فلسفة سامراء!!

 

 "لتعرف وطنك, إعرف مدينتك"

 قال عبدالله: ولدنا في مدينتنا , وقد كحلت عيوننا بالذهب , وأترعت في وعينا وقلوبنا شموخ العمارة والجمال , فلن ترى فيها عمارة  أجمل , ولن تجد مَن يرى للمال قيمة.

فمنذ طفولتنا وعيوننا تعبق من الذهب , وتراه أمامها قبة عسجدية مشعشعة الأنوار.

وأينما تمضي فيها تجد آثارا تذكرنا بجمال العمارة والقصور , وروعة الفن , وما وصلت إليه المدينة في ثورتها العمرانية العباسية , يوم كانت تسر الناظرين إليها , وتزيدهم بهجة في القلب والعقل والنفس والروح.

فمدينتنا , خالدة وأثيرة ومؤثرة في سلوكنا , ولهذا فنحن ننتسب إليها , لعزتها ومقامها ودورها التأريخي المتوهج , الذي لا يمكن لأية قوة أو إرادة أن تحجبه , وتضع بينه وبين أنوار المكان والزمان , مهما تبدلت أو إستطالت وادعت , وتمادت في العداء والإستبداد والطغيان.

 

قلت لعبدالله: ربما أخذت أفهم أسرار زهدك , ونأيك عن مفاتن الدنيا , فأنت صاحب نفسٍ مترعة بالذهب , ورؤية قد تجاوزت حدود "أريد" إلى ما بعدها , فأصبحت تبدو وكأنك لا تريد , ولهذا أجدك لا تعيش في ذات اللحظة المادية المحكومة بالرغبات السفلية , وإنما تغيب في سماوات التجلي , والتفاعل الإبداعي الخلاق مع مكونات الفكرة , ودواعيها اللازمة للوصول إلى تحقيق ما لا يمكن تحقيقه ,  إلا بقوة الروح في قلب الأريب , النابض بالطموحات الوثابة نحو تعبير أكبر وبناء أعظم.

 قال عبدالله: إن المدينة تصنع الذات وترسم خارطة الوجود , ومدينتنا لا تزال تضع لنا أوصاف المسارات التي تريدها , لكي نحقق الإنتماء الحضاري المرتبط بها.

 قلت لعبد الله: إن وعي المدينة يوصلنا إلى وعي إنسانيتنا ودورنا , ويضع على عاتقنا مسؤولية الإرتقاء إلى كيانها , ودورها ووعيها وفلسفتها وسماتها , وملامح إنطلاقها وديمومة تواصلها مع الأجيال.

فالمدينة ذات طاقات جذب عجيبة , وأظنها من أكثر بقاع الأرض التي احتضنت أجيال البشر , ودعتهم للحضور فيها , وهي التي كانت سوحا لأعظم الأمجاد والإنجازات , وفيها إنبثقت خلاصة وجوهر الأفكار الحضارية اللامعة.

 قال عبدالله: المدينة عنوان أهلها , وميدان ما فيهم , وما دام أهل المدينة يجهلون مدينتهم , فأن المدينة ستبقى حزينة متألمة متوجعة.

 وتلك حقيقة ما يجري , فاعرفوا مدنكم لكي تكونوا بها.

ولا يمكن لأمة أن تكون إذا جهل أبناؤها مكان حياتهم!!