بعد أن وضحنا في الحلقتين السابقتين حسب تحقيقنا وتدقيقنا واجتهادنا معاني الغزل والتشبيب والنسيب والفرق بينها لا التفريق ، ومثلنا وأنت الأمثل! للغزل المغزول والتشبيب المشبوب ، وبقى عندنا النسيب والناسب والمنسوب ، ثم نستشهد بأجمل القصائد عن الحبيب والمحبوب للراغب بالمرغوب. وكلّ حبيبٍ للحبيب نسيبُ !!
العصر الجاهلي نظرة خاطفة كمقدمة :
العرب البائدة كقبائل عاد وثمود وجديس وطسم وجرهم ... انقرضت ، ومن ثم استمرت هجرة القبائل العربية الباقية خلال حكم نبوخذ نصرالثالث ، وبنى لهم حيراً جنوب بابله ، وتطور هذا الحير إلى الحيرة ، و في القرن الميلادي الأول ،أي بعد أن انهدم سد مأرب وتمّ انهياره ، هاجرت قبائل عربية يمانية أخرى كبرى منها قد انخزعت عنهم ، واستقرت بالحجاز حول مكة ، وأصبحت سدنة الكعبة المشرفة ، وهم خزاعة ،وسلمت السدانة لأصهارهم القرشيين بعد ثلاثة قرون من استلامها .
أمّا القبائل الأخرى فأناخت في الشمال الشرقي للجزيرة وبحرينها ، وهي قبائل تنوخ ،وهؤلاء التنوخ هاجر قسم منهم - مرة ثانية - لأنبار العراق وحيرته، وأسسوا مملكة اللخميين ومن ثم تلاقفها المناذرة ، والتنوخيون الآخرون هاجروا إلى بلاد الشام، واتخذوا من اسم بئر غسان كناية لقبائلهم ، وشكّلوا مملكة الغساسنة، والمجموعة الثالثة من القبائل التنوخية استقرت في شمال شرقي الجزيرة ، وفي نجدها إذ قامت منذ ثلاثة قرون من وصولهم مملكة كندة الأسدية ، كل هذه القبائل من العرب العاربة اليمانية ، أما العرب المستعربة ، فهم العرب اللذين قطنوا أواسط الجزيرة العربية، وفي مدنها وحاضراتها ، واختلطوا بشتى ناسها وأجناسها من أحباش وفرس وأنباط وقلة من الرومان ..ومن أهم قبائلهم قريش.
عصر هؤلاء بعربهم العاربة وعربهم المستعربة أطلق عليه العصر الجاهلي ، لأنهم جهلوا ديانة أبيهم النسبي والمعنوي إبراهيم الخليل ، وسبقوا بزوغ الدعوة الإسلامية ،ولجهلهم بوجود الله ، كانوا يعبدون الأصنام كاللات والعزى وهبل ومناة ، وهنالك من عبد الشمس والقمر والنجوم ،، وبعضهم من آمن بالديانات الحنفية ( الحنفاء على ملّة إبراهيم، واليهودية والنصرانية ( المسيحية) ، ولم يكن في عهدهم أي تدوين للأشعار والآداب والعلوم ، ولكن هنالك رواة ينقلون الأشعار والأخبار على ظهر قلب، وربما يتلاعبون بنصوصها لغايات عدة ، أو ينسون منها، فيحرفون ، ومن بعد يصحفون ، ويقولون إن المعلقات بسبعتها أو بعشرتها كانت معلقة بأستار الكعبة.
المرأة في حياتهم الجاهلة بالإسلام :
لا تتسرب إليك المسارب أنهم كانوا جهلاء في علاقاتهم الاجتماعية ، بل كانوا أهل كرم وضيافة وجرأة وحلم وبلاغة وشعر وخطابة ، فرضتها البيئة الصحراوية نفسها على سلوكهم وتصرفاتهم أبان إقاماتهم وتنقلاتهم ، وأسواقهم التجارية والشعرية ، بل منحتهم الحرية والبساطة والسماحة ، ولا ريب أنك تعرف كثيراً من الرموز التي بقيت من ذلك العصر إلى هذا العصر في مجالات عديدة ، ولكن هذا لا يجعلنا أن نتغاضى عن الفخر والعصبية القبلية ، وألهاكم التكاثر ، وهي عادات وأعراف قبلية ما زلنا نعاني منها حتى يومنا ، أما لعب القمار ، وشرب الخمر ، فهذه مشكلة - إن صح التعبير - تعاني منها الإنسانية على امتداد المكان ، وعمق الزمان ، والإنسان هو الإنسان !!
