أفواج وفود المعزين بأربعينية الإمام الحسين.. عليه السلام، من دول إقليمية وإسلامية، فاقت الـ 18 مليونا حتى الآن، وما زال في تزايد، تحثه فورة حماس، تسر المؤمنين.
دول إقليمية وإسلامية، تعزي بالحسين، في وفود شعبية، مفوجة الإنتظام، تشكل تقليدا إيمانيا واردا، ضمن دائرة الإحتمال، لكن ما أود مناقشته، هو الأجانب من المسلمين، الذين أقام بعضهم مجالس عزاء في بلدهم محليا، وبعضهم قدم في مجاميع، الى كربلاء، وقوفا بين يدي أبي عبد الله في أربعينيته.
غير أؤلئك وهؤلاء، ثمة عراقيون وعرب ومسلمون، هاجروا من بلدانهم، الى دول أجنبية.. غير إسلامية، إكتسبوا الجنسية، تماهيا مع مجتمع جديد، وأنجبوا أبناءً لا يعرفون أصلهم، إنما إنتموا الى مسقط رأسهم، وسط ثقافة الغرب التي لا تعنى بالأنساب.
الإنتقالة الإجتماعية، يفترض بها إستحضار منظومة وعي جديدة، تنسخ ما سبقها، وتحل طرحا بديلا عنه، بعد ربع ونصف قرن، يقضيها هناك.
لكن تبزغ عظمة رسوخ واقعة الطف، عندما لا تتقاطع مع ثقافات الغرب، شديدة التطرف في إطلاق حرية الفرد، وتحييده عن صلات المجتمع.. ماضيا وحاضرا، بل تجيء زرافات المؤمنين بإستشهاد الحسين؛ من أجل الحق والعدل، التي وجدوها تتكامل مع ما تلقوه من إقامتهم.. عمرا.. في الغرب، وسط ثقافة لها أطر ومقومات مغايرة لنا، ذات تمظهرات لا تشبه سلوكنا، لكنها في جوهرها، تتسق مع إسلامنا الحسيني الرصين.
المسلون من ابناء اوربا وافريقيا وامريكا اللاتينية وأمريكا الشمالية، والمسلمون الوافدون عليهم، لم يجدوا تضادا بين حضارة الغرب، وما دعى له الحسين، وتجلى من اجله شهيدا، في واقعة "الطف" لذا لم تعارض حكومات الدول، في تلك القارات تنظيم مواكب ومجالس عزاء، تحقق إنفتاحا حضاريا على ثقافات تجيد الحوار، من خلال الموقف التاريخي النبيل، المتوارث.. يتجدد.
وهي فرصة للتعريف بحضارية الإسلام الذي يضحي فيه إبن بنت رسول الله، بحياته وعياله، لإقرار الإلتزام الأمثل بتعاليم دين إنساني منزل التوحيد.
وبهذا الإنفتاح، تطوع غير المسلمين، في بلدان قصية، لتعريف شعوبهم، بقيمة الإسلام الثوري.. التأملي، وليس الإسلام الإرهابي الأهوج، للتمييز بين جهاد يسهم ببناء حضارة، وبين إدعاء الجهاد؛ بغية مداهمة الحضارات القائمة بأرقى أشكالها، في أوربا وأمريكا وسواهما، من شعوب مسالمة، على أراض قصية.
أربعينية الحسين.. هذا العام، قربت الإسلام، من مجتمعات تلقته بشكله الإرهابي، محققة حوارا حضاريا، مع العالم، تجلى في تفاهم عالٍ بدا واضحا من الطمأنينة التي تحاط بها المواكب في امريكا واوربا اللتان لم تندى جروح الأرهاب في جسديهما.
وبهذا فإن الثقافة الحسينية، تجسدت، أولا بقدرتها على نقل صورة الإسلام الثوري تأمليا وليس إرهابيا، وثانيا بإيقاظ الإنتماء الإيماني، لدى المغتربين، وهم يقطعون ربع قرن وأكثر، في مجتمعات غير إسلامية.
مقالات اخرى للكاتب