المرحوم البروفسور هادي عطية مطر الهلالي من مواليد 1939 العراق ـ ذي قار ـ قضاء الشطرة .ويسكن محافظة بغداد .
وهومن العلماء الاجلاء الكبار وفطاحل اللغة العربية وعلوم القران الكريم .
شق طريقة العلمي بجهاد علمي متواصل بشكل عصامي ,فعندما كان تلميذا في الصف السادس الابتدائي كان يدرس في مدارس مدينة الناصرية ,و حينها كان مسكنه في الاقسام الداخلية بسبب بعد المسافة عن داره في قرى قضاء الشطرة كان هذا في الخمسينيات .
ومن أثار جديته في تحصيل العلم عندما كان في المرحلة المذكورة موعد أداء الامتحانات النهائية (البكلوريا) أخبر صباحا يوم الاربعاء بأن والدته مريضة ,فذهب لرؤيتها وكان في حينها صعوبة التنقل كون المحافظة فيها عجلات معدودة نوع (باص خشب) تنقل الناس مابين الشطرة والناصرية على طريق ترابي .
وكان ثاني يوم المصادف الخميس هو يوم امتحان ,فذهب الطالب هادي لرؤية والدته في قرى الشطرة وبعد ان اطمئن عليها تغير طقس الجو حيث هبوب امطار غزيرة ,وهذا يمنع سير العجلات لان الطريق ترابي ,فخرج الساعة 2 ليلا وسار ماشيا على أقدامه الى مدينة الناصرية ووصل بنفس موعد أداء الامتحان .
وقد تخلف الكثير من الطلبة عن الامتحان بسبب تغير الجو وبعد المسافة عن مساكنهم .
وكان الكادر التدريسي يعرف الطالب هادي حينها كونه مميز بتفوقه وقد ذهب يوم الاربعاء لرؤية والدته .
وعندما وصل الى القاعة الامتحانية سأله المدير : كيف وصلت بهذا الجو من قرى الشطرة الى الناصرية ؟
فأجابه : بما ذكرناها اعلاه .
فامر المدير جميع الحضور من طلاب وكادر تدريسي بتكريم الطالب هادي عطية مطر بممارسة رفع العلم العراقي في ساحة المدرسة قبل اداء الامتحان .
وبعد اكمال الدراسة الابتدائية والمتوسطة والثانوية دخل معهد اعداد المعلمين ,فحصل على شهادة (دبلوم عالي ) ,ثم اكمل كلية المعلمين .وبعد اكمال الكلية المذكورة التي تخرج منها بامتياز قرر التقديم لرسالة الماجستير على حساب الحكومة العراقية ,وكانت تلك الرسالة في جمهورية مصر العربية .
وقبل ذهابه كان يتداول مع صديقة الحميم الحاج منعثر منشد الخفاجي كيفية الرحله وعدم وجود معارف هناك ,فذكر له الحاج منعثر بان هناك استاذ خفاجي صديق للحاج الشيخ منشد ,وفي حينها كان المرحوم منشد متواجد في بغداد بيت ولده منعثر ,فطلب الدكتور هادي رسالة من الشيخ منشد الى الدكتور المصري محمد عبد المنعم خفاجي ,فكتب الشيخ تلك الرسالة وذهب بها الدكتور هادي الى مصر .
يقول الدكتور هادي الهلالي وصلت الى جامعة الازهر وسالت عن د. محمد خفاجي ,فقالوا انه عميد الجامعة ,فدخلت اليه وقلت انا طالب عراقي لنيل رسالة الماجستير في الجامعة المصرية.
فسأله الدكتور محمد خفاجي : ماهو لقبك ؟
فقال الدكتور هادي : هلالي .
فانشد د. محمد شعرا في بني هلال .
فقال له د. هادي ومعي رسالة من خفاجة العراق لجنابكم .
فطلب د. محمد تلك الرسالة ,فنظر فيها وكان اساتذة الجامعة يجلسون في غرفته ,فقبل الرسالة ووضعها على راسه قائلا للجميع هذه الرسالة من عمي عميد قبيلة خفاجة في العراق وبهذه المناسبة ادعوكم لوليمة عشاء على شرف هذا الطالب العراقي .
