العاقل من أعتبر بغيره |
أكثر من عشر سنين والعراق يتخبط من محنة الى أخرى..يتهموا أمريكا والغرب بالمؤامرة على نشر الدعوات الطائفية لتمزيق وحدة الشعب العراقي بدليل أن أمريكا هي التي نصّبت مجلس الحكم بتقسيماته الطائفية والعرقية والمذهبية ومن ثم خرجت تاركة هذا الشعب المسكين يتلاعب بمصيره أناس جهلة أبعد ما يكونوا عن فنون السياسة والوطنية والكفاءة... ساسة العراق اليوم هم من يتبنى المشاريع الطائفية والمذهبية والعنصرية.. أُدخل العراق نفق الطائفية والعرقية والمذهبية وتبعثرت وحدة شعبه وتطاحنت فئاته طلبا للغلبة ولا أحد حتى من العارفين بفنون السياسة يجرؤ على طرح مشروع الخلاص من هذا النفق المرعب..فللاسف الشديد أرتقى من يدّعون أنهم علماء دين وفقهاء مذاهب شتى منصات القيادة لحشد الجماهير وشحنهم ببضاعتهم الفاسدة التي ما جلبت سوى الخراب والدمار ليعيدوا للمجتمع ظلمة العصور الوسطى .. مفتي الديارالسعودية يمتدح القرضاوي كونه يعيد تيارات أسلافهم على مدى التأريخ .. سفك لدماء مخالفيهم وإبادتهم وأستحلال أموالهم وأعراضهم.. أيّ علماء هؤلاء الذين يدعون للفرقة والقتل بدل المحبة والتفاهم بالحسنى على قاعدة الحوار القائم على العدل والمساواة؟ أيّ علماء هؤلاء الذين يحاربون التطور والحداثة وحب الحياة وكل جديد.. دعواتهم هذه وتنظيراتهم التي لا تنتهي وخلافاتهم في تفسيرهم لمعتقداتهم ومفهومهم للدين هو ما يؤدي الى الفرقة الدائمة والعداوة المستديمة بين معتنقي مذاهبهم والمذاهب الاخرى ليستمر معها مسلسل جرائمهم في قتل وإبادة كل من يختلف معهم... إنّ شعاراتهم البالية التي طالما يخرجوا بها على الناس ما هي إلاّ ضحك على الذقون وما عادت تنطلي على أحد.. وقد يكون معذورا من يدّعي أن أمريكا سلمت نظام الحكم في العراق وباقي دول الخريف العربي بيد الاحزاب الاسلامية تحديدا لغرض كشف زيفهم أمام شعوبهم ويبطلوا الى الابد أطروحة "الاسلام هو الحل"!! الطائفية عمرها أكثر من أربعة عشر قرنا ولا يمكن أن تزول بشعارات يرفعها هذا الطرف أو ذاك.. لا حل للعراق إلاّ بعزل دعاة الدين وحكم الشريعة بمساجدهم وتكاياهم وحسينياتهم بعيدا عن الميادين السياسية والتحزب لهذا الطرف أو ذاك فيشقوا وحدة الامة ويستحل البعض دم ألآخر ويعم الخراب والدمار... لا حل إلاّ بأبعاد كل هؤلاء عن مسرح القيادة بكل أشكالها كما فعلت أوربا فأنشأت لهم كيانا مستقلا يتحكموا فيه حسبما تملي عليهم خرافاتهم ويتركوا عباد الله يعيشوا كباقي البشر على وجه البسيطة.. أوربا لم تخرج الى النور ولم ترى الحداثة إلاّ بعزل رجال الدين هؤلاء في دولتهم الدينية ( الفاتيكان) وتخليص الساحات السياسية من شعاراتهم وتنظيراتهم العشوائية البعيدة عن الواقع..ليس عيبا أن يعلن السادة الدعاة سواء كانوا من الاخوان المسلمين أو حزب الدعوة أو غيرهما الذين انخرطوا في العمل السياسي وبالذات من تولوا مناصب عليا في الدولة وما عانوه من تناطح رؤوسهم المعبئة بنظريات عقائد الدين والشريعة والغيبيات وتعذر تكييفها لتوافق الحداثة وعصر المواطنة وآليات التطور الحضاري والمدنية المعاصرة وموافقة المنطق والعقل.. المطلوب اليوم من ينهض لترسيخ أركان الحكم المدني الحضاري الذي ينشده غالبية الشعب العراقي. أكاد أجزم أن الساسة الكبار أصبحت لديهم قناعة تامة بذلك ولكن تأريخهم وكبرياء أحزابهم وتهديد مصالحهم وخوفهم من هدم تراثهم وفقدانهم سلطانهم تجعلهم يكابرون بمحاولات يائسة للتوفيق بين ما أفرزته الحداثة والنظريات الدينية.. من هنا يلزم وضع حد لحقل تجابهم في عباد الله وترك شعوبهم يختاروا مصيرهم وأسلوب حياتهم بما ينسجم والحياة العصرية عصر الحداثة والتطور.. عصر المواطنة وحقوق الانسان. |