كانت زيارتي ألأولى للعراق عام2003م بعد غياب طويل .. مفاجئة كبرى لي و لِمّنْ تبقى من عائلتي و أقربائي ألّذين كانوا ينتظرون قدومي على أحرّ من آلجمر بعد ما تعرّضوا لأسوء آلمُضايقات و آلسّجون و آلأعدام و آلتشريد على يد سلطات الأمن و المخابرات البعثية .. هذا بعد فراق "ماديّ جسديّ" لأكثر من ثلاثين عاماً بسبب تسلط حزب آلجهل ألبعثيّ و آلهداميين على مُقدرات العراق و آلعراقيين و سرقة ثرواته و تبذيره للمُتملقين ألبعثيين ألبدو و آلعرب و آلهنود و آلبكيين و آلأفارقة, لهدر كرامة العراقيين آلآخرين – الفقراء منهم بآلذات - و إذلالهم و قتل و تشريد آلمؤمنين, هذه سياسة صدام في آلداخل, أما في آلخارج فقد تركّز على كسب ودّ آلأجانب في آلخارج عن طريق ضخّ ألأموال ألمسروقة من دماء و قوت الفقراء العراقيين إليهم للتسلط عليهم من بُعد!
أثناء زيارتي ألتأريخيّة تلك و كأيّ عراقيّ شريف مغترب عاد لوطنه كنتُ أتجوّل في زيارتي بيوت ألأقرباء و آلمعارف في آلكثير من مدن العراق خصوصاً في بغداد و آلكوت و بعقوبة و توابعها لدعواتهم و تكريمهم(للمجاهد الداعيّة ألعتيد العائد للوطن) .. شاركتُ ولائمهم ألتي لم أفرح لأكثرها لعلميّ بأن بعضهم كان يستدين آلمال لإعداد مكونات المائدة (العزيمة) و كما يعرف ألمُتطلعين بأنّ جميع العراقيين إفتقروا إلى حدّ بعيد بسبب سياسة آلبعث الهجين .. بجانب هذا؛ كنتُ لا أتكلّم كثيراً – و أنا أساساً لا أحب الكلام و الثرثرة حتى مع زوجتي و أبنائي – بل أفضل الصّمت و آلتأمل في أكثر الأوقات و كنتُ أحبُّ مع كلّ لقاء يجمعني بأهلي و بأقربائي؛ أن أتأمل ما مضى بعمق و كأنّهُ تأريخ حاضر أمامي لأعيد شريط الذكريات التي كانت تنقلني إلى عوالم بعيدة و مثيرة كادت أن تنتقل مع طول الوقت إلى غياهب آلمجهول لطول فترة الفراق و لكثرة أحداثه و لشدّة وطئه, و لهذا كنت أريد الكثير من آلقوة و آلوقت و التأمل و آلصّمت ألمُعبر كي أعيد تفاصيلها ثانية لوجودي .. لمعزّتها إلى قلبي الذي إمتلأ بجراح آلغربة و آلبعد و متاعب السفر و آلأنتقال في كلّ اقطار الأرض تقريباً!
و رغم أّن الأنطباع ألسّائد على آلأجواء كان هو آلتدين و آلألتزام على الجميع – أو هكذا كانوا يحاولون إظهار أنفسهم أمامي - بل بعضهم كان يُلَمّحُ لي بإنتمائه أو تعاونهُ مع الدّعاة و آلشّهداء و دخوله آلسّجن, ربّما محاولاً ألتّقرب منيّ أكثر .. أو محبّة بي لأسعادي لكوني كنتُ في يوم من الأيام داعيةً مخلصاً لله و للوطن و آلوطنيين يوم لم يكن في سوح بغداد إيّ من "آلدّعاة" الحاليين يقاتل البعثيين سوى آلذين أمضوا بجنبنا شهداء لبارئهم أو بعض من تبقى منهم من آلسجناء السياسيين, و حقاً لم أساوم أحداً لا داخل العراق و لا خارجه على مبادئي و أسراري التي ما زالت يضيق بها صدري – خصوصاً ألأنكلو – أمريكان و غيرهم رغم محاولاتهم في ذلك أثناء وجودي على أراضيهم كلاجئ مقيم عملت في هندسة الكهرباء و غيرها لأتدبر من كدّي مصاريف حياة عائلتي .. بعكس معظم ألعراقيين – خصوصا الدّعاة منهم – ألذين باعوا كلّ شيئ و كانوا و ما زالوا عالة على دائرة المساعدات الأجتماعية و كان "خضير الخزاعي" هنا في كندا/ آتاوا رمزاً و قدوةً في الأستجداء و الطفيليّة و آلعيش على أتعاب آلكادحين لأنه لا يتقن مهنة حتى مهنة السياقة لم يتدبرها!
