Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
اعلان بلفور الحلقة ٢: بلفور ولويد جورج ووايزمن..الثلاثي الاسخى خدمة للقضية الصهيونية
الثلاثاء, كانون الأول 29, 2015
يعقوب يوسف الابراهيم

في الحلقة الثانية من هذه السلسلة الثلاثية التي تسلط الضوء على «إعلان بلفور» بعد مرور 100 سنة على إصداره٬ نستعرض في سياقنا السردي المراحل التي مرت قبيل فترة فكرة إعداد الإعلان لتكون الصورة أكثر وضوًحا. إذ كان أول اتصال رسمي قامت به الحركة الصهيونية الحديثة لأجل اقتراح وطن قومي لليهود٬ قد بدأ بزيارة زعيمها ثيودور هرتزل Herzl للندن صيف عام 1902 وحضوره للإدلاء بشهادته أمام اللجنة الملكية لتحديد أعداد المهاجرين اليهود٬ وقد تم ذلك في السابع من يوليو (تموز). عرضت من خلاله بعض الأقطار ومنها أوغندا والأرجنتين لتخفيف الضغوط على تزاحم النزوح إلى بريطانيا٬ وقد تبنى صرف التكاليف المالية للمشروع الثري اليهودي البارون موريس دي هيرش٬ بالإضافة إلى أفكار واختيارات أخرى كان مصير جميعها الفشل. ولكن النشاط الصهيوني لاحًقا٬ خصوصا في فرع مانشستر٬ كان الأكثر حراًكا وتتبًعا للمشهد السياسي البريطاني٬ وذلك لتغلغل أعضائه في الأحزاب السياسية٬ لا سيما حزب الأحرار٬ شّكل ثلاث حكومات ائتلافية متعاقبة بين أواخر 1905 وأواخر 1922. وواكب ذلك صعود نجم جريدة الـ«مانشستر غارديان»٬ المحسوبة على الحزب٬ وكانت تتبنى المشاريع الصهيونية وأفكارها المسنودة من مالكها ورئيس تحريرها سي بي سكوت. ومن ناحية أخرى٬ الاستفادة من انتخابات عام ٬1906 لتوطيد معرفة مسبقة بكبار الساسة المرشحين من حزب المحافظين أيًضا٬ مثل بلفور وونستون تشرتشل٬ لاعتزامهما خوضها من خلال دوائر في مانشستر. وأدت هذه الخطة إلى تعرف بلفور بوايزمن يوم 27 يناير (كانون الثاني) 1906 في فندق «كوينز هوتيل»٬ مقر حملة بلفور الانتخابية. وهذا٬ مع التذكير بأن وايزمن كان استقر بمانشستر قبل أقل من سنتين. وكان هذا اللقاء نواة علاقة قوية وطويلة بين الرجلين. لم يكن جيمس آرثر بلفور غريًبا على ما كان يطلق عليه اسم «المسألة اليهودية» منذ كان رئيًسا للوزراء بين عامي ٬1905 ­ 1902 وكما سبقت الإشارة٬ عرض وزير المستعمرات في وزارته٬ جوزيف تشمبرلن على هرتزل العريش وأوغندا. في أثناء رئاسته أيًضا بلغت أزمة هجرة اليهود بريطانيا مداها مما أدى إلى سن «قانون الأجانب» عام 1905 وموقفه منه. ولكن شهوة الحكم وحاجته إلى أصوات اليهود ومساندتهم لم تخفف من غلوه فحسب٬ بل غّيرت من اتجاه أفكاره كلًيا٬ ورسخ ما دار من حديث بذاكرة لا تنسى حسبما أفاض به شخصًيا أو ما سجلته كتب سيرته٬ بأن محور الحديث كان في موضوع واحد هو «مستقبل اليهود وتعلّقهم بفلسطين أرض ميعادهم»٬ فحين سأله بلفور: «لماذا رفضتهم أوغندا؟»٬ كان رد وايزمن: «هل ترضى بريطانيا أن تكون عاصمتها باريس عوًضا عن لندن؟»٬ فأجاب بلفور: «كيف يكون ذلك وعندنا لندن؟»٬ فرد وايزمن: «ونحن كذلك عندنا أورشليم يوم كانت لندن مستنقًعا». وعندها أبدى بلفور استغرابه متسائلاً: «.. وهل هناك كثيرون من اليهود من يحملوا نفس الفكرة؟ فأنا أستغرب لأن اليهود الذين أعرفهم لا يحملون هذا الشعور»٬ فأجابه وايزمن: «إنك تعرف اليهود الخطأ يا مستر بلفور». بعد تلك المقابلة الأولى٬ غاب بلفور عن المشهد السياسي لخسارته في انتخابات عام 1906. ولم تجمع الرجلين الظروف إلا بعد 10 سنوات عندما التقيا في منزل بلفور بلندن في 12 ديسمبر (كانون الأول) ٬1914 قبل أن يصبح بلفور وزيًرا للبحرية٬ ثم وزيًرا للخارجية٬ في حكومة لويد جورج الائتلافية (ديسمبر 1916) إبان أشّد أيام الحرب العالمية الأولى. ويذكر وايزمن أن بلفور كان يتذكر كامل تفاصيل حديث لقاء يناير ٬1906 وحين انتقل الحديث عن فلسطين والذي أخذ معظم الوقت اختتم بلفور حديثه بأن أمنية وايزمن ستتحقق بعد انتهاء الحرب بقوله: «حينما تصمت المدافع ستحصل على أورشليمك يا دكتور وايزمن». ثم أضاف: «إنك تعمل لغاية نبيلة وعليك بزيارتي مرة بعد مرة دائًما»٬ واستمر الاتصال الدائم بينهما ­ كما سنرى ­ إلى آخر حياة بلفور السياسية حينُدعي لافتتاح الجامعة العبرية في القدس أبريل (نيسان) 1925. وكان وايزمن آخر من زار بلفور من الأصدقاء قبيل موته بيومين في 19 مارس (آذار) 1930. تعاطف لويد جورج وبلفور يلعب اسم بلفور (1930 ­ 1848) دوًرا محورًيا كبيًرا في تاريخ الصهيونية بإعلان حمل اسمه منذ يوم 2 نوفمبر (تشرين الثاني) 1917 وإلى يومنا هذا٬ أي بعد قرن من الزمن. ولكن غّيب ذكر ديفيد لويد جورج٬ رئيس الوزراء البريطاني ٬1922 ­ 1915 الذي كان له دور أكبر ولكن من وراء الكواليس. لقد كان لويد جورج المؤيد الأول والمدافع الأكبر والمخطط الأخطر للطموحات الصهيونية٬ ويظهر كل ذلك حديثه إلى صديق يهودي٬ واصًفا نوازعه الشخصية إبان اشتداد معارك الحرب العالمية الأولى في فرنسا٬ غير مكترث لسقوط أعداد ضخمة من قتلى الجيوش البريطانية في معارك الّسوم وإيبر. إذ قال لويد جورج: «حينما يتكلم الدكتور وايزمن عن فلسطين فهو يرّدد أسماء مدن ومواقع معروفة لدي وأعرفها جيًدا أكثر من أسماء مواقع الجبهة الغربية». أصبح بلفور وزيًرا للخارجية في 10 ديسمبر 1916 لغاية 23 أكتوبر (تشرين الأول) 1919 بعدما كان وزيًرا للبحرية 25 مايو (أيار) 1915 حتى تسّنم منصبه في وزارة لويد جورج الائتلافية. وهو سياسي ينتمي إلى حزب المحافظين٬ وسليل أسرة من كبار ملاكي الأراضي القدماء منذ القرن الحادي عشر في اسكوتلندا. ولقد ولد في 6 أكتوبر 1848 وأطلق عليه اسم آرثر تيمًنا بآرثر ويلينغتون (الدوق الحديدي قاهر نابليون 1852) الذي كان «عّرابه» (أبوه بالتعميد) GODFATHER. أما خاله فهو روبرت سيسيل (اللورد سولزبري) رئيس وزراء بريطانيا لثلاث مرات منذ عام 1885 لغاية 1902. وتخرج بلفور بامتياز من كلية ترينيتي أغنى كليات جامعة كمبريدج العريقة عام 1869 وكان قد أنهى قبلها دراسته الثانوية في كلية إيتون المرموقة. وتوفي أبوه مبكًرا وترك له ثروة كبيرة حتى إنه عندما بلغ سن 21 سنة كان أغنى شاب في بريطانيا٬ حيث ورث آنذاك أكثر من مليون جنيه إسترليني. ومن ثم دخل معترك العمل السياسي مبكًرا تحت رعاية خاله الذي كان وزيًرا للخارجية وأصبح سكرتيًرا خاًصا له. وبعد تولّي سولزبري رئاسة الوزراء عام 1886 عهد إليه بكرسي وزارة