عراقيون في متاهات المستشفيات الهندية

 

كانت في قريتنا ورشة صغيرة لإصلاح التلفزيونات العاطلة وصيانة أجهزة التسجيل المعطوبة, وكنا نظن أن صاحب الورشة (حمودي ناشيونال) أمهر من الاسكتلندي (جون لوجي بيرد) في هندسة الصوت والصورة, وأكثر براعة من أديسون في عالم الدوائر الكهربائية, لكنه كان يتمتع بشخصية مزدوجة, فهو ينجز إصلاح الجهاز ويعيد إليه الحياة, ثم يصادر بعض ما بداخله من لمبات وترانزستورات غير منظورة, فنغادر ورشته فرحين مسرورين من دون أن نكتشف القطعة المسروقة من جهازنا, وتأتي المفاجأة بعد بضعة أيام لنكتشف أن الجهاز لم يعد يعمل كما ينبغي, فنعود ثانية لورشة حمودي, ونصبح فريسة له ولأمثاله. . تذكرت حكاية (حمودي ناشيونال) بعد سماعي الأخبار التي نقلتها وكالات الأنباء عن السلوك الشائن لبعض المستشفيات الهندية المتهمة بسرقة الأعضاء البشرية من المرضى الراقدين في ردهاتها أثناء خضوعهم للعمليات الجراحية. . ففي الهند مستشفيات افتضح أمرها بعد ممارستها لهذه المهنة السيئة من دون أن يشعر المريض بأعضائه المفقودة, فترحمت على (حمودي ناشيونال) ولعنت الساعة التي اضطررنا فيها لمعالجة مرضانا في صالات المستشفيات المشبوهة. . وهكذا حذفتنا الأقدار على شواطئ الهند والسند للبحث عن الشفاء الرخيص في مستشفيات بومبي ونيودلهي وبنغلور وكوتشن وكيرلا وكوتكال, بعد أن يأسنا من العلاج في مستشفياتنا لأسباب يطول شرحها, ولا طاقة لنا بسردها كلها في هذا التحقيق المختصر. . عراقيون من أبناء القرى والأرياف, ومن أبناء البوادي والأهوار, لا يجيدون التحدث باللغة الانجليزية ولا الأوردية, ولا بأي لغة أخرى إلا بلهجتهم المحلية المحدودة التداول, ولم يسبق لهم السفر جواً ولا براً ولا بحراً ولا نهراً, ولم يغادروا حدود مدنهم المنسية, ولم يتوجهوا نحو العاصمة بغداد إلا في الحالات الطارئة وللضرورات القصوى, صاروا اليوم يتسكعون على غير هدى في شوارع الأحياء الهندية الفقيرة, أو يهيمون على وجوههم في أزقة المدن الإيرانية المجاورة لنا, وبات من الطبيعي مشاهدتهم في مستشفيات الأهواز وعبادان, أو في مستشفيات الكويت وعمان وبيروت والإمارات, اما الغالبية العظمى منهم فقد اختاروا شبه القارة الهندية ليقعوا بين مخالب الاستغلال الجشع, ويصبحوا فريسة سهلة للغش والاحتيال السريري على يد عصابات خبيثة احترفت المتاجرة بأعضاء الجنس البشري, أو يقعوا في قبضة المشعوذين والسحرة والدجالين. . تتحدث الصحافة العالمية هذه الأيام عن سرقات للأعضاء البشرية في وضح النهار, وتنقل لنا الفضائيات بعض المشاهد المأساوية عن مستشفيات تسرق إحدى الكليتين أو البنكرياس أو الكبد أو المبايض أو الحجاب الحاجز. . أعضاء يفقدها المريض المسجى على طاولات العمليات الكبرى, وهو تحت التخدير العام, من دون أن يدري بما يفعله مشرط الجراح داخل جسده, والأنكى من ذلك انه يدفع تكاليف العملية التي سرقوا فيها حياته بكل ممنونية. . ربما كان العراقيون الذين شدوا الرحال إلى الهند من ضحايا السرقات الجسدية في الأوكار الهندية, فإذا كان الأطباء الهنود يفعلونها بدم بارد مع أبناء جلدتهم, فما بالك بطريقة تعاملهم مع الإنسان العراقي البسيط الغريب, الذي لا حول له ولا قوة, وهو يتعامل ببراءة مع أجشع تجار القلوب والأكباد والعيون, وأكثرهم حقارة وأقواهم شراهة في هذه التجارة الخسيسة. . نسمع هذه الأيام عن مرضى ذهبوا إلى الهند لعلاج انزلاق الفقرات ثم اكتشفوا بعد عودتهم بسنوات إنهم يعيشون بكلية واحدة, ونسمع عن فتيات ذهبن إلى الهند لإجراء عمليات التجميل ثم رجعن إلى العراق من دون مبايض. . تؤكد التقارير الدولية أن الهند هي الملاذ الآمن لأوكار مافيات التجارة الجراحية الحمراء, وفيها أوسع أسواق بيع الأعضاء البشرية, وأشهر مراكز الإخصاب لامتلاكها بويضات محسنة لأناس أصحاء سحبت منهم في الخفاء. . ختاما نناشد منظمات المجتمع المدني بتقصي الحقائق, وتوفير الحماية المطلوبة لمرضانا, والتأمين على حياتهم, وان تتوفر لهم الرعاية والعناية الكاملة في الغربة, والتي ينبغي أن تكون تحت إشراف السفارات والقنصليات العراقية ومتابعة وزارة الصحة. .