من آلمفارقات الكبيرة التي صادفتني و أدهشتني ثم آلمتني كثيراً فيما بعد .. أثناء تلك الزيارة آلتي جاءت بعد فراق عسير و قسري ظالم – هو ردّ فعليّ ألعنيف على سرقات بسيطة من قبل بعض أقربائي من مؤسسات الدّولة العراقية بُعيد آلسقوط, و كانت في آلحقيقة كرّد فعل عشوائي لما واجهوه من الحصار و الجوع و آلسّرقات من قبل النظام الجاهل البائد طوال ربع قرن أو يزيد, فسرقوا بعض آلحاجيات البسيطة من بعض الدوائر الحكومية التي نُهبتْ أبان فترة السقوط التأريخي الكبير للبعث, كسرقة شمعةٍ أو مصباح كهربائي أو كرسيّ مكسور أو ستائر(بردات) و غيرها, و آلتي كلّها لم تكن تساوي بقيمتها بضع دولارات أنذاك!
لكني أبديتُ إمتعاضي من ذلك, و أعلنتُ حرمة عملهم على محدوديتها .. لأنّها من آلأموال ألعامة التي يشترك فيها جميع ألعراقيين .. هذا إذا لم نقل ألأمّة كلّها رغم بساطة ثمنها و أهميتها!
و بآلفعل لم يُعارضني أحداً منهم, و قاموا بآلفعل بإسترداد كلّ ما أخذوه, بل بعضهم أهداها للمساجد و المراكز و الدوائر القريبة من بيوتهم كدلالة على وفائهم للعراق و العراقيين و دين الأمة, بعد أن إعترفوا بعدم قيمة تلك الأشياء مقابل الظلم الذي لحقهم خلال العقود العجاف الماضي!ة
لكنيّ وبعد مضي سنوات قليلة على تلك الحادثة؛ تأسفتُ كثيراً اليوم على موقفي آلصارمة تجاههم و إعتراضي عليهم, و إرجاعهم لتلك الأثاث البسيط الذي لم يُغن و لا يسمن من جوع, حيث لم يكن له قيمة تذكر سوى إنها كانت على آلأكثر كردّ فعل عفوي للأنتقام من آلنظام ..
تأسفت كثيراً .. خصوصاً بعد ما رأيت النهب و آلسّرقات القانونية ألكبيرة عبر رواتب و مخصصات ألمسؤوليين العراقيين خصوصاً الحيتان الكبيرة منهم و آلذين لا يُعرف أحداً لحدّ آلآن بآلضبط ما يستلمون و ما يقبضون و ما ينهبون!؟
و أخصّ منهم بشكل خاصّ رؤوساء ألكتل و مجلس البرلمان و رئيسه البعثي ألقذر ألنّجيفي و معاونيه و أعضاء البرلمان جميعاً و كذلك رئيس الحكومة و معهُ آلوزراء و رئيس الجمهورية و نوابه ألتافهين أولاد الحرام, فهؤلاء تعدّوا حدود كلّ آلقيم ألأخلاقية إلى مرحلة الأجرام و ما بعدهُ .. ليعيشوا جميعاً في جهنم آلحياة وهم يأكلون النار في بطونهم على إنتظار دخول جهنم آلآخرة خالدين فيها للأبد .. لسرقتهم قوت آلفقراء و المساكين و الشهداء و إخوتهم السجناء السياسيين الذين ما حصلوا سوى على آلقليل من شتات ما تبقى من خزينة العراق ألتي للمسؤوليين فيها حصة الأسد و بآلسّر, حيث أشارت الأحصائيات إلى ذهاب ما يقرب من 65 – 70 بليون دولار سنوياً لرواتبهم و مخصصاتهم و خدماتهم و حماياتهم و مستشاريهم و موظفي مكاتبهم ألذين أتقنوا آلفساد و آلأحتيال و آللباقة كآلعاهرات و في فترة قياسيّة عجزت كلّ أنظمة الشرك و الكفر و النفاق في العالم من آلأتيان بها!
