترجم رواية الاسواني( نادي السيارات) التي كان من المقرر الحديث عنها في تلك الجلسة، هذا الحدث بمفرده يعكس حجم الظلام الذي ينطوي عليه فكر هذه الجماعة والجماعات التي تنتهج نهجها او اكثر منها تطرفا،مدارس رأي نشأت في القرون البعيدة اسست لايديلوجيا لاتستطيع مهما اوتيت من وعي ان تستوعب الرأي الآخر، ايديولوجيا لاتؤمن بالحياة سوى انها ممر ضيق لحياة دائمة يجب الفوز بها حتى وان كان الثمن ابادة البشرية عن بكرة ابيها، كل هذا والشيخ الجليل يقول من يمّنه العبرهْ.
نحن في العراق نقف على طريق الابادة الجماعية، ومن تعدته مفخخة اليوم لايمكن ان يسلم من مفخخة الغد، سياسة القتل والتخريب والفجع والموت ممتدة الى مالانهاية، الطرق مفتوحة على مصراعيها والحدود ايضا والقاتل يمرح ومن قبل كان ينتحر، الآن لم يعد يرى ضرورة للانتحار، سيارة مركونة تؤدي الغرض وتقتل العشرات بل المئات، وينتظر موته في مهمة اخرى ليحظى بكل مالذ وطاب، هذه الثقافة وحدها تستطيع ان تحرق الاخضر واليابس، وتستدعي ايديولوجيا معاكسة تفضح زيف مايؤمن به هؤلاء والجهات التي تقف خلفهم، فمن المستحيل ان يكون القتلة بلا حواضن من داخل الوطن او خارجه، او انهم بلا جهة تزين لهم اعمالهم او دول تدعمهم ليسدروا في غيهم ويقتلوا كل من اختلف معهم في قول او فعل، ومن الطبيعي ان تنتعش مثل هذه الثقافات التي تؤمن بتصفية الآخر، لان البلدان بدأت تعود الى عصور متخلفة بفعل سياسات اميركا ودول اوربا، حيث الربيع العربي الذي اتى بالافكار المتطرفة بديلا عن حركات التحرر والانفتاح والايمان بالآخر شريكا في الوطن مهما كانت عقيدته، هذا الربيع الهمجي الذي استغلته الحركات المتطرفة وشخصت بواسطته الى المقدمة والصدارة، كان سبب في انكفاء العلاقات وانقسام الشعوب على بعضها والتفكير بالفئة والجماعة والعرق، وبات التفكير في الوطن ومراعاة مصالحه امرا غير مألوف في وقتنا الحالي، فمن اين العبرة ياترى اذا كانت كل الشرايع زلك.
مقالات اخرى للكاتب