نحن لانعرف عن آداب وأشعار العصر الجاهلي سوى ما سبق عصر الرسالة بقرن ونصف تقريباً ، والشنفرى هو من أوائل الشعراء العرب الذين عرفهم تاريخ الأدب العربي، تأمل كيف كان يجلّ زوجه؟ وكيف كانت منزلة المرأة في المجتمع ، ودورها الفاعل ؟ لنعرّج لمحة على قصيدته التائية بحق زوجه ، ولك أن تقرأها كاملة في ديوانه (1) ،وتتفكر في مدى احترامه لحقوق المرأة وعفتها ، القصيدة التي عدّها الأصمعي أحسن ما قيل في خفر النساء وعفتهن :
ألا أم عمرو أجمعتْ فاســـتقلتِ *** وما ودّعتْ جيرانها إذ ْ تولـّتِ
وقد سبقتنا أم عمرو بأمــــرهـا *** وكانتْ بأعنــــاق المطي أظلـّتِ
بعيني ما أمستْ فباتتْ فأصبحتْ ***فقضّتْ أموراً فاســــتقلتْ فولّتِ
فوا كبدا على أميمةَ َبعدمــــــــا *** طمعتُ فهبها نعمةَ َالعيشِ زلّتِ
لقد أعجبتني لا سقوطاً قناعهــا *** إذا مـــــا مشت ولا بذاتِ تلفّتِ
زوجه (أميمة) هجرته ورحلت دون أن تخبر أي أحد حتى جيرانها ،الرجل لم يغضب ، ولم يسخط ، ولم تأخذه الحمية الجاهلية أبان جاهليتها ، بل كافأها بأروع رائعة ، وأرق الكلمات ..(بعيني)...( فوا كبدا ) ، ثم (لقد أعجبتني) ...أعجبته بماذا؟ إنها لا تسقط قناعها تعمداً لإبداء حسنها ، ولا تتلفت لكي لا تجلب الريبة لعفتها وخدرها ،يقول الأصمعي معقباً: وقد تلقي المرأة خمارها لحسنها وهي على عفة ، وأنشد قول الشماخ " أطارت من الحسن الرداء المحبرا ", وكما لا يخفى هذه نظرة خاطفة جداً على الأبيات ، وأحلتك لقراءة القصيدة كاملة ( 36 بيتاً).
طبعاً أنا لا أزعم أنّ المرأة في العصر الجاهلي كانت لها كامل الحقوق ، ولا أمسى " و اذا الموؤدة سئلت باي ذنب قتلت " ،ولكن لا أنسى أيضا أن العصر الجاهلي كان عصر بدواة ، وغزوات ، وإملاق ، والآية الكريمة واضحة " ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق " ، والجوع أبو الكفار ، وكان الأولاد يعينون أباءهم في أعمالهم ، وتوفير لقمة العيش لهم في ظروف قاسية ، لذلك كانوا يعفون من هذا القتل الجوعي ، وما كانت المرأة تستحق الميراث في أعرافهم الاجتماعية ، ربما لأنها لم تشارك الرجال في زيادة مدخولاتهم ، أو لكي لا ينقل الورث للرجال الأباعد !!
عموماً كلامنا عن احترام المرأة الحبيبة والزوجة ، والأم ،فماذا تتوقع من كلام الحبيب للحبيب ، والقريب للقريب ، والنسيب للنسيب ، غير عذوبة الألفاظ مستعملاً بوعيه أو لا وعيه حروف اللين اللينة كالألف والواو والياء بكثرة ، وبحروف غير مشدّدة ، أو ثقيلة على اللسان والسمع ، فاطم ( مرخمة) غير رقية ، ولا رقيّ ، وليلى غير عليمة في جمال الانسياب الشعري، وهذان البيتان لامرئ القيس من معلقته :
أفاطِـمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ ***وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي *******وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ
لا أخالك تجهل امرأ القيس الملك الضليل ، (ذو القروح ) ، وحامل لواء الشعراء للنار على حد تعبير النبي (ص) ، تختلف الروايات في فترة حياته ، وعلى أغلب الظن بين (496 - 544م) ، يعني في الشطر الأول من القرن السادس الميلادي الرجل هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث بن عمرو بن حجر من كندة ، أمة فاطمة بنت ربيعة بن الحارث بن زهير أخت كليب، وقد مرّ علينا أمر هذا الـ (كليب) الذي كانت تضرب العرب يه المثل : أعزّ من كليب ، والحقيقة كانت العرب كانت تسمي أبناءها بأوحش وأصعب ، وأقسى الأسماء ككليب ومصعب وصخر وحرب وأسد ونمر ... لترهيب العدو ، فتناديهم كرّ يا أسد ، ويا لكليب ، ويلك من حرب !! في حيت تسمي عبيدها بأجمل الأسماء وأسعدها وأبركها ، والعرب عموماً تميل للضد في استخدام مفرداتها تكني الأعمى بالبصير ، وتطلق على بيت النجاسة بالطهارة... !! أقول مرّ علينا كليب في الحلقة السابقة عندما تناولنا ندب الـ (جليلة ) عليه .
