إنه العدد (6 ) من سلسلة مقالات بعنوان : " برّ وتوكلات حكماء صهيون" .
يعتبر الحاخام هلليل (بابلي الأصل) واحداً من أكبر حكماء بني صهيون الذي عاش قبل المسيح وتوفي سنة 7 ميلادية عن عمر تجاوز المائة عام . كما يعتبر أول حاخام بابلي يتولى رئاسة السنهدرين : بمثابة البرلمان الاسرائيلي و مجلس القضاء الأعلى . سنخصص مقالا خاصاً حول هذا القمر البابلي (الأمير هلليل) ومكانته الكبيرة في اليهودية وقيادته للمدرسة اليهودية المتحررة والمنفتحة في القرن الأول قبل الميلاد والعقد الأول من القرن الميلادي الأول، خاصة وأنه كان له تأثيراً في فكر وخطاب يسوع المسيح والرسول بولس .

هذه ترجمة لواحدة من الروايات الشهيرة التي تعكس حبه للآخر وتروي مدى صبره المثالي والنموذجي .

اتفق أن كان يتحاور رجلان في اورشليم فيما بينهما حول الحاخام الناسي (الأمير) هلليل، فقال أحدهما أنه لم يُعرف رجل بحكمة وصبر هلليل، فيعُرف عنه بأنه لا يغضب ولم يغضب أبداً ، لا من أحدٍ ولا من أي شيء ، ولا يتمكن ولم يتمكن أحد من جعله يفقد صبره وهدوءه نفسه .

أجابه الآخر : سأقوم باستفزاز الحاخام هلليل وسأجعله يغضب ويستشيط غضباً أيضاً.

فردّ عليه محدثه : " أنا لا أعتقد ولا يمكنني أن أصدق بأنك قادر على فعل ذلك . وتحدياً لك يا صاحبي ، فأنا مستعد أن أدفع لك 400 قطعة من الفضة لو تمكنت وقمت بجعله يغضب هلليل".

فردّ عليه صاحبه : " اذاً اطمئن كما أنا مطمئن بأنني سوف أفوز بهذا المال الكبير وستخسر أنت مالك، لأنني أعرف كيف سأجعل هلليل يفقد أعصابه ".

كان قد جرى هذه في صباح يوم جمعة .

الأمير الحاخام هلليل كان في بيته لوحده يستعدّ ويرتب كل ما يتوجب للتهيئة لقدوم السبت المقدس. وكان في الحمام يتحمم . فسمع طرقاً على الباب أولاً ثم تزايدت شدة وقوة الطرقات على الباب وأحدثت ضجيجاً قويا وكأن الطارق يريد كسر الباب ، مع صوت عالٍ لرجلٍ يصرخ مردداً : هل يوجد هنا هلليل ؟ هل هلليل في البيت ؟ هل هنا من يدعى هلليل ؟

فكّر هلليل مع كل هذه الجلبة والصخب، بأنه قد يكون أحدهم لديه سؤالا مهماً وصعباً في التوراة يطرق على بابي، فلأذهب وأرى، فلبس ثيابا بسرعة وخرج من الحمام فاتحاً الباب. سائلاً الرجل الطارق بكل هدوء : نعم يا بني ، ماذا تريد ؟

أجاب الرجل : لديّ سؤال.

ردّ الحاخام : اسأل سؤالك يا بني.

فسأل الرجل سؤالاً سخيفاً ليغضب هلليل : " لماذا للبابليين رأسٌ بيضاوي ، يشبه البيضة ؟

ـ وبينما كان الرجل يسأل سؤاله مع ابتسامة خبيثة كان يفكر بأن هلليل سيغضب حالاً خاصة (وهلليل بابليّ) وأنا أزعجه قبل حلول السبت وهو منشغل في التهيئة للسبت ـ.

لكن هلليل بكل هدوء وحلمٍ قال : " يا بني ، انك سألت سؤالاً جداً مهم . ان السبب في بيضوية رأس البابليين يعود الى القابلات المولدات اللواتي لا يعرفن كيفية امساك رأس الولد في لحظة الولادة بطريقة سليمة فيخرج وليداً برأس بيضوية".