شؤون آيرلندا التي كانت من أشق المناصب٬ إذ انتابت البلاد اضطرابات عنيفة نتيجة صدور قانون الحكم المحلي الذي أدى إلى سقوط حكومة ويليام غلادستون٬ ألمع زعماء حزب الأحرار التاريخيين٬ عام 1885. وهي فترة حرجة ظن كثيرون أنها ستكون نهايته السياسية٬ بيد أنه استطاع اجتياز ذلك الامتحان الصعب بحزم وقوة حتى أطلق عليه الآيرلنديون لقب «بلفور الدموي» BLOODY BALFOUR. وُيعزى إلى تلك الفترة نجاح تجربته السياسية في الحكم التي أعطت ثمارها ليصبح رئيًسا للوزراء خلًفا لخاله بين عام 1902حتى ٬1905 ليعود بعدها إلى الساحة السياسية بعد احتجاب عشر سنوات وزيًرا في وزارة لويد جورج. خلفية وايزمن المتواضعة أما الطرف الأخر من المعادلة٬ أي وايزمن٬ فإن خلفيته الاجتماعية والسياسية نقيض لبلفور شكلاً وموضوًعا وكأنه قد جاء من عالم آخر. فقد ولد عام 17 نوفمبر 1874 في قرية فلاحية صغيرة قرب موتول بأراض إقطاعية شاسعة يطلق عليها PALE (في جمهورية بيلاروس٬ أو روسيا البيضاء٬ حالًيا). وهي حدود إثنية خلقت في القرن الثامن عشر إبان حكم الإمبراطورة كاثرين لإسكان اليهود وفصلهم عن السكان الروس٬ محاطة بإدارة حكومية شبه عسكرية يتكلم أهلها لغة اليهود اليديش ودراستهم بالعبرية٬ حيث كانوا يجهلون اللغة الروسية ويتفاهمون مع جيرانهم بلهجة سلافية بسيطة. معظم سكان المنطقة كانوا من الفلاحين والبقية صناع نسيج وحرفيون حالتهم المعيشية العامة فقر وبؤس. أما والد وايزمن فكان يهودًيا متشّدًدا اسمه أوزير كان يعمل قاطًعا للأخشاب ويعيل أسرة من 15 صبًيا مات منهم ثلاثة. وتزّوج أوزير وعمره 16 سنة فتاة اسمها راشيل عمرها 14 سنة٬ وكان كثير الغياب لمدد طويلة يجمع خلالها الأخشاب في فصل الشتاء يدفعها إلى نهر قريب٬ وعند حلول الربيع يربطها مسافًرا بها حتى يصل إلى ميناء دانزيغ على البلطيق لبيعها٬ وكان عمله السنوي محكوًما بالتقويم اليهودي والاحتفالات الدينية يحضر في غيابه لأداء طقوسه كمنشد ديني مع جماعته المتزمتين. درس حاييم وايزمن في مدرسة دينية مكتظة بالأطفال اليهود وعمره أربع سنوات٬ لكنه شّب على الاعتقاد بأنه لن يستطيع العيش بالاعتماد على التلمود٬ واعتنق منذ بلوغه الحادية عشرة مبادئ حركة قومية يهودية يطلق عليها «حوفيفي زيون» (محّبو صهيون). والتحق بمدرسة ثانوية روسية عام 1886 في مدينة بيسنك عندما كانت حكومة روسيا القيصرية تسمح لأعداد قليلة من اليهود المتفوقين بعد مذابح عام ٬1881 وبعد انتهائه من الدراسة الثانوية لم يجد بًّدا من المغادرة إلى ألمانيا للالتحاق في معهد برلين التكنولوجي (جامعة تقنية مرموقة) ويعمل في مدرسة لتعليم العبرية لتغطية مصاريفه. وبعد تخرجه انتقل إلى سويسرا حيث نال الدكتوراه من جامعة برن عام 1899 ثم عمل محاضًرا في جامعة جنيف وتعّرف على زوجته فيها. وكان وايزمن عضًوا نشًطا في محافل الحركة الصهيونية٬ وحضر المؤتمر الثاني للحركة عام 1897 ثم أصبح مديًرا لفرعها في جنيف. وبعد موت زعيم الحركة الصهيونية هرتزل في فيينا 4 يوليو 1904 هاجر إلى بريطانيا حيث التحق بجامعة مانشستر أستاذا للكيمياء٬ وصار مواطًنا بريطانًيا عام 1910. وحتى يتقبله