مهما يكن من أمر ، أن أمير شعرنا الأول الضليل من نجد ، وبالتحديد من مملكة كندة يقول عنه ابن قتيبة : كان يعدّ من عشّاق العرب ، وكان يشبّب بنساء منهنّ فاطمة بنت العبيد العنزية التي ذكرها في معلقته ،انتهى . طرده أبوه لعبثه وتشببه بالنساء وخمره، فهاجر إلى القسطنطينية، ووصل إليه نبأ مقتل أبيه الذي كان ملكاً على أسد وغطفان ، وعلى أيدي بني أسد ، وكان حينها في دمون ، فقال :
تطاول الليل علينا دمون *** دمون إنا معشر يمانون
وإننا لأهلنا محبون
وقال مقولته الشهيرة ، : ( ضيعني صغيراً ، وحملني دمه كبيراً ، لا صحو اليوم ، ولا سكر غداً اليوم خمر ، وغداً أمرُ) ، وحاول جاهداً الثأر لمقتل أبيه ، واتصل بالقبائل العربية والسموأل ، والحارث الغساني ـ في بلاد الشام ـ وقيصر الروم ، ولكن وشى به رجل من بني أسد عند هذا القيصر، فسمه بحيلة مزينة بالوشي، وتوفي بأنقرة ، ودفن فيها، ونحن نريد من شاعرنا الجاهلي نسيبه الجميل بفاطمة العبيد !! يطلّ علينا الملك الضليل بمطلع قصيدته المعلقة بالبيتين الآتيين على سبيل الدخول لرحاب النسيب :
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ ***بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْراةِ لَمْ يَعْفُ رَسْمُها ****لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وشَمْألِ
وُقُوْفاً بِهَا صَحْبِي عَلَّي مَطِيَّهُـمُ *** يَقُوْلُوْنَ لاَ تَهْلِكْ أَسَـــــــىً وَتَجَمَّـلِ
هكذا شرع شاعرنا بمخاطبة صاحبيه على عادة العرب، مهما كانت التخريجات ، مخاطبة الواحد بالاثنين ، كقول الشاعر :
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر *** وأن ترعياني أحمِ عِرضاً ممنّعاً
أو أن العربي الجاهلي يخاطب عادة راعي إبله وراعي غنمه ،أو يخاطب المجموع ، أو أصل ( قفا ): قف قف على مذهب أبي عثمان المازني، أو أصلها ( قفن ) للتأكيد، وقلبت النون ألفاً في حالة الوصل وقفاً، كقول الأعشى، والشاهد فاحمدا، وأراد فاحمدن !:
وصلِّ على حين العشيّات والضحى ***ولا تحمد المثرين واللهَ فاحمدا
مهما يكن،الشاعر يطلب الوقوف بكاءً لذكرى حبيبته وديارها حين خروجها منها ، وجزماً كان الغزل جارياً بينهما ،والله أعلم ،وإن جزمنا !، أين ؟ في منقطع الرمل
ومعوجه حين يتلوى في منطقة بين أربعة مواضع لم يعف رسمها ، ولا زالتْ أثاراها ، وهي الدخول وحوملِ وتوضح والمقراة ، إذن هناك صلة نسبة بين الشاعر وحبيبته وديارها ، وسكب أشجانه ولوعته وهي بعيدة عنه ، وإذا استعملنا كلمة ( تشبب ) في سياق الكلام ، إنما أردنا المجاز لا المصطلح !! ، وربما الرجل نفسه أراد لم يعف رسمها ، أي رسم حبّها في قلبه المتوجع ، فما أدراك ، وما أدراني !!لأن في البيت الثالث الشاهد باختياري ،قفا وقوف أصحابي على رأسي برواحلهم ، يطلبون مني الصبر الجميل ، لا الجزع المهلك للقتيل !! ولا أطيل .. فإليك هذا المقطع من نسيبه للفاطم العشيق ، وما العاشق إلا ذليل ، أبان الوجد والتقبيل !! :
أفاطِـمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّـلِ ***وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي
أغَـرَّكِ مِنِّـي أنَّ حُبَّـكِ قَاتِلِـي *******وأنَّـكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَـلِ
وإِنْ تَكُ قَدْ سَـاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَـةٌ ******فَسُلِّـي ثِيَـابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُـلِ
وَمَا ذَرَفَـتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِـي ***** بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّـلِ
