من الواضح أن العام 2015كانت السمة الواضحة فيه هو استمرار صراع القوى الدولية، ولا يمكن لأي متابع ان ينكر مدى وحجم الخلاف الدائر حول أوكرانيا، وخصوصا بين واشنطن وموسكو، بعض المتابعين يدركون جيدا انه في هذه المرحلة تحديدا فإن كلا الدولتين الروسية والأميركية تعيشان الآن في حالة حرب سياسية ساخنة جدا قد تتطور مستقبلآ إلى صدام عسكري غير مباشر،وهذا الشيء ينسحب ايضآ على الصراع الاقتصادي الدائر اليوم بين واشنطن وبكين،الذي قد يتطور مستقبلآ إلى صراع سياسي كبير. الأوروبيين بدورهم حاولوا بالـعام 2015 قدر الامكان التخفيف من حدة التوترات السياسية والعسكرية والاقتصادية بين واشنطن من جهة وموسكو وبكين من جهة اخرى ،ولكن الواضح ان حجم الجهد الأوروبي المستمر منذ شهور، قد أصابه بعض الانتكاسات في الفترة الماضية، فموسكو بدأت تخشى من عواقب وخطورة خسارتها لورقة قوة تملكها لصالح الغرب وهي أوكرانيا، والصين بدأ يقلقها حجم التضييق الاقتصادي والتهديدات الاقتصادية الأمريكية بحق بكين .الأوروبيين بدورهم يعون كل هذه الحقائق وهذه الضغوط التي تمارسها واشنطن على موسكو وبكين، ويعرفون ان الوصول إلى مسار تفاهمات بين القوى الدولية المتصارعة ، تحتاج إلى تفاهمات بين الأطراف الدولية لتطبيق فعلي لمسار هذه التفاهمات ،ولكن من الواضح ان هناك جملة من التعقيدات التي تمنع الوصول إلى هذه التفاهمات، هذه التعقيدات تدفع بعض المتابعين إلى القول إنهم لا يعولون على الجهد الأوروبي الساعي إلى بناء وثيقة تفاهم دولية قادرة على ضبط إيقاع الصراعات الدولية بما ينعكس على حلول سريعة لمعظم الأزمات المحلية والإقليمية والدولية، وهنا يمكن ان يطرح البعض بعض التساؤلات ومنها على سبيل المثال لا الحصر ، ان الأوروبيين يدركون ويعون حجم التعقيدات الدولية وحجم الصراعات بين موسكو وبكين من جهة وواشنطن من جهة أخرى ،فلماذا يقومون بمحاولات غير بناءة وعنوانها الفشل على الأغلب لتقريب وجهات النظر بين محوري موسكو وبكين من جهة وواشنطن من جهة اخرى اللتين تعيشان الآن على ايقاع حرب باردة جديدة، قد تتطور مستقبلا لصدام عسكري؟ فما الهدف من كل هذا الجهد الأوروبي؟.للإجابة على السؤال أعلاه، سنعود الى الماضي القريب ونبحث فيه عن بعض المعلومات التي ستعطينا بعض الإجابات عن الأهداف المستقبلية للمسعى الأوروبي ،وسنبحث عن هذه الاجابة بواحدة من كبرى القوى الأوروبية ، ففي العام الماضي 2014 وفي قمة الخلاف الروسي الأميركي حول أوكرانيا اجرت مؤسسة "كوربرا" دراسة حول مواقف الألمان تجاه السياسة الخارجية الألمانية، وكان عنوان سؤال الاستطلاع للمشاركين: "؟ مع اي بلد ينبغي ان تتعاون المانيا في المستقبل" وحينها جاءت نتائج الدراسة صادمة للنظام الألماني تحديدا فقد جاءت النتيجة شبه متساوية بين الشرق والغرب، حيث اختار ما يقارب 46 في المئة الولايات المتحدة، بينما اختار 43 في المئة روسيا "، وفي العام نفسه أيضا أجرت مجلة" دير شبيغل "الألمانية استطلاعا مشابها لاستطلاع" كوربرا "وقد سئل الألمان حينها" عن موقفهم من النظام الأميركي وعلاقة المانيا بأميركا"،وحينها قال 57 في المئة من الألمان بأن بلادهم ينبغي ان تصبح أكثر استقلالا عن الولايات المتحدة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، الواضح من خلال نتائج هذه الاستطلاعات لآراء الشعب الألماني، مع أنها قد لا تكون مؤشرا ثابتا، ان هناك انقساما في الداخل الألماني حول موقف المانيا من صراع موسكو وبكين من جهة واشنطن من جهة اخرى ،وهذا الانقسام الشعبي ينسحب على باقي المجتمعات الأوروبية ،وهذا من الطبيعي ان ينسحب على مواقف الحكومات الأوروبية بمجموعها. هذه المعلومات بمجملها والقادمة من المانيا والتي تنسحب على باقي الحكومات والمجتمعات الاوروبية وبكل تداعياتها قد تكون أعطتنا بعض الإجابات عن حقيقة المسعى الأوروبي الهادف الى إيجاد نقاط التقاء بين الأطراف الدولية بخصوص الملفات الدولية العالقة ، فبعض الحكومات الغرب اوروبية عملت بجهد بالفترة الأخيرة وما زالت تعمل لتحقيق هدفها هذا، ولكن لن تعمل طويلا بهذا الاتجاه، فهي الآن تقوم بعمل بالونات اختبار لنوايا الأطراف الدولية المتصارعة، لتحديد موقفها المستقبلي من كل ما يجري من صراعات دولية، وان كانت بالفعل ستبقى إلى الأبد بخندق واشنطن، أما أنها ستقرر وتحت ضغوط شعبية التوجه إلى الشرق وتحديدا الى موسكو. ختامآ، من المؤكد أن مشاكل وصراعات القوى الدولية بالعام 2015 سترحل إلى العام 2016،دون وجود حلول وتفاهمات تلوح بالافق للتوصل إلى تفاهمات بين القوى الدولية ،رغم كل المساعي الاوروبية ،فالموقع الجغرافي لأوروبا يحتم عليها في أحيان كثيرة ان تكون مسرحا، لصراعات دولية ومسرحا آخر لحل هذه الصراعات رغم حجم الضرر الكبير الذي لحق بالمجتمعات الاوروبية منذ مئة عام مضت ولليوم بسبب الصراعات بين القوى الدولية الكبرى، فقد تيقن الأوروبيين منذ أمد ان موقعهم الجغرافي، ومواقفهم ستكون دائمآ عرضه للتساؤل، ولهذا هم اليوم قرروا ان يخوضوا اليوم محاولة جديدة تبدأ ببناء مسار تفاوضي بين القوى الدولية المتصارعة بمحاولة لتسوية الأزمات الدولية العالقة في ما بينها، وان فشلت في بناء هذا المسار التفاوضي، فهي على الأغلب ستذهب نحو اتخاذ قرارات جريئة ، فاوروبا لن تحتمل طويلا وهي الآن في صدد تحليل ما جاءها من معلومات من خلال بالونات اختباراتها التي طرحتها في العام 2015 لمعرفة نوايا الاطراف الدولية المتصارعة، فهل سنسمع مع نهاية العام 2015 ومطلع العام 2016عن قرارات جريئة لاوروبا تعلن من خلالها الخروج من تحت عباءة واشنطن لتستلقي بكل ثقلها ومكانتها الدولية تحت عباءة موسكو؟ أم العكس ،أم ستتخذ أوروبا موقفآ محايدآ من صراع القوى الدولية الكبرى ،من هنا سننتظر الأشهر الثلاث المقبلة من العام 2016 لتعطينا إجابات واضحة عن كل هذه التكهنات والتساؤلات، فالآتي من الأيام يحمل في طياته الكثير من المتغيرات في المواقف الدولية، وفي جملة مشاهد الصراع الدولي حول موازين القوى الدولية، وشكل العالم الجديد
مقالات اخرى للكاتب