المجتمع الجديد دون تمييز غّير اسمه الأول من حاييم إلى تشارلز وايزمن. اليهود في بريطانيا ترجع إقامة اليهود في بريطانيا إلى قبل القرن الـ12 حتى طردهم منها عام ٬1290 ثم عودتهم مره أخرى إبان سقوط الملكية وفترة حكم أوليفر كرومويل بعدما وافق مجلس الدولة في 25 يونيو (حزيران) 1656 إثر التماس قدمه منشي بن إسرائيل٬ حاخام أمستردام بهولندا٬ عام 1651. وكان معظمهم من يهود إسبانيا الذين طردوا منها بعد سقوط حكم العرب عام ٬1492 لتتجه موجات منهم إلى شمال أوروبا بعد تنكيل «محاكم التفتيش» بهم٬ وهم ما كان يطلق عليهم «المورانو» (اليهود الإسبان). صاحبت تلك الإقامة٬ وجلّهم من صغار التجار والحرفيين٬ صفة الانكباب على العمل والمعيشة وفي مكان واحد (الغيتو)٬ فعاشوا تقليًدا ساروا عليه من الابتعاد عن نطاق العمل السياسي٬ وهو ديدنهم منذ القرون الوسطى. ولم تكن لهم حقوق مدنية كالانتخاب في البرلمان أو المجالس البلدية٬ كما ولم يكن بمقدورهم الالتحاق بالدراسات الجامعية إلا بعد تأسيس «الكلية الجامعية بلندن» التي غدت نواة جامعة لندن عام ٬1827 أو المتاجرة في «الحي المالي» إلى عام ٬1830 أو العمل بالمحاماة إلى عام 1833. وعلى الرغم من ثراء بعضهم فإن الحقوق العامة التي تنادي بالمساواة لم تكن في متناولهم. وقد زامن ذلك أيًضا الصراع العنيف بين البروتستانت والكاثوليك الذي كان طاغًيا مدة 300 سنة٬ حتى صدور قانون تحرير الروم الكاثوليك عام ٬1829 فابتدأت إثره بعض الاستثناءات٬ وبقيت معضلة الحلف القانوني الذي يستلزم صاحبه القول: «بالعمل كما تفرضه الشريعة المسيحية»٬ أدى إلى إقصاء اليهود وحرمانهم من امتيازات المشاركة العامة كالكاثوليك. لكن مطالبة اليهود بحقوقهم المدنية والسياسية بدأت منذ عام ٬1830 وبلغت أعدادهم آنذاك بين 40 – 30 ألف نسمة٬ واستمرت لمدة عشر سنوات بلا طائل. ومع أن مجلس العموم منحهم حق الانتخاب فإن مجلس اللوردات عارض ذلك٬ وأصر على رفض منحهم أًيا من تلك الحقوق٬ معتبًرا أن «اليهود هم أمة أجنبية لا تثق إلا بديانتها وتتشوق للعودة إلى فلسطين وأن تعاليمهم من صلبها كره المسيحيين٬ وتهمتهم باقية على قتل المسيح٬ وعقابهم بعدم منحهم حقوق التجنيس». وللعلم٬ فإن القوانين في بريطانيا لا تصدر إلا بموافقة المجلسين (العموم واللوردات). دخولهم عالم السياسة لورًدا»٬ لكن على إثر صدور قانون إبداء الرأي الديني عام 1846 سمح للكاثوليك٬ ثم اليهود من بعدهم٬ بالترّشح لعضوية مجلس العموم٬ فرشح ليونيل ناثان روتشيلد (زعيم الطائفة اليهودية) عام 1847 وفاز بالانتخاب٬ إلا أنه لم يسمح له احتلال مقعده في مجلس ولم يقتصر الأمر على مجلسين العموم واللوردات٬ بل رفضت الملكة فيكتوريا بعد ذلك تماس رئيس وزرائها غلادستون عام 1869 تعيين ليونيل ناثان روتشيلد (1879 ­ 1808) عضًوا في مجلس اللوردات٬ إذ قالت غاضبة: «إني أرفض أن أجعل من يهودي العموم٬ لأن الَقَسم لا ينطبق عليه لعدم انتمائه إلى الدين المسيحي٬ فرفضت عضويته واستمر إلى عام 1858 حينما سمح له بتغطية رأسه بكيس وحلف دون أن يمكن أحد سماع صوته. واستمر عضًوا لمدة عشر سنوات دون أن ينطق بحرف واحد خلال