مشروع الدولة الكردية

 

 

 

 

 

 

افرز غزو العراق للكويت عن امرين هامين وهما ؛ ظهور بوادر لافول نجم دولة كانت قائمة وهي العراق وسطوع نجم دولة اخرى اخذت تشق طريقها الى الظهور ولو على استحياء وهي كردستان، الدولة الغازية بدأت تضمحل وتتآكل من جراء الحصارالاقتصادي والعقوبات الدولية عليها وتعاني من سكرات الموت وهي تنتظر من يطلق عليها رصاصة الرحمة في اي وقت وينتهي امرها، وهذا ما حصل فعلا على يد القوات الامريكية عام 2003، ومنذ ذلك الحين لم تبق على ارض الواقع دولة مستقلة قائمة بذاتها تدار من قبل العراقيين مباشرة ولا تدار "بالوكالة"كما هو حالها اليوم، واذا كان العراق قد تحرر من ربقة العنصريين البعثيين وودع فترة من اظلم فترات حياته منذ تأسيسه، فانه اليوم واقع في اسر فكر طائفي لا يقل تعاسة وقتامة عن الفكر العروبي الشوفيني، ان لم يكن اتعس واخطر، واذا كان البعث قد اعلن عن ولائه للامة العربية زورا وبهتانا لتحقيق مآرب سياسية شريرة، فان ولاء الاحزاب الطائفية الحاكمة في بغداد لايران صميمي "قلبا وقالبا"وايمانا وعقيدة، لذلك فان المراحل القادمة في حياة العراقيين ستكون الاسوء من ذي قبل ان لم يبادروا الى وقفة مسؤولة جادة بوجه الطائفيين واهدافهم السياسية الدينية المستقبلية.

 لابد ان يحددوا وجهتهم السياسية، اما ان تحكمهم مفاهيم ديمقراطية بالصورة التي تلائم وتنسجم مع مصالح مكوناتهم العرقية والطائفية المختلفة وبذلك يحفظوا وحدة البلاد من التفكك والتقسيم واما العودة ثانية الى السلطة المركزية الشديدة وممارسة القمع المنظم تحت الهيمنة الطائفية، وازاء رفض "المالكي"وتحالفه الوطني الحاكم للاقتراح الاول وانشاء الاقاليم بحسب الدستور وسعيه الحثيث نحو تأسيس دولة بوليسية، فانه بذلك قد يعلن موت العراق، وانتهائه كدولة، وازاء سعي العراق الحثيث نحو حتفه، فان دولة اخرى تتحرك في احشائه الميتة وتحاول الخروج ببطأ وتؤدة ولكن بقوة وثبات، لتعلن عن نفسها كدولة مستقلة في اي لحظة، ومنذ اجرائها لاول انتخابات تشريعية عام 1992 واختيار حكومة لادارة الاقليم بمنأى عن سلطة بغداد، استطاع الاكراد خلال هذه الفترة من اقامة دولة على ارض الواقع"دولة تحت التمرين ان صح التعبير" لها كل مقومات الدولة المعاصرة تتلقى الرعاية والاهتمام من قبل الامم المتحدة والدول الكبرى"امريكا"انسانيا ولكنها بمرور الزمن تحولت الى"امر واقع"، ولكنها مازالت لا تعترف بها كدولة مستقلة ذات سيادة، ولكي تتحول الى دولة معترف بها رسميا، عليها اولا ان تدفع بالمنظمة الدولية ومن قبلها بتلك الدول الكبرى الى هذه الخطوة، ولا يتأتى لها ذلك الا اذا رسخت القناعة لدى تلك الدول بان الحياة المشتركة بين الشعبين الكردي والعربي بشقيه السني والشيعي اصبحت مستحيلة في اطار دولة واحدة تحت اي ظروف اومسميات ومفاهيم سياسية مضللة مثل ؛ "الشراكة السياسية" و"الديمقراطية التوافقية"و"المحاصصة الطائفية والعرقية"، وقد اثبتت التجارب ان كل المحاولات السياسية المتكررة للتعايش بين القوميتين المختلفتين قد باءت بالفشل وحالت دون معالجة الازمة القائمة بينهما ولم تزد العلاقة بينهما الا سوءا وتدهورا، فلم يبق امامهما الا الانفصال بسلام، وهما اصدقاء، لا اعداء.

 ان تركيز الاكراد على جوانب التمايز والاختلاف الحضاري والديني والثقافي واللغوي والجغراقي بينهم وبين الشعب العربي في العراق كاستراتيجية ثابتة، خطوة مهