تظاهر المئات من موظفي الدوائر الحكومية ، معبرين عن «استغرابهم» لتغيير سلم الرواتب وسط استمرار ارتفاع اسعار مختلف الخدمات والسلع، وطالبوا الحكومة بالعدول عن القرار ، فقسم كبير منهم قد ربط مقدار راتبه بالتزامات مادية كالسلف للمصارف ومستحقات الاقساط الشهرية لشراء السيارات والتزامات الايجار واجورالمولدات الكهربائية وامور اخرى كثيرة تتعلق بتامين الاوضاع المعيشية ومتطلبات الابناء في المدارس والجامعات .
القانون
تغيير «ماجاء بقانون ، لايلغى الا بقانون» ، فسلم رواتب الموظفين اقر حسب قانون كان قد صوت عليه مجلس النواب سابقا ، واحتسبت وفقه سنوات الخدمة والمخصصات ومقدار الراتب الاسمي حسب الدرجة الوظيفية ، الكثيرون من الموظفين اصحاب الاختصاصات الهندسية والفنية يتعرضون الى غبن كبير من حيث مقدار الراتب مع اقرانهم في وزارات اخرى ، فمثلا يستلم مهندس الكهرباء (درجة سابعة) في وزارة الزراعة 500 الف دينار، في حين ياخذ زميل له من الدرجة نفسها في وزارة النفط او الكهرباء راتبا يتجاوز 850 الف دينار .
متطلبات
الآراء والانتقادات لقرار تغيير سلم رواتب الموظفين تضاربت فيما بينها ، فبينما رحبت فئات الموظفين من اصحاب الرواتب القليلة بقرار تغيير سلم الرواتب ،انتقد اخرون التغييرات التي ستطرأ على رواتبهم وتخفضها الى مستويات لايستطيعون من خلالها تامين التزاماتهم المادية حسب مقدار المبالغ التي كانوا يستلمونها ، علي عبد الواحد (موظف) في احدى دوائر وزارة التعليم العالي قال : انا استلم راتبا قدره (مليون وثمانمئة الف دينار) ، ادفع منه مبلغ 600 الف دينار ايجار البيت الذي اسكن فيه مع عائلتي المكونة من 5 افراد، و100 الف دينار للمولدة الكهربائية، علما ان احد ابنائي يدرس في مدرسة اهلية تستوفي مليون دينار سنويا كاجور، ولدي ابنة في الجامعة ادفع لها اجور (الخط) سيارة الاجرة التي تقلها من والى الكلية 75 الف دينار شهريا ، اضف الى هذا اننا كعائلة اصبحنا نشتري حتى (الماء) ولايمكن ان يشفى المريض مالم يذهب الى طبيب خاص ، فهل يمكن ان يحصل المريض على الدواء الذي يكتبه طبيب المستشفى الحكومي من صيدلية ذلك المشفى ؟
بنى تحتية
موظف اخر انتقد تغيير سلم الرواتب بسبب تردي مستوى الخدمات العامة، اذ بين المهندس امجد فائق البياتي ، ان المواطن العراقي يعاني من نقص كبير في خدمات الكهرباء والماء والصحة ، الامر الذي يستدعي دفع هذه الاجور من راتبه ، بالاضافة الى ازمة السكن التي تعاني منها فئات واسعة ، فاغلب الموظفين يعيشون في بيوت وشقق مستاجرة لايقل مبلغ الايجار فيها عن 500 الف دينار شهريا ، وتساءل البياتي؟ كيف يستطيع موظف لايتجاوز راتبه المليون ونصف المليون دينار ان يوفق بين التزامات عائلته ومستحقات معيشته براتبه الذي لايكفي للعيش وفق مستوى الاكتفاء وليست الرفاهية .
جدل برلماني
المواقف السياسية هي الاخرى تضاربت حول قرار سلم الرواتب والمخصصات المثيرة للجدل اذ رفض النائب حيدر الفوادي عضو لجنة النزاهة البرلمانية، ما جاء في سلم الرواتب الجديد بسبب تأثر شرائح مهمة من الموظفين بموجبه»، مطالبا بتعديله سريعا، ودعا الفوادي رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي الى التريث بتطبيق القانون والرجوع الى البرلمان في عملية تعديل سلم الرواتب، مبينا في هذا الاطار أن «القانون لا يلغى إلا بقانون».
ان «هذا التعديل مس رواتب شرائح مهمة..»، في اشارة منه الى نظام الرواتب والمخصصات الذي اقرته الحكومة كجزء من حزمة الاصلاحات التي اعلنت عنها قبل اشهر.
موضحا وجود قانون لسلم الرواتب، وأن القانون لا يلغى إلا بقانون، وخصوصا انه مس رواتب شرائح مهمة، منها أساتذة الجامعات والأطباء وموظفو هيئة النزاهة»، مشيرا الى انه «من غير الصحيح معالجة المشاكل بفتح مشاكل جديدة، وهو ما يعني الفساد بعينه وليس إصلاحاً».
وأضاف: «إذا كانت هذه هي الإصلاحات، فهي إصلاحات لم تلامس جوهر المشكلة التي نحتاج الى من يبحث فيها، منها امتصاص البطالة بخلق فرص عمل عن طريق تحريك القطاع الخاص والمختلط ضمن قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وتفعيل الاستثمار».
بالمقابل، طالبت النائب عن كتلة «المواطن» البرلمانية احلام الحسيني، مجلس الوزراء الاسراع بارسال قانون سلم الرواتب لتشريعه في البرلمان، مشددة على ضرورة ادراج هذا القانون على جدول اعمال الجلسات المقبلة.