مدة عضويته. ارتفع عدد النواب اليهود إلى 3 نواب عام 1859. وفي انتخابات 1865 أصبح العدد 6 نواب كلهم من حزب الأحرار٬ وفي عام 1880 نقص العدد إلى 5 نواب واحد منهم عن المحافظين. وبعد 10 سنوات أصبح العدد 10 نواب عام ٬1900 سبعة منهم من المحافظين. وارتفع العدد عام 1910 إلى 16 نائًبا٬ سبعة منهم محافظون والباقون من الأحرار٬ وفي بداية الحرب 1918 انخفض العدد إلى 11 نائًبا٬ سبعة منهم من المحافظين. وبلغ تعداد الطائفة اليهودية قبل هجرة اليهود الروس والبولنديين في نهاية القرن الـ19 نحو 50 ألف نسمة٬ يقفون صًفا واحًدا أمام النشاط الصهيوني الذي بدأ بقوة إثر دخولهم. فظهرت معارضة شديدة٬ في المقابل٬ خصوصا من العوائل اليهودية البريطانية الرأسمالية الكبيرة المتنفذة والمستقرة منذ أمد بعيد٬ لنشاط لا يحمل الولاء الكامل لبريطانيا٬ بل يشكك في إخلاص اليهود نحوها بما يؤثر على مراكزهم الاقتصادية والاجتماعية. وكان أبناء هذه العوائل يؤمنون بأن ولاءهم كيهود يجب أن يكون للوطن حيث يقيمون٬ ويحمل مبادئه وجنسيته. وهذا يتناقض مع ما حمله المهاجرون الُجدد ومن يؤيدهم من أفكار معاكسة٬ منها الاشتراكية٬ فأبدوا امتعاضهم وغضبهم تجاهها. وهذا ما واجههه منهم ثيودور هرتزل٬ زعيم الحركة الصهيونية الحديثة٬ عند زيارته الأولى عام 1896 للدعوة إلى افتتاح «المؤتمر الصهيوني الأول» في بازل بسويسرا عام ٬1897 إذ رجع خالي الوفاض بعدما دعا الحاخام الأكبر ليهود بريطانيا هرمان آدلر٬ فوصف الصهيونية بأنها «ضد المبادئ والتعاليم اليهودية». الجالية.. والصهيونية إلا أن تدفق موجات الهجرة خلال الربع الأخير من القرن الـ19 وبداية الـ20 رفع عدد السكان اليهود إجمالاً لأكثر من ربع مليون نسمة –كثيرون منهم يحملون الأفكار الصهيونية ­ ما دفع الحكومة البريطانية إلى أن تفكر في حلول أخرى تجهض ما ستخلقه هذه الحالة من مشكلات اجتماعية ونشوء «غيتوهات» إثنية٬ كتركز سكن اليهود في «الحي الشرقي» من لندن. وهو ما حدا بهرتزل القول «الحي الشرقي لنا». وما إن حل عام 1899 حتى تأسس «الاتحاد الإنجليزي الصهيوني» الذي حاول أعضاؤه دخول المعترك السياسي بترشيح نواب عنهم في مجلس العموم عام 1900 بتشجيع من هرتزل. وعندما لم تفلح المحاولة غيروا الاتجاه بانتخاب نواب غير يهود مؤيدين للمطالب الصهيونية٬ وكان معظمهم من حزب المحافظين٬ أحدهم بلفور٬ لخوض الانتخابات والاستعانة بأصوات الناخبين اليهود عام ٬1906 كما اتجه تأييد اليهود أيًضا بقوة لحزب الأحرار. * باحث كويتي مذكرة عن أهداف الحركة الصهيونية والمسألة اليهودية * لنرجع قليلاً إلى خريف 1916 حين أعد وايزمن وسوكولوف مذكرة عن أهداف الحركة الصهيونية والمسألة اليهودية٬ كان البعض يعتقد أنها صعبة التحقيق٬ ولم تعرض على أحد حتى تبلغ عنها أحد كبار مستشاري مجلس الحرب مارك سايكس٬ وبعد عدة اتصالات تمت مع أطراف أخرى٬ من ضمنها ليوبولد غرينبرغ٬ رئيس تحرير جريدة «الجويش كرونيكل»٬ الذي يسر الاتصال فتم لقاؤه بوايزمن في 28 يناير٬ فاّطلع عليها وعرضها على مرؤوسيه في المجلس الذين طلبوا منه مزيدا من المعلومات٬ وفي 7 فبراير (شباط) 1917 اجتمع