وبَيْضَـةِ خِدْرٍ لاَ يُرَامُ خِبَاؤُهَـا ****** تَمَتَّعْتُ مِنْ لَهْوٍ بِهَا غَيْرَ مُعْجَـلِ
تَجَاوَزْتُ أحْرَاساً إِلَيْهَا وَمَعْشَـراً *****عَلَّي حِرَاصاً لَوْ يُسِرُّوْنَ مَقْتَلِـي
إِذَا مَا الثُّرَيَّا فِي السَّمَاءِ تَعَرَّضَتْ **** تَعَـرُّضَ أَثْنَاءَ الوِشَاحِ المُفَصَّـلِ
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَّتْ لِنَوْمٍ ثِيَابَهَـا ******* لَـدَى السِّتْرِ إلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّـلِ
فَقَالـَتْ : يَمِيْنَ اللهِ مَا لَكَ حِيْلَةٌ ******وَمَا إِنْ أَرَى عَنْكَ الغَوَايَةَ تَنْجَلِـي
خَرَجْتُ بِهَا أَمْشِي تَجُرُّ وَرَاءَنَـا ********عَلَـى أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّـلِ
فَلَمَّا أجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وانْتَحَـى ******بِنَا بَطْنُ خَبْتٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
هَصَرْتُ بِفَوْدَي رَأْسِهَا فَتَمَايَلَـتْ ***** عَليَّ هَضِيْمَ الكَشْحِ رَيَّا المُخَلْخَـلِ
******** تَرَائِبُهَـا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَــلِ مُهَفْهَفَـةٌ بَيْضَـاءُ غَيْرُ مُفَاضَــةٍ
كَبِكْرِ المُقَـانَاةِ البَيَاضَ بِصُفْــرَةٍ *******غَـذَاهَا نَمِيْرُ المَاءِ غَيْرُ المُحَلَّــلِ
تَـصُدُّ وتُبْدِي عَنْ أسِيْلٍ وَتَتَّقــِي ******* بِـنَاظِرَةٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَةَ مُطْفِـلِ
وجِـيْدٍ كَجِيْدِ الرِّئْمِ لَيْسَ بِفَاحِـشٍ *******إِذَا هِـــــــــيَ نَصَّتْـهُ وَلاَ بِمُعَطَّــلِ
وفَـرْعٍ يَزِيْنُ المَتْنَ أسْوَدَ فَاحِــمٍ ***** أثِيْـثٍ كَقِـنْوِ النَّخْــــــــــلَةِ المُتَعَثْكِــلِ
غَـدَائِرُهُ مُسْتَشْزِرَاتٌ إلَى العُــلاَ **** تَضِلُّ العِقَاصُ فِــــــــي مُثَنَّى وَمُرْسَــلِ
البيت الأول من هذا النسيب بين الناسب والمنسوب ، يتوسل الشاعر بفاطمته ، ويقول لها : مهلاً ( على كفيك معي) يا معوّدة أي من التعويد على الدلع والدلال ، وإذا قرّرت هجري ومفارقتي ، فتلطفي وتجمّلي ، ( لا تعذليه ، فإن العذل يولعه ...) ، الإنسان - ياعزيزي - هو الإنسان ، مهما تستّر بالكتمان ، وإنني لأشهّر به بالمجان من رجالٍ ونسوان !!
والمرأة بطبعها وتطبعها تتدلّل على الرجل لتعطيه إشارة أنها عزيزة ، وجوهرة ثمينة ، وأمومتها سرّ وجود الحياة ، واستمراريتها ، فلماذا إذن لا يغرّها هذا التعلق بها حتى الانقياد لتنفيذ كلّ طلباتها ، وما أرخصها ، وكلّ ما فوق التراب تراب إلا الوِلدان ، وولادان الولدان ؟!!
ولكن ماذا أراد هذا الأمير الضليل في بيته الثالث ، فيما إذا ضاقت حبيبته من أخلاقه الضيقة أن تسلّ ثيابه من ثيابها ، فتنسل ؟ عجيب أمره ، هل كان يعني فراق القلبين ، وإلى جهنم وبئس المصير ؟!!كما يذهب بعض الأوائل مستشهدين بقول عنترة مخاطباً عبلته ، وهو في أوج وقائعه ، إذ استعار الثياب بدلاً عن القلب :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه *** ليس الكريم على القنا بمحرم
وعندي دليل آخر أنًه في البيت الرابع أصاب ( القلب) في أعشاره بمقتل اللحظين ، والتوارد وارد ، والقلوب سواقي !
أراني أوجز والحديث يطول ، وإذا أطلق قلمي على سجيته لا يبالي ولكني أبالي رحمة بوقتي ووقتك ، ثم أنني أخبرتك من قبل ، لا أرغب أن يطاول النثر النقدي البليغ الفن الشعري الجميل النبيل ، وما مرادي إلا أن أجرك للنسيب ، والتمييز بينه وبين الغزل والتشبيب ، وعليك أن تكمّل المشوار ، وإلى الملتقى في آت قريب