وبينت : ان «المرجعية الدينية الرشيدة اكدت ضرورة معالجة قانون سلم الرواتب للتخلص من الطبقية والتفاوت الموجود بين رواتب موظفي الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية بين جميع ابناء الشعب العراقي».
إرباك
مقرر البرلمان معمار اوغلو بين ، ان قرارتغيير سلم الرواتب في الاول من الشهر المقبل مخالف للقانون ومجحف لكثير من الموظفين فالتخفيض بهذا الشكل الكبير في الرواتب لمئات آلاف الموظفين، سيخلق مشاكل كبيرة في مستويات دخل هؤلاء، وسيعمل على ارباك وضعهم المعيشي الذي اعتادوه وفقا للرواتب السابقة، ولايمكن تغييره بشكل مفاجئ وسريع مؤكدا أن سلم الرواتب الجديد مخالف للقانون ومجحف لكثير من الموظفين، كونه سيولد دماراً لهم ولعوائلهم وأضاف اوغلو، أن «المرجعية الدينية ومن خلال خطبتها الأخيرة أوضحت أن سلم الرواتب سيمرر من خلال مجلس النواب، إلا أن الحكومة ماضية بتطبيقه دون إرساله لممثلي الشعب» مناشداً رئيس الوزراء «التريث في تطبيق هذا السلم رأفة بالموظفين».وتابع مقرر البرلمان، أن «الإصلاحات لا يمكن أن تكون مخالفة للقانون وكما أكدت ذلك المرجعية الرشيدة سابقا» مشيرا الى أن «هذا سيولد مزيدا من الإحباط والتذمر وعدم الاستقرار لدى الموظفين الذين يعملون بمراكز حساسة في الدولة، لاسيما نحن ندعو الى إيقاف هجرة الطاقات الشبابية من البلد.
قوانين جديدة
من ناحيتها، اكدت عضو لجنة التعليم النيابية، بيريوان خيلاني، عدم امكانية إلغاء قانون الخدمة الجامعية إلا بتشريع قانون يلغيه . وقالت خيلاني : « ان مجلس النواب سيناقش موضوع سلم الرواتب الجديد، مؤكدة ان الهدف من القانون هو عدم إبقاء فجوة كبيرة بين رواتب الدرجات الخاصة والموظفين. وأضافت النائبة، ان «الذي حدث هو إلغاء تطبيق قانون الخدمة الجامعية للاساتذة والموظفين وقانون مخصصات الأطباء، التي وجدت جميعها من خلال قوانين» مؤكدة انه «وبغية إلغائها دستورياً فيجب أن يتم ذلك عبر قوانين جديدة» .
الحكومة
من جهتها دافعت الحكومة عن اجراءاتها في هذا الصدد، اذ قال مدير مكتب رئيس الوزراء مهدي العلاق: إن «الجدول الجديد، حقق تحسناً بين الدرجات الدنيا ونظيرتها العليا، وكذلك حد من الفروقات بنحو سبع مرات».
وأكد العلاق، ان «السلم المقترح يحقق درجة أعلى من العدالة بين الموظفين»، موضحا ان القرار الحكومي سينفذ ابتداءً من الاول من شهر تشرين الثاني للعام الحالي، بعد ان وافق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 13 من الشهر الجاري، على توصيات لجنة أصلاح نظام الرواتب والمخصصات لموظفي الدولة كافة والتي تتضمن تعديل جدول الرواتب الملحق بقانون رقم (22) لسنة 2008.
وزارة المالية
وزير المالية هوشيار زيباري دافع هو الاخر عن سلم الرواتب الجديد الذي اصدرته الحكومة مؤخرا، مؤكدا انه يتوافق مع الاصلاحات الادارية والاقتصادية ويحقق العدالة الاجتماعية. مشيرا الى وجود محاولات متعمدة لتشويه قرار الحكومة الخاص بسلم الرواتب الجديد، عاداً ان الهدف من القرار الجديد يهدف اساسا لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية، وسيوفر 1.3 بليون دينار لخزينة
الدولة .
رأي
الخبير الاقتصادي محمد البياتي اوضح : ان تغيير سلم رواتب الموظفين لابد وان يمر عبر اللجان المختصة في البرلمان والحكومة ، ومن ثم الاتفاق على مشروع قانون يمهد لتعديل رواتب الموظفين بصيغة عادلة ، لايغبن فيها احد ، وكما يبدو، ان قرار التعديل جاء على عجالة قبل اقرار موازنة العام 2016، الامر الذي سيسبب ارباكا وسخطا شعبيا بين فئات وشرائح واسعة من المجتمع العراقي، واضاف : يمكن ان نرفع رواتب الموظفين من الدرجات الادنى لمستوى يقلل الفوارق بين الاختصاصات المتشابهة في الوزارات والمؤسسات المختلفة ، وتحسين الرواتب الاخرى وفق سلم رواتب جديد بشرط ان لايؤدي الى خصم مبالغ من رواتب الموظفين، خصوصا ان المواطن العراقي تترتب عليه استحقاقات كثيرة بسبب قلة مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة كالسكن والصحة والكهرباء والتعليم ، ولابد من البحث عن موارد اخرى افضل من التعرض الى رواتب الموظفين وانفلات حالات الفساد والرشوة التي تعاني منها مسبقا المؤسسات الحكومية ، ما يؤدي الى الغوص في مشاكل جديدة وغير محسوبة تحمل الدولة اعباء
اضافية .
مقالات اخرى للكاتب