أنهت قمّة المناخ العالمية السنويةCOP22 ، المنعقدة للفترة من 7-18 تشرين ثاني 2016، في مراكش العاصمة المغربية، أنهتْ أعمالَها بإشرافٍ من المنظمة الدولية. وقد وصفها وزير البيئة المغربي بقمّة تنفيذ قرارات قمّة باريس، من خلال التوصل لإقرار خطة عمل لتطبيق الاتفاق المذكور، والهادف لتقليل نسبة الاحتباس الحراري على الكرة الأرضية دون درجتين مئويتين، من أجل خلق بيئة نظيفة للبشر على الأرض حتى عام 2018.
ويأتي هذا الحدث المهمّ على الصعيد الدوليّ، تتمّة ومتابعة لقمّة باريس الناجحة بكلّ المقاييس 1COP2، التي عُقدت قبل عامٍ من ذات الشهر، والتي اختتمت آنذاك في 12 كانون أول 2015، بتوقيع 175 دولة من مجموع الدول ال 195 المشاركة، على الاتفاقية التاريخية إجماعًا وإقرارًا. ونصت الاتفاقية الموقعة آنذاك، على احتواء ظاهرة الاحتباس الحراري دون معدّل 2 درجة مئوية عمّا كانت عليه قبل الثورة الصناعية، مع مواصلة تكثيف الجهود للوصول إلى تحديد وتقليل ارتفاع درجات الحرارة دون 1,5 درجة مئوية. ومع نجاح المفاوضات المكثفة بين الدول المشاركة فيها آنذاك، فقد تُرك لكل دولة وضمن حدود إمكانياتها، بذلَ جهود للعمل على التقليل من نسبة الانبعاثات الحرارية ومن مصادرها.
في الواقع، وعلى الصعيد الدوليّ، تكون قمة باريس، قد وضعت حدّا لأشكال المراوغة والمماطلة والتردّد التي سادت القمم السابقة من غير نتيجة حاسمة وواضحة للمشاركين بسبب خلافات وتقاطعات. لذا كان دخول اتفاقية باريس للمناخ حيّز التنفيذ في 4 تشرين ثاني 2016، انتصارًا كبيرًا لأنصار البيئة وللكرة الأرضية في مواجهة التحديات المناخية التي تهدّدها بسبب التكنلوجيا الملوّثة وأدواتها ومصادرها الكاربونية التقليدية القديمة التي تنتظر التجديد والابتكار، إلى جانب الحروب المدمّرة للحجر والبشر، التي تستخدم شتى انواع الأسلحة التي من شأنها إصدار الإشعاعات وتلويث البيئة من دون حسيب ولا رقيب ولا رادع.
السلطات المغربية المعنية التي استضافت القمة الجديدة بنسختها 22، أشارت في حينها إلى أنَّ من بين أهدافها، متابعة العمل على التخفيف من آثار التغيير المناخي السالبة وتقليل الاحتباس الحراري، وأيضًا البحث عن ابتكارات جديدة تتعاطى مع ضرورات التكيف للتطورات المناخية السائدة والمتوقعة. هذا، إضافة إلى سعيها لتطوير أدوات عملية قابلة التنفيذ تمّ الاتفاق عليها في القمتين المناخيتين السابقتين: في ليما، عاصمة بيرو 0COP2 عام 2014، وفي باريس 1COP2 عام 2015.
يذكر أنّ مراكش، العاصمة المغربية، كانت قد استضافت القمّة السابعة أيضًا، في عام 2001. والمغرب يُحصى من بين الدول الأربع الأولى عالميًا في تحلّيه بصفات النقاوة البيئية إلى جانب كلّ من كوستاريكا والبوتان وأثيوبيا، من حيث التخطيط لاستخدام الطاقة المتجددة على مراحل لغاية 2030، ومنها الاستفادة من الطاقة الشمسية في مشاريع البلاد المتنامية.
إزاء هذه الإشكالية البيئية العالمية، التي يبقى البتّ قائمًا بوضع حدودٍ لأدواتها ومصادرها، لا بدّ للقوى الكبرى المهيمنة على صناعة القرار، أن تعي حجم الدمار الذي تلحقه ماكنتُها العسكرية والصناعية ضدّ إنسان اليوم والأرض التي تضمُّه، باستخدام هذه الأدوات وغيرها من المصادر غير النظيفة، ما أرَّقّ حياتَه ووضعَ صحتَه والهواء الذي يستنشقُه والطعامَ الذي يتناولُه على المحكّ. فزادت الأمراض وتعسرّت غيرُها وظهرت أخرى لم تكن في الحسبان. وهذا ما يتطلبُ تكاتفًا وتنسيقًا دوليّين للحدّ من مثل هذه الظواهر القاتلة، كما حصل تمامًا في قمّة باريس للمناخ، التي عُدت قمّة القرارات.
