انطوت أيام هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك، ومضت لياليه بخفة وسرعة عجيبة، هذا الشهر الذي غيرنا تماماً، غير أوقات نومنا ويقظتنا غير أوقات طعامنا وشرابنا، وغير نفسياتنا وأرواحنا، ومن المؤكد أنه أيضاً غير خلال أيامه سلوكيات وممارسات. كلفحة من الطيف مضى، ولم تبق إلا ذكرى جميلة في قلوبنا.. يأتي العيد، ليشعرنا بالتعويض أو لينسينا فداحة الخسارة التي وقعت بنا إثر انصرام شهر الحب شهر الخير شهر رمضان.
العيد يأتي ليدخل على القلوب السعادة والفرحة، ويفترض فيه أن يكون فرحاً شاملاً عاماً للجميع دون استثناء. يظللنا العيد والعالم متوهج بالسخونة فأحداثه لا تجعل لك مساحة للفرح الحقيقي والضحك من القلب، أحداث غزة وما يصاحبها من عدوان إسرائيلي لا تخفى على أحد، الضحايا هناك معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين، هم مطحونون بين عدوين عدو أحمق كإسرائيل وعدو لئيم يتاجر ويشتري مواقف دولية بدمائهم.
لقد أظهرت لنا محنة غزة ألماً عظيماً لكل الضحايا الذين يسقطون دون ذنب أو جريرة، حجم البؤس الذي يغطي هذا القطاع منذ ما أفرزته الديمقراطية الفلسطينية والدخول في خصام سياسي بين بعضهم البعض، فتفرقت الكلمة وتشتتوا أمام العدو الحقيقي، فلم يدفع الثمن إلا الطفل والمرأة والناس الأبرياء. في غزة نحن نشاهد الأحداث ويصلنا حجر من هنا أو هناك، إنها أصوات الغباء لعقول رهنت تفكيرها ورؤيتها بيد ثلة تتحكم بحياتها وموتها، في الوقت نفسه جسر إماراتي من أضخم الطائرات يتوجه لنجدة أهلنا وأشقائنا وأمهاتنا وأطفالنا، ولا زالت أصوات الغباء تنبح والسبب ليس تقصيرنا أو تواضع حبنا أو التردد في الدعاء بنصر أهلنا هناك، لا والله.. فالسبب هو الحزبية وسيطرة خطاب الإسلام الحركي السياسي الوصولي لا أكثر ولا أقل..
تبقى غزة جرحاً نازفاً بين عدوين لئيمين كلّ منهما يتاجر بدماء البراءة، عدو غاشم ظالم قاس متجبر وجد فرصة ليفرغ أحقاده السوداء ضد العزل والأبرياء، أما العدو الآخر فتجدهم في أفخر القصور في عاصمة خليجية ليست ببعيدة، تجدهم يتمتعون بكل ما لذ وطاب هم وأبناؤهم وأطفالهم وأقاربهم، وفي غزة يطحن الأبرياء، ويرتفع قميص عثمان، هذا يعرض وذاك يزايد في طلب الثمن والآلة العسكرية الإسرائيلية تطحن وتعتصر قلوبنا معها، وهؤلاء ما زالوا يرفعون ويصرون على ما يسمونها شروط التهدئة!
أيها العيد، أهلاً وسهلاً بك .. بلا ضحكات كبيرة بلا أصوات السعادة، حتى لا تضج أفراحنا المشهد المهيب لأرواح أطفالنا وأمهاتنا في غزة.