وبعد الوليمة طلب من د.هادي ان لايذهب ,فخرج الضيوف ونادى د.محمد عائلته وقال لهم هذا الرجل جلب رسالة من عمي فتعتبرونه نفسي ياتي لمكتبة المنزل متى شاء وياخذ مايحتاج من كتب ومصادر ويعتبر هذا البيت بيته ,ثم اتصل بالاستاذ الدكتور المصري رمضان حسن عبد التواب والاستاذ الدكتور عفت محمد الشرقاوي وطلب منهم الاهتمام بالدكتور هادي الهلالي والاشراف على رسالته .
وبعد نجاحه المتميز في رسالة الماجستير سحبت الحكومة العراقية يدها عن اكمال دراسته لنيل رسالة الدكتورا قائلين له تكون دراستك على حسابك الخاص ,فأكمل دكتور هادي الدكتورا على حسابه الخاص .
وعاد الى العراق , فدرس في جامعة البصرة ,ودرس في كلية التربية للبنات (بغداد) ,ثم في جامعات اليمن وليبيا ,وعاد الى العراق ,فدرس في كلية تربية كربلاء المقدسة ,ثم أحيل على التقاعد عام 2005 .
أن من النادر في وقتنا المعاصر ان تجد استاذ يتمتع بصفات وسمات المرحوم البرفسور هادي عطية مطر الهلالي الذي وفاه الاجل المحتوم في شهر رمضان ـ السابع من العام 2014م .
هذه السمات هي دماثة خلقه وغزارة علمه وحذقه وفطنته ,فقد كان كرمه لطلاب العلم ورعايته لهم له الاثر البالغ ,فكان لايمل قراءة بحوث الطلبة في بيته العامر ,ومع تعليمه الاختصاص كان يوجه ويرشد من يريد تعلم العلم وهو بعيد عن الاختصاص كل ذلك بدون مقابل , ففي الحصار على العراق كان يشعر بمعاناة طلاب الجامعة من حيث عدم استطاعتهم شراء المصادر والكتب مما اضطره الى شراء كومبيوتر خاص لطباعة المصادر من تاليفه وتوزيعها عليهم مجانا ,ورغم انشغاله بالتدريس والتأليف, الا انه كان يساعد الطلبة للحصول على شهادة الماجستير والدكتورا بدون اي مقابل اضافة
الى مناقشتهم مجانا ,فعندما كان يناقش رسائل الدكتورا او الماجستير وتقدم له هدية ماليه يرفضها قائلا انا لااتاجر بالعلم , ويذهب لمناقشة الطلبة في المحافظات على حسابه الخاص .
ومن سماته وصفاته (رحمه الله )التواضع , ,الوفاء لاصدقاءه وزملائه , الجدية في حياته ووقوفه مع الحق وان كلفه هذا الامر ان يفقد حياته ,ولايجامل على حساب دينه وعلمه .
وأواخر حياته نقل مكتبته من محافظة بغداد الى كربلاء المقدسة ,أذ بنى دار وجامع وجعله ملاذا لطلبة العلم في الحوزة العلمية وطلبة الجامعات وكان يساعدهم للوصول الى درجات متقدمة في العلم .
وكان اخر مشروع حسيني له بناء حسينية فوق الجامع لخدمة زوار الامام الحسين (عليه السلام) .
ولديه بحر عميق من المؤلفات الضخمة التي تدرس في الجامعات العربية وتعتبر مصادر ومراجع لنيل شهادة الدكتورا التي منها :،
1.الحروف العاملة في القرآن الكريم بين النحويين والبلاغيين..
2.حل اكتشاف المشكل بين النحويين والبلاغين.
3.ريادة الاستشهاد في الحديث والاثر عند احمد بن خليل الفراهيدي.
4.بواكير التفسير القرآني عند الخليل بن أحمد الفراهيدي
5.نظرية الحروف العاملة ومبناها وطبيعة إستعمالها القرآني بلاغياً .
6.نشأة دراسة حروف المعاني وتطورها
7.دلالة الالفاظ اليمانية في بعض المعجمات العربية
اما الكتب التي حققها ,فمنها :
1ـ كتاب كشف المشكل في النحو العربي لعلي بن سليمان الحيدرة اليمني المتوفى (599هـ). وهو في غاية الأهمية للدرس النحوي.
2ـ التبيان في علم المعاني والبديع والبيان.
