في موطني حيث البهاء والسناء والجمال والجلال"حسب النشيد" ، طردت من وكالة الانباء العراقية "واع" بكل بساطة وبثلاث كلمات :" عندما تنتظم في الحزب ستعود " وكانوا بامس الحاجة لي ، وكنت الاكفأ بلا منازع . خطي لا جدال عليه ، لغتي الصحفية سليمة والنحو لا غبار عليه . وخرج الشاب المطرود ولم يعد . في محل الخطاط وهو الاخر اسمه "حميد" بشارع المتنبي ، نجحت بالاختبار بعلامة كاملة وفي اليوم الموعود اعتذر مني صاحب المحل لان هويتي الجامعية تفضح اهوائي فهي تقول انني ادرس اللغة الفارسية وهي آنذاك لغة الفرس المجوس الذين كانت تاتي من مدنهم رياح صفراء تهدد البوابة الشرقية للعرب . في كازينو ام كلثوم بشارع الرشيد دخل علينا مسلح فحول المقهى الى ما يشبه المركز التجاري الكيني "ويست گيت "الذي احتلته حركة الشباب الصومالي الاسبوع الماضي . فتساقطت لوحات السيدة الاثرية وأشرطة الغناء النادرة و استكانات الشاي على المنبطحين ارضا خوفا من الرصاص المدوي . في اليوم التالي كان المسلح البرىء يحتسي الشاي" السنگيل" امامي في المقهى وكان شيئا لم يكن فهو ضابط امن استسلمت جمجمته آمس لسلطان الجعة فارتأى ان يتلاعب باعصابنا قلیلا، وقانون العوجة يسمح له في ذلك ولكنه لا يسمح لمواطن يتابع لطميات حسينية عبر اذاعة ايران العربية فيحكم بالسجن سبع سنوات عراقية . في ايران سجنت في زنزانة انفرادية ثلاثة عشر شهرا وضعت اوزارها مع مقتل عدنان خير الله بمروحية صدامية عام ٨٩ . وفي يوم المغادرة لم يطلعني السجان "اعلى الله مقامه" على سبب تلك الضيافة الكريمة في سجن "چهار شير " المبجل . في طهران الجميلة عملت بالصحافة لخمس سنوات وبكل حماس ناسيا رطوبة زنزانة الاهواز ، فبخلوا علي بهوية صحفي . فآثرت الهروب الكبير . فی شمالنا "الحبيب جدا " لقيت ما لقيه آل محمد "ص" في شعب ابي طالب . في سورية عليك لكي تصارع الحياة فيها ان تقارن وضعك اليوم مع وضعك امس في العراق فتبتسم لسخرية القدر . وفي كلاهما لا افق لغد سياتي لاطفال اجبروا على الحياة . في مثل هذا اليوم التاسع والعشرين من سبتمبر ٩٨ حملت على ظهري ( اخف ما لم من زاد اخو سفر - الجواهري) و يممت شطر محطة مجهولة اخرى في اقصى الارض . هنالك حيث تختلط التكنلوجيا الحديثة بصرعات الموضة بافلام هوليوود و بطولات رامبو و راكي . ولانني خارج من رحم شعب ذابت فيه الفواصل بين البلاد وقائد العباد " اذا قال صدام قال العراق " فظننت ان محطتي هذه لا تختلف كثيرا عن سابقاتها ، وما الحديث عن الديموقراطية والحرية الا نكات سمجة تنسجها الانظمة للضحك على ذقون البسطاء من امثالي . وتهاوى اول عمود من هذا القناعات عندما زرت متجرا في منهاتن مخصصا للسخرية من الرئيس بوش . المتجر يستقبلك بتمثال بحجم طبيعي للرئيس وما ان تضع يدك على ظهره حتى يحدث لك صوتا من دبره "اجلكم الله" . في الكلية حيث كنت ادرس "غرافيك دزاين" اسكتت الاستاذة "ديبورا " طالبة مؤيدزة كانت تريد ان تتحدث عن تجربتها الشخصية مع السيد