سايكس مع مجموعة من زعماء الحركة الصهيونية لنقاش إمكانية تحقيق ما حوته المذكرة. ومن جملة الحضور كان هربرت صموئيل أول وزير يهودي في تاريخ بريطانيا٬ وجيمس وولتر روتشيلد وناحوم سوكولوف وجوزيف غاوين وهاري ساخر بالإضافة إلى وايزمن٬ وكان التركيز على ضرورة إقامة وطن قومي في فلسطين٬ بالإضافة إلى الطلب من الحكومة البريطانية السماح للحركة الصهيونية استخدام وسائل الاتصالات الرسمية الخارجية لتسهيل مهماتها عبر قنوات لا يمكن التعرض لها٬ وكذلك تسهيل حركة انتقال مسؤوليها لأداء مهماتهم. لقد كان رئيس الوزراء لويد جورج يرّدد «وايزمن أكثر زعماء اليهود تأثيرا خلال فترة الحرب٬ فهو متمكن علمًيا في حقل الكيمياء٬ وكانت اختراعاته متفجرات CORDITE ACETONE محط إعجاب المسؤولين في وزارة الأسطول٬ بالإضافة إلى حرفية التخطيط والتأمل». وكانت الآراء متفقة بين رئيس الوزراء ووزير خارجيته بلفور على تحقيق الطموحات الصهيونية في ما يتعلق بالوطن القومي الذي كما قال فيه بلفور: «ليس من الضرورة تأسيس دولة يهودية مستقلة حالًيا٬ ولكنها يجب أن تأخذ تقدًما متأنيا يناسب القوانين العادية للتقدم السياسي لتحقيقها». غدت المطالب الصهيونية تنصب على «ألا تكون متساوية مع سكان فلسطين (العرب) لأنها بلاد متخلفة والحقوق المتساوية تكون في البلاد المتقدمة٬ وفلسطين تحتاج إلى من يطّورها٬ وذلك موجود عند اليهود (الأوروبيين) فقط ويستطيعون تقديمه». ويظهر أن هذه الأفكار وجدت قبولاً لدى أصحاب القرار في بريطانيا٬ فما إن حل أبريل عام 1917 حتى كانت الصحافة البريطانية تتكلم عن فلسطين يهودية تحت الحماية البريطانية٬ كما استطاع الصهاينة الحصول على وضع سياسي رسمي يمكن من خلاله استخدام وسائط الاتصال والانتقال خلال التمثيل الدبلوماسي البريطاني بالخارج وتوصيل احتياجاتهم٬ وغدت الدوائر الرسمية تعاملهم كممثلين رسميين. ويهمنا من الظاهر والمتحقق والمدرك أن مشاعر الصهاينة قاسية ومتحجرة٬ مثل من يحارب ويعتقد أنه وحده من يملك الحقيقة المطلقة. ومما قاله بلفور في معرض كلامه للورد هاردينغ٬ نائب الملك في الهند٬ عام 1922: «إن أصدقاءنا اليهود يصعب التعامل معهم٬ فهم يلجأون إلى التشويش المفزع من أجل الاستحواذ على أمور في غاية التفاهة». ويكمل: «ولكن مسألة الحدود٬ في الحقيقة٬ مهمة لأنها تؤثر على الإمكانات الاقتصادية لتطوير فلسطين٬ وعليها يعتمد فشل أو نجاح الصهيونية٬ فهي تجربة جريئة محفوفة بالمخاطر٬ إلا أنها بنظري تستحق المخاطرة ويجب أن تحصل على فرصة». إن هذا الإصرار الواضح الذي يدفعه رسوخ إنجيلي متأصل أدرجه بلفور في مذكرة عن فلسطين وسوريا والعراق في أغسطس (آب) ٬1919 يقول فيها بصراحة فظة: «إن القوى الأربع الكبرى ملتزمة بالصهيونية. والصهيونية سواًء كانت على حق أو خطأ٬ أو كانت حسنة أو سيئة٬ فإنها متجذرة في تقاليد قديمة. وفي ظروف الحاجة الراهنة والآمال المستقبلية فإنها (الصهيونية) أهم بكثير من رغبات أو ميول 700 ألف عربي يقيمون حالًيا فوق هذه الأرض العتيقة. وهذا٬ في رأيي٬ هو الصواب»*.

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.50792
Total : 101