وحادي العيس هذا سبب البين والفراق والثكل واليتم، وكم مرة من المرات وقفت خلف ابله انظر لمن غادروا، واول هائم ذكر حادي العيس هو محمد بن القاسم الذي ودع محبوبته فقال:
( لما اناخوا قبيل الصبح عيسهم.... ..... وحملوها وسارت بالدجى الابل
فارسلت من خلال السجف ناظرها... ترنو اليّ ودمع العين ينهمل
وودعت ببنان خلته علم.................. ناديت لاحملت رجلاك ياجملُ)
القصيدة طويلة وغناها اكثر من مطرب، ثم استعيرت قصيدة حادي العيس ليوم الفراق، فصار الضعن من يذهب ولايعود، اي انها وقعت موقع الرثاء، والحادي هو من يسوق الابل في ماضي الزمن، اما الان فهو من يسوق اية واسطة نقل تذهب بالاعزاء ولاتعود بهم ثانية، وحتى الغنائيات في هذا المجال هي مساحة للحزن والحسرة حيث يقول الشاعر:
( الحادي مابيه صوج...... صوج المشه وياه
لامر على الجيران......... لاوادع اهواه)
وكثير من الاعزاء غادروا بدون وداع، ذهب بهم الحادي وانقطعت اخبارهم، ومن هنا نجد المطرب جواد وادي يقول بصوت شجي:
( ياحادي العيس لاوين بمسيرك ترد
لاتزجر البل خلها من دموعي ترد
جانت مكاتيب خلاني عليّ ترد
واليوم مدة وكت اخبارهم ماجن
عفيه العكل من جفوا عنّه اشعجب ماجن
انه الذي من يجن ليل الدجى ماجن
عافوني من غير سابق معرفه وانذار
كلبي ابنار الهجر شب واحترك وانذار
بدموع عيني ارش ادروبهم وانذار
نفسي وره اضعونهم اتمنى يوما تردْ)
وحادي العيس يمثل المناسبة اصدق تمثيل، لكن يبقى حادي العيس هو الذي يسير بالاحباب بعيدا عن نواظرنا لنبقى بعدهم بحزن دائم، وجرح لايندمل، لقد غادرني حادي العيس مرات، وقد تأسفت اني لم ارافق الضعن، تحجرت دموعي بعيني، ووقفت انظر بنفس الاتجاه لوقت طويل ، تفرق الناس من حولي وانا في ذهول مستمر، انه حادي العيس الذي سار دونما وداع، وهكذا اعتاد العراقيون على حادي العيس، ثكلا وفقدا وتهجيرا، فمرة يسير بالحبيبة ويبتعد، واخرى يسلب عزيزا ويرحل الى حيث لارجعة، واخرى يأتي بخبر يشعب الفؤاد، ولذا صار حادي العيس رفيقا للعراقيين، ولم ار اقسى من حادي العيس في مدينة الثورة، حين سار باكثر من 128 شهيدا ملفوفين بالعلم العراقي، ولم ار اكثر مرارة من ذلك اليوم المشؤوم، لقد خطف حادي العيس في تفجير الثورة الاخير الذي فجره مجرم تافه، اغري بالمال ليقتل ابناء جلدته وطبقته الفقيرة المسحوقة، لقد خطف هذا الحادي من مختلف الاعمار، زهراء الطفلة التي تبيع الشموع ومحمد ذا الخمسة عشر ربيعا وغيره الكثير، ممن غادر داره ليحضر عزاء لصديق او اقارب، او كان مارا مرور الكرام، فعاد محمولا على الالواح العراقية الخالدة، التي لم تهيىء موتا كما هيأت للعراقيين ومنذ وقت طويل، لقد تكرمت الحكومة وارسلت الجرحى الى تركيا، لكنها لم تتوعد احدا بالثأر لهؤلاء، ولم تقم بعمل يوازي مستوى الحدث المشؤوم، لقد تيتم الكثيرون، وترملن من النساء الكثيرات، وحادي العيس يدور في المدينة يبحث عن المزيد، في حين يتمتع المسؤولون بعيدا عن المصائب التي تصيب الناس ولسان حالهم يقول: (كذا التعده فخذي عساه بكذا او كذا).
مقالات اخرى للكاتب