المسيح "ع" وكيف انه انقذ ابنها من براثن الايدز التي كانت تعاني منه "التفاصيل اطلعت عليها لاحقا" ... في العمل جمعنا المدير العام ليبلغنا طرد مساعده القوي جدا من العمل لانه تفوه بعبارة عنصرية امام الزميل الفلسطيني "يوسف" ولم يترك له حتى فرصة الاعتذار . في البيت زارني موظف "F.B.I " مع شرطي قبل سقوط نيرون بغداد بشهور . ابرز لي هويته الشخصية وعندما اعربت له عن عدم ارتياحي لوجود مسلح في بيتي اوعز للشرطي بالمغادرة . قال انه سيطرح علي مجموعة اسئلة عن العراق تاركا لي الخيار في عدم الرد على ما لا اراه مناسبا . زودني ببطاقة تعريف شخصية وعرض علي الاتصال بهاتفه المحمول في حال تعرضت لاي مشكلة . استقر البزنس كارد في اقرب سلة المهملات بعد مغادرته مباشرة . في المدرسة كان ابني احد ثلاثة اختيروا من بين عشرات الطلاب لبرنامج تعليمي خاص بالموهوبين "G.T" وحتى يومنا هذا وهو على اعتاب الدراسة الجامعية . في محكمة المرور أدى الضابط الذي كتب لي الغرامة المالية اليمين القانونية و ردد امام القاضي نصا مفاده بان الغرامة صدرت وفقا للانظمة المتبعة وليس عن تحامل او اهواء شخصية . جاري استاذنني عبر السياج الذي يفصل بيتينا ليهدي لي منشارا كهربائيا اهدي له امس في عيد ميلاده . جاري هذا يخرج ظهيرة كل سبت مع زوجته ينظفان محيط بيوتنا من كل ما اهمله المنظفون . الميادين المهمة في المدن الكبرى وعلى راسها واشنطن العاصمة تكاد لا تمر عطلة نهاية اسبوع واحدة دون وجود مظاهرة احتجاجية ضد حرب يترقبها عزرائيل او اجراء حكومي ينظر اليه على انه جائر . هنا يتبرع الثري بنصف ثروته وهو حي يرزق وبما تبقى منها بعد الموت رغم ان ايا من هؤلاء الاثرياء لم يجن "المصاري" من نهب النفط السعودي او الاثار العراقية او القاز الغطري التميمي !!! لم تكد تمضي سنتان على وجودي هنا حتى تلقيت عرضا مغريا من مصرف رصين يسهل علي شراء بيت . هنا لا تجرؤ ان تلمح لشرطي المرور او أي شرطي آخر بتمرير قضيتك من خلال هدية وهي الاسم الحركي للرشوة . هنا لم اشاهد صورة للرئيس الا في دائرة الهجرة التي لم ازرها منذ سبع سنوات وهو التاريخ الذي تشرفت فيه بحمل جنسية الانسان الاميركي المبدع . زوجتي وهي كربلائية مولودة في العراق ، طردت من موطن اجدادها مع عائلتها وهي مراهقة ضمن جريمة التسفير النكراء وهي لا تملك حتى يومنا هذا شهادة الجنسية العراقية . لكنها زارت بفضل الجنسية التي منحها اياها الشعب الاميركي بلدها وايران وقطر وبامكانها ان تجوب العالم بوثيقة ضنت بها عليها بلداننا المتسافلة ... فتصوروا المفارقة المهينة . اتجنب جهد الامكان التحدث عن شان شخصي لا يعود بالفائدة للعامة لكني مضطر هنا للتحذير من ان اطفالنا بالكامل يقدمون هدية للغرب ونحن له شاكرون ممتنون عل صنيعه الجميل . فابني وابنتي يتحدثان العربية بصعوبة الان ولكم ان تعرفوا بسهولة اللغة التي سيتحدث بها اولادهما . فمن الملام اليوم ؟ ومن الملام في يوم الحساب ؟
مقالات اخرى للكاتب