أربع سنوات عجاف والأخوان صلاح عبد الرزاق وكامل الزيدي، يجلسان على باب القلعة الحصينة – مجلس محافظة بغداد سابقا - ــ يمنحان بركاتهما لكل من يهتف بإنجازاتهما العظيمة، أدواتهما كثيرة وإغراءاتهما متعددة، تشجيع البغداديين على الزواج المبكر، إحالة المشاريع إلى أقاربهم وأصحابهم، زيادة نسبة الخراب في العاصمة، إغلاق اتحاد الأدباء.. أربعة أعوام والعصا بيد الثنائي " رزاق والزيدي، يهشان بها أهالي بغداد لكي يدخلوا حظيرة الفضيلة والأخلاق الحميدة. كل هذه السنوات ورواد النهضة البغدادية - كما يحلو للناس أن يطلقوا عليهم- ، لا يتركان مناسبة إلا ويطنطنان فيها بانه لا يمكن ان تلوث بغداد بمباهج الحياة،.. وقد كسبا تأييد الكثير من المليشيات التي ترى ان مهمتها إعادة نشر الإسلام في عاصمة " الكفار " بغداد، ونشر الفضيلة بين أقوام الجاهلية من اهالي العاصمة. ولأن الأمنيات لا تعيش طويلا، فقد نقلت الينا الانباء خبرا محزنا يقول ان ثنائي" الفضيلة " سيتركان منصبيهما بعد ان وضعا بغداد على قائمة المدن الاكثر حداثة وتطورا.. وربما نختلف أو نتفق مع السيدين الزيدي ورزاق، لكن علينا أن نؤمن بأن الرجلين كانا يتمتعان بروح الفكاهة والدعابة، إضافة إلى صفة الإصرار وعدم اليأس، والدليل على ذلك انهما ظلا يقسمان بأغلظ الأيمان أن الحل في تطوير بغداد وانتشالها من حالة البؤس والقتامة، هو في نقل التجربة العظيمة في مجال العمران والثقافة والتنمية والتعليم في اثنتين من أكبر مدن العالم تطورا وازدهارا، وأعني بهما دولة جزر القمر، وجمهورية موريتانيا، ولهذا كنت بصدد إخضاع نفسي الأمّارة بالسوء لتدريبات قاسية على استقبال أخبار غياب الزيدي وصلاح عبد الرزاق.. واستبعاد وساوس "الصفقة" التي ربما تمنحهم مناصب اخرى في اماكن جديدة يساهمان بتطويرها.. لكن للأسف كل ذلك ذهب أدراج الرياح، وحرمتني "مصادر مطلعة" من رغد العيش تحت ظلال نظرية "النوايا الطيبة" حين اعتبرت هذه المصادر أن السادة أعضاء ائتلاف دولة القانون برئاسة الحاج الزيدي سيشكلون معارضة داخل المجلس.. استنادا إلى نظرية المفكر سعد المطلبي الذي توهم ان مجلس المحافظة هو مجلس تشريعي وليس مجلسا خدميا، مهمته تقديم الخدمات لأبناء بغداد بعيدا عن التكتلات والمصالح الحزبية.. ففي تصريح مثير للضحك أكد المطلبي: " نحن في ائتلاف دولة القانون سوف نكوّن معارضة داخل حكومة بغداد". بعد ان قرأت تصريح سعد المطلبي تأكدت ان الأمر يحتاج إلى ذكاء كي نكتشف أننا ندفع ثمن انعدام الكفاءة في كل المجالات من أول عامل النظافة الذ ي لا يحسن تنظيف الشارع.. نهاية برئيس مجلس الوزراء الذي يبدو حائرا.. ماذا يفعل؟!. كثيرون ـ وأنا منهم ــ ظنوا قبل سنوات أن كوادر "دولة القانون" مؤهلون وأكفاء، خصوصا أن معظمهم يتباهى بحصوله على شهادات عليا..لكن ومنذ ان تسلموا إدارة مجالس المحافظات اتضح أنهم بلا تأهيل حقيقي، وبدلا من ان يجربوا الاستعانة بأهل الخبرة استعانوا بأهل الثقة من والأحباب والأصحاب. وأصروا على إدارة المحافظات بمنطق الرقص مع الفساد. عانينا منهم كثيرا، وتعددت صورهم وأشكالهم، يلبس بعضهم عباءة الفضيلة ليداري الرذيلة، ولكن روائح فسادهم ملأت أروقة مؤسسات الدولة. اليوم ونحن بصدد تشكيل مجالس محافظات جديدة.. لابد أن نكون صريحين ونعترف بأن معظم مجالس المحافظات لم تؤد دورها الحقيقي في خدمة مواطنيها وانشغلت بأمور لا تخص عمل الدولة، بل إن قنوات تواصل حية بين هذه المجالس والناس مفقودة أو غير موجودة أصلا.لنأخذ مثلا موضوع الخدمات، فقد رصدت ميزانيات ضخمة لمعالجة هذه المشكلة ولم يشعر المواطن بتحسن، وملفات الفساد التي تعشش في دوائر المحافظات، والقائمة تطول لمجالس محافظات أصبحت أشبه "بخيال مآته" بالنسبة للمواطن، لكنها في الوقت نفسه تحولت إلى "مقاطعة" سجلت "طابو" باسم المحافظ ورئيس مجلس المحافظة والمحسوبين عليهم. الناس تريد مجالس محافظات لديها القدرة على الابتكار، ومسؤولين منشغلين بهموم المواطن أكثر من انشغالهم بأنفسهم وبالذين يدورون حولهم، محافظين متواجدين بصفة مستمرة بين الناس، لأنهم العنوان الأقرب للحكومة، رؤساء مجالس محافظات يعرفون معنى العمل المهني و يتفهمون طبيعة المحافظة التي يعملون فيها، لا محافظين يختبئون وقت الأزمات وإن فتح الله عليهم وتحدثوا، فالحديث سيكون عن الأخلاق والفضيلة وكأنهم أوصياء على أخلاق العراقيين. ما حدث في الاربع سنوات الماضية يجعلنا ننبه إلى أن سفينة الوطن في طريقها إلى أن تغرق في بحور من الانتهازية وسرقة المال العام والكراهية والسبب محافظون ورؤساء مجالس انتهت صلاحيتهم. |