رقد الليل في منامه وهو يطوي بطون أكثر من مليار جائع ممن التحفوا في دثار جوعهم وهم على أسرّة نومهم ينتظرون غدهم ليكسبوا ما يسد رمقهم قبل أن يلتهمهم الكسل أو يغرقوا في عرق أجسادهم العارية من كل شيء إلا من الجوع الذي استأنسوا واطمأنوا إليه من دون إرادتهم. أما الغذاء الذي ينتظرون قدومه في كل لحظة فإنه لا يقدم لهم إلا على أطباق ظلت أسعاره تلهب أفواه آكليه. هذا هو حال عالمنا الذي لا يوفر العدالة، إذ يستيقظ الناس فيه ويستقبلون فجر يومهم وهم في تزايد وأمامهم مدن تتوسع وأرياف تندثر، وأفواه جائعة تتطلع الى شغف الوعود التي عقد عزمها قبل قرابة أربعين عاماً وزير خارجية الولايات المتحدة (هنري كيسنجر) أمام مؤتمر الغذاء العالمي الأول الذي عقدته الأمم المتحدة في العام 1974 للقضاء على مشكلة الجوع. اذا وعد كيسنجر المجتمع الدولي بإنهاء أزمة الأطفال الجياع في غضون عشر سنوات قادمة. ولكن مضت عقود أربعة ما زال الجوع فيها كمشكلة عالمية تتجه نحو الأسوأ تضرب صغارها قبل كبارها، في وقت تعاظم فيه إنتاج الغذاء في العالم بحوالي عشر مرات بين الأعوام 1961 و2005.
تؤشر تقارير منظمة الغذاء والزراعة الدولية، الى أن سكان العالم من الآن وحتى العام 2050 سيزدادون بنسبة أكثر من (الثلث) وان الطلب على الغذاء سيزداد بنسبة (70 بالمئة)، كما سيتضاعف الطلب على اللحوم، ولكن ينبغي أن ترتفع أسعار الحاصلات باستمرار لتشجع المزارعين على الإنتاج ومد كوكبنا الجائع بالغذاء. وستكون النتيجة هي إضافة ملايين أخرى من الجياع في عالم ما زال يلتحف فيه مليار من البشر فراش نومهم بالجوع.
لم تشهد أسعار الغذاء مثل ذلك الصعود الهائل الذي شهدته بين العامين 2007 - 2008 وهو الارتفاع الاول من نوعه الذي تعرضت له أسعار الغذاء منذ ثلاثين عاماً مضت، ما ولّد عوامل غضب واضطراب في الكثير من البلدان النامية كالسنغال التي تستورد على سبيل المثال 80 بالمئة من حاجتها الى الرز وغيرها من البلدان. واتخذت فيتنام وتايلاند، لكونهما من أكبر مصدّري الرز بالعالم، إجراء حظر تصديره، وعجّلت الفلبين باعتماد هدف تغطية احتياجاتها من الرز المنتج محلياً بنسبة 98 بالمئة بحلول العام 2010 وقامت اندونيسيا باعتماد سياسة الاكتفاء الذاتي في توفير الغذاء من خلال برنامج حكومي واسع أسموه: الانقضاض العظيم على توفير الغذاء وبغزارة. وبالتزامن فقد قامت العديد من الدول ببرامج مماثلة تستهدف الاكتفاء الذاتي في توفير محاصيل الحبوب مثل، ماليزيا وكولومبيا وهندوراس وغيرها من الدول.
واللافت أن بلدانا أخرى غنية أخذت منهجا مختلفاً في الاعتماد على الذات في توفير الغذاء بسب عدم ثقتها ببورصة الغذاء الدولية وهو أسلوب الاستثمار الزراعي في البلدان الفقيرة نفسها، وهو أشبه ما يكون بإقامة المستعمرات الزراعية. حيث قامت كوريا الجنوبية والصين والسعودية والكويت وغيرهم بشراء أراض زراعية في مناطق فقيرة من العالم في نطاق الاستثمار الأجنبي الزراعي، والعمل على زراعتها بالمحاصيل المهمة وتحويل الإنتاج الى أسواقها المضمونة بدلا من الاعتماد على الاستيراد من السوق العالمية.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تسلمت السعودية في مطلع العام 2009 أول شحنة من الرز الاثيوبي من خلال استثمار أراض لها في الحبشة بلغت 100 مليون دولار. صفوة القول، فقد عدت ظاهرة مستعمرات الغذاء في العالم من الأساليب المستحدثة التي اتجه اليها الاستثمار الأجنبي الزراعي المباشر. فحتى مطلع العام 2010 جرت حيازة أكثر من 20 مليون هكتار من أراضي الدول الفقيرة نفسها أما ابتياعاً او ضمن عقود تأْجير طويلة الأجل لتقام عليها مستعمرات الغذاء في تلك البلدان الفقيرة!!
ولكن لنتذكر جميعاً قبل أن ننسى تلك اللوحة الفنية التي رسمت قبل سنوات وهي تجسد حالة تكاثر أعشاش بيت العنكبوت وتطورها بأشكال هندسية على إست ذلك الطفل الافريقي الجائع الذي هجره الغذاء وغادره الى مستعمراته الجديدة!!