لقد ترقب العالم ومعه جميع أنصار البيئة أن تتولى قمة مراكش وضع ما تمّ الاتفاق عليه في نسختها السابقة، حيّز التنفيذ، تمامًا كما كانت تطلّعت إليه الدولة المضيفة، فرنسا، وكما طمحَ منظمو هذه النسخة الجديدة كي تكون قمّة الأفعال والتنفيذ والتطبيق للاتفاق التاريخي الموقع في 2015. وبحسب مصدر في برنامج الأمم المتحدة للتنمية، أنّ باريس التي تولّت التصميم والتخطيط، وجدت مراكش تشمّر عن ساعدها لتطبيق الاتفاق وتنفيذه بالإجماع لصالح الجميع. وهذه إشارة مهمّة لبروز نضج ٍ دوليّ بخطورة التصاعد المخيف في درجات الحرارة بصورة مطّردة، ما أصبح يهدّد الكون وما فيه من ماء ونبات وأرض وبشر. ومثل هذا التخوّف والتحذير من تفاقم خطورة المناخ العالمي، يأتي عبر الإجماع الدولي على تنفيذ اتفاق باريس الذي توسّم فيه الجميع خيرًا، بعدِّه قرارًا دوليًا صائبًا لا رجعةَ فيه، وأنّه آخِذٌ طريقَه إلى التنفيذ بعد إكمال جميع فصوله في القمة المناخية الأخيرة في مراكش. حيث من المؤمَّل الانتهاء من تفاصيل تقنين اتفاق باريس في 2018، الذي تحدّدَ فيه إكمالُ الإجراءات الوقائية للجولة الأولى من تطبيق الاتفاق المذكور الذي دخل حيّز التنفيذ بداية تشرين ثاني 2016 بترجمة الأقوال إلى أفعال واقعة.
من هنا، تكون خارطة الطريق قد ضمنت للعامين المقبلين فترة من الاستعداد الكلّي لما يترقبه الجميع في القمة بنسختها ال 24، التي ستعُقد بعد عامين، والتي ستشهد تنفيذ الآليات المتفق عليها في قمّة باريس بكلّ تفاصيلها وإجراءاتها، عندما ينبري الجميع للضغط على اتخاذ ما يلزم من أجل تقليل نسبة الارتفاع في درجات الحرارة، كلّ حسب مقدرته وما يسمح به الظرف. وإنَّ أيَّ تقاعس في هذه الجهود، سوف يحيل مشروع الاتفاق الموقع عليه إلى كارثة بيئية تنذر بالخطر الداهم الذي قد يرفع درجات الحرارة إلى 5 درجات مئوية، كما يتوقعه خبراء البيئة، انطلاقًا من واقع حال النشاط الصناعي المتنامي للدول والشركات التي تتبارى وتتنافس صناعيًا من أجل المزيد من الأرباح والتفوّق.
إنّ هذه المعركة البيئية، تواجه اليوم تحديات كبيرة من جانب الدول النامية بسبب قلّة الأموال المخصصة لمشاريع التخفيف من الاحتباس الحراري، وبسبب عدم قدرة بعضها على تمويل هذه المشاريع الضرورية. كما أنّ الأزمة الاقتصادية العالمية، قد تقف حائلاً دون تنفيذ جميع بنود الاتفاقية، في حال تواصلت هذه الأزمة وتخفيض الميزانيات المخصصة التي تحتاجُها الدول الفقيرة التي ستتأثّر بسبب تعطيل ماكينتها الصناعية للمشاريع التي تعتمد على الوسائل التي من شأنها التأثير على المناخ وأدواته، والتي تشكل مصدرًا مهمًّا في ميزانياتها. فالتمويل، من أهمّ أدوات هذه المعركة، لا بل هو عصبُها الرئيسيّ، من دون شكّ.