فذهب الرجل ، وعاد هلليل ليكمل حمّامه. وانتظر الرجل قليلاً ليعود الحاخام هلليل وينشغل من جديد في أعمال التهيئة للسبت ويطرق عليه الباب ثانية.

فعاد الرجل ثانية الى الطرق على باب بيت هلليل بقوة صارخاً :

أين هلليل ؟ أين هلليل ؟ هل هنا من يُدعى هلليل ؟

فسمع هلليل الصراخ والطرق على الباب ، فلبس ثيابه مرة ثانية وخرج قائلا : نعم يا بني ماذا تريد ؟

فردّ الرجل بصوت متعجرف : لدي سؤال لك.

فقال هلليل بهدوء : اسأل سؤالك يا بنيّ .

فسأل الرجل سؤاله الذي يبدو سخيفاً ، فقط لدفع هلليل لأن يغضب : لماذا لأبناء شعب تدمر عينان صغيرتان وقريبتان من بعضها ؟

فردّ هلليل بابتسامة وهدوء : يا بني ان سؤالك عظيم . ان السبب هو أن المدينة صحراوية ورياح الصحراء تحمل معها الغبار بكثافة، والذي يؤثر في عيون الانسان، لذلك فان الله الطيب قام بخلقهم ضيقتان صغيرتان حتى لا يؤثر فيهما أو يضرهما غبار الريح الصحراوية".

فذهب الرجل، ودخل هلليل الى بيته ليكمل حمّامه .

وماهي الا دقائق قليلة ، فعاد ذات الرجل للطرق على الباب والصراخ وكأنه لا علم له : أين هلليل ؟ هل هلليل في البيت ؟

فوضع هلليل ثياباً عليه للمرة الثالثة وخرج من الحمام وفتح باب البيت : يا بنيّ ، ماذا تريد ؟

ردّ الرجل بصوت عال ٍ : لدي سؤال ؟

فقال هلليل : اسأل يا بنيّ سؤالك.

فسأل الرجل سؤاله : لماذ للشعوب الأفريقية أقدام عريضة ؟

فردّ هلليل بكل هدوء : انك سألت سؤالاً غاية في الأهمية. ان السبب يعود الى أن شعوب افريقيا يعيشون في اماكن موحلة طينية ، لذلك خلق الله لهم اقداماً عريضة تساعدهم في المشي في الطين والأوحال.

وشعر الرجل بأنه لم يتمكن لغاية هذه اللحظة في إثارة غضب وأعصاب الحاخام هلليل. ففكّر بالتحدث الى هلليل بطريقة فجة ليجرّب اغضابه ويكسب المال الكثير الموعود به من صديقة الذي بقي يراقبه من بعيد.

فقال لهلليل : "ان لدي الكثير من الأسئلة ، لكنني لا أريد أن أزعجك وأثير غضبك".

فردّ هلليل : "اسأل كل ما لديك من اسئلة يا بنيّ ، وأنا سأحاول الاجابة عليها" .

فسأل الرجل : هل أنت هو ذات الهلليل المعروف بأمير اسرائيل ؟

ردّ هلليل : نعم هو أنا.

فقال له الرجل محاولاً استفزازه : " لو كنت أنت هو ذات الهلليل ، فأنا أتمنى لو لم يكن مثلك أحدٌ في اسرائيل. ردّ هلليل بكل هدوء مبتسماً متعجباً : ولماذا يا بنيّ ؟

فأجابه الرجل : بسببك أنت ، خسرت أنا 400 قطعة من الفضة ، وعدني بها صديقي في رهانٍ ، لو تمكنت من جعلك تغصب وتعصّب وتفقد صبرك. لكنك لم تفقد بتاتا شيئاً من صبرك.

فقال له هلليل : كنْ حذراً يا بني، ولا تراهن على مسائل مثل هذه. فانه من السهل أن تخسر أضعاف مثل هذا المال من أجل تغضب هلليل وتُفقده صبره أو تجعله يعصّب".

فغادر الرجل خاسراً ولم يربح الرهان، لكنه ربح درساً لا يقل قيمة من المال إن لم يكن أثمن منه، من الحاخام الجليل هلليل.