في هذا الكتاب يبين الدكتور هادي عطيه مطر الهلالي منهج العلامة شرف الدين حسين بن محمد الطيبي في تأليفه كتابه (التبان) ذاكراً مصادره وأثر هذا الكتاب في (أنوار الربيع) لابن معصوم.
وفي هذا العمل بيَن العلامة الطيبي منهجه في تأليفه كتاب (التبيان في علم البيان)أنه رتبة على فنين هما: فن البلاغة، وفن الفصاحة. ففي الفن الأول تناول علوم البلاغة الثلاثة وهي: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع. وتكلم عن الفن الثاني عمَا يتعلق بفصاحة الألفاظ، وفصاحة التراكيب اللغوية. فاستغرق شرحه لعلمي المعاني والبيان نصف الكتاب، والنصف الآخر لعلم البديع ولفصاحة اللفظ والكلام. وقد اعتمد في شرحه لعلوم البلاغة، والفصاحة على ما ضمنه صاحب المفتاح وعدَه أصلاً كما أنه اعتمد على ما في (الكشاف) ورشح كتابه بما في (المصباح) و(الإيضاح من
النوادر)، و(بزبدة النهاية) و(المثل السَائر) بل نجده ملخصاً ما عند ابن الأثير في كتابه المثل السائر في موضوع الفصاحة مع إضافة إلى ما لخصه من زيادات مفيدة من علماء آخرين.
هذا، وقد أكثر المصنف من الآيات البينات شواهد موضوع الكتاب وتفسرها مبيناً الأغراض البلاغية، وأسرارها مستعيناً بأحاديث نبوية أحياناً، وبأبيات شعرية غالباً أو أقوال العرب وأمثلتها يدعم بها آراءه، وأودع من الشواهد الشعرية أشعاراً عديدة لمختلف العصور كالعصر الجاهلي والإسلامي، والعصر العباسي، وشعراء مشهورين كامرئ القيس والأعشى وغيرهم.. هذا وقد ذيل الكتاب بتحقيق لطيف هدفه فهم معاني الكتاب وبيان ما لهذا السفر النفيس من أثر في التراث العربي الإسلامي.
والمؤلفات والكتب التي حققها البرفسور هادي عطية ذكرنا منها هذا العدد الضئيل مخافة الاطالة ,فتقديرها اذا تم جمعها بالمئات .
فهذا العالم له الفضل الكبير على المختصين باللغة العربية وطلبة العلم لهذه المادة ,وكاتب هذه الترجمة مجاهد منعثر منشد أحدهم ليس كمختص باللغة وانما ككاتب وباحث ,فبفضل توجيهات وتدريس الراحل البرفسور هادي الهلالي ,والراحل الدكتور موسى بنان العليلي ,وقبلهم سماحة العلامة الشيخ محمد حسن ال ياسين (رحمهم الله جميعا ) واصلنا كتابة تاليف الكتب وكتابة المقالات .
وأن الراحل البرفسور هادي عطية مطر الهلالي كان فريدا من نوعه ,فقد ذكرنا في سماته (التواضع ) وهذا التواضع بعينه حقيقي غير مصطنع ,فمثلا اتصلت به قبل وفاته بستة اشهر وطلبت منه ان ازوره لغرض تدوين سيرته !
فقال لماذا ذلك ؟
قلت :لدي عمل ارشيف لكل عالم !
فقال : ومن يقول انني عالم ؟ انا نقطة في بحر العلم .
قلت : ليس انا من اقول ,بل كل عالم اطلع على مؤلفاتك واهل الاختصاص من اساتذة الجامعات .
قال : على كل حال انا مشتاق لرؤيتك ولكن لاتعتبرني عالم .
هكذا ديدن العلماء العظام التواضع ,فلاتجد في مؤلفاتهم مقدمة طويلة عريضة عن سيرتهم , مع العلم ان في تلك السيرة عبرة لمن يطلب العلم .
فرحيل البروفسورهادي عطية مطر الهلالي خسارة علمية كبيرة للباحثين وطلبة الماجستير والدكتورا وطلبة البحث الخارج في الحوزة العلمية .
نسال الله سبحانه وتعالى ان يتغمده برحمته الواسعة ويدخله فسيح جناته انه سميعا مجيب .