وللتذكير فقط، فقد كانت قمّة كوبنهاغن المنعقدة في 2009، قد وعدت بتقديم مبلغ 100 مليار دولارًا تُصرف سنويًا لغاية 2020، من قبل الدول المتقدمة في الشمال لتشجيع الدول النامية في الجنوب، بهدف التعاطي الإيجابيّ مع تأثيرات تطبيق الاتفاقات المناخية وما قد تلحقه هذه باقتصاد الدول الفقيرة من نقص في الموارد وفي الإنتاج الصناعي البدائيّ فيها وفي تحوّلها التدريجي المنتظّر إلى مشاريع الطاقة المتجدّدة. إلاّ أنّ الأزمة العالمية التي يمرّ بها اقتصاد العالم، ولاسيّما في الدول المانحة، تثير الشكوك بإمكانية جمع مثل هذه التخصيصات. فما تزال جهود المنظمة الدولية والجهات الساندة متعثرة في جمع الأموال الّلازمة. هذا إلى جانب بروز خلافات حول ضرورة صرف الأموال الموعودة بالتساوي في مجالين يحتلان الأولوية، أي في التكيّف أولاً، مع مسألة الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري والثاني في التخفيف من تأثيراتها. وهاتان الجزئيتان ما تزالان موضوع خلاف بين الشمال والجنوب، حيث تشكو الدول النامية من انخفاض التخصيصات بشأن موضوعة التكيّف مع المشكلة، بحيث لا تتعدّى هذه ما معدلُه 16% من التمويل الإجمالي الموعود للاتفاقية.
ويبدو أن الأزمة الاقتصادية العالمية وما يمرّ به العالم ومناطق عديدة من صراعات وحروب وانخفاض الواردات بسبب تهاوي أسعار النفط العالمية منذ أكثر من عام، قد ألقت بظلالها على قمة مراكش. فقد تميزت القمّة، كما لاحظت أوساط مطّلعة، بأنّ ممثلي الدول الصناعية الكبرى المعنية بموضوع أزمة المناخ أكثر من غيرها، قد شاركوا فيها خالي الجيوب ومن غير إعلانات برّاقة وواضحة تحمل مشاريع للتمويل. وإذا كانت بعض دول الشمال تتطلّع في تقديراتها بمساهمات قادمة من جهات غير حكومية أو من شركات كبيرة أو أفراد أو منظمات، فإنّ التقديرات في هذا الجانب غير مشجعة. ذلك أنّ مثل هذا المشروع العالميّ الكبير يتطلب زجَّ ثقل دولٍ كبرى وأخرى غنية للمساهمة في تحقيقه من جميع أوجهه. فمسألة الانتقال إلى عالمٍ بمصادر طاقة متجددة بنسبة 100%، من اختصاص الدول والحكومات، نظرًا لضخامته وحاجته إلى وضعه في إطار قانون أمميّ قابل التنفيذ والتطبيق برعاية المنظمة الدولية، الساهرة والمتابعة للتطبيق والتنفيذ والإخراج.
لقد حرص العراق، بالرغم من انشغاله في وضع نهاية للإرهاب في آخر معاقله بالموصل، أن يكون حاضرًا في هذه القمّة بشخص الرئيس العراقي فؤاد معصوم، الذي شارك في أعمالها يوم الثلاثاء 15 تشرين ثاني 2016، على رأس وفد حكومي مهمّ. وكانت مناسبة لإعلان انضمام العراق إلى اتفاقية باريس حول التغييرات المناخية. في ذات السياق، يكون البلد قد حقق خطوات متقدمة في اتجاه التقليل من التلوث البيئي في جنوبه بإحياء مناطق الأهوار وزيادة الاهتمام بالرقعة المائية والأحياء فيها، بعد فوزه بتسجيل الأهوار ضمن التراث العالمي لليونسكو. إلاّ أنّ تقنين حصصه المائية وتحديدها من قبل دول الجوار، ستكون له آثارٌ سلبية على إمكانياته الوضيعة أصلاً، في إحراز تقدّم في مجال مكافحة التصحّر وتحوّل مناطق خضراء وأخرى صالحة للزراعة إلى أراضي بور بسبب النقص في المياه وغياب الخطط الجادّة للاستفادة من مياه الأمطار. وكلّ هذا ناجم عن ضعف الإمكانيات الوطنية وتضاؤل خبرة الكوادر وضعف الشعور الوطني والّلامبالاة وانتشار الفساد، إضافةً إلى انخفاض التمويل الوطني للمشاريع الإروائية والزراعية.
وإلى القمةّ المقبلة التي اعتذرت فيجي عن استضافتها في بلدها الصغير في العام المقبل لأسبابٍ لوجستية، ستكون مدينة "بون" الألمانية التي اتخذتها بديلاً لرئاستها، محطَّ الأنظار في تقييم مدى الالتزام بقرارات قمة مراكش التي اتصفت بتنفيذ ما أقرّته قمّة باريس.
مقالات اخرى للكاتب