لا أدري هل كانت أوامر ألسيد "بريمر" خطة يهوديّة – إستكباريّة خبيثة لتدمير ألبقية ألباقية من تأريخ ألبعض من المسؤوليين العراقيين بهذا آلشكل ألسّافر و بغطاء القانون و بلا أدنى حياء, ليكونوا من أبناء الحرام بإمتياز .. بل أقسم بآلله بأن أقدام أبناء الزنا يشرفهم لأنهم أبرياء و والداه هما آلسبب في وجوده و قد يغفر الله له يوم القيامة, لكن ماذا يقول هؤلاء الظالمين المجرمين من أبناء الحرام الحقيقيين ألذين إمتلئت بطونهم و عوائلهم من آلمال الحرام و بقية آلنسا .. حوالي عشرين مليون عراقي يشكو آلنقص في الفيتامينات و التعليم و آلصحة و السكن الصحي و غيرها من متطلبات الحياة بحسب تقريرات هيئة الأمم المتحدة!؟
لا أدري و آلله .. هل كانتْ خطة يهودية خبيثة لأفساد آلوضع بعد ما درسوا جيداً في أكاديمياتهم وضع و نفسية المسؤوليين و كما وصفهم "بريمر" للسفير الأمريكي في العراق بصفات غابت عن كلّ العراقيين .. أم أساساً هي آلطبيعة العراقية التي تطبعت على آلأختلاس و آلنفاق و آلتزوير و آلكذب و آلمؤآمرة و الظلم و القتل و النهب و السرقات مع كل فرصة ممكنة أو خلوة آتية!؟
لستُ نادماً كثيراً على شيئ في تركي للعراق, رغم تأريخي آلطويل في مقارعة الظلم و لا أزال غير مبالياً لا بمنصب و لا حقوق و لا إمتيازات و هي من إستحقاقي القانوني, فآلله تعالى هو آلذي يرزقني دوماً .. و هذا هو وضع العراق, و كما يقولون: (كيفما تكونوا يُوَلّ عليكم) ..
لستُ نادماً لشيئ إلّا لشيئ واحد هو إنّني حَرمتُ آلمحرومين ألمظلومين من أقربائي .. بل و خاصمتُ بعضهم على مُجرّد أخذهم لأثاثٍ بسيط من مكاتب بعض الوزراء ألمجرمين البعثيين و هي لم تكن تُساوي شيئاً, هذا بعد ما رأيتُ بآلمقابل كلّ هذه آلسّرقات ألكبرى و آلنهب ألمنظم من آلمعميين و آلمدعيين للدين و للدعوة آليوم .. و لا أعتب على آلبعثيين كثيراً لأنهم أساساً فاسدون و منحطون!
تباً لكم أيها العراقيون جميعاً .. فكلكم مسؤولين على تلك آلسّرقات التي لم يُحدّثنا عنها سوى مملكة ألوهابيين و شيوخ آلأنبطاح في الخليج كما آلعراقيين ألمنبطحين تحت بساطيل و خطط آلأمريكان و اليهود اليوم!
و يبقى الفرق كبيراً في المقارنة أعلاه بين الظالمين في آلعراق و في آلخليج؛ لكون ألوهابيين تسلّطوا و حكموا ألجزيرة ألعربيّة منذ 3 قرون و تطبعوا و تعلموا من أسيادهم ألأنكليز أساليب الظلم و السيطرة و النهب و آلظلم على مدى تلك القرون و لا من معارض ..
بينما هؤلاء ألعراقيين (الشيعة و آلسنة) "ألمؤمنين جدّاً", "ألمخلصين جداً جدّاً" لم يتجاوز فترة حكمهم سوى بضع سنين .. و لذلك لا أحب العراق .. و لا حول و لا قوّة إلّا بآلله ألعليّ العظيم.
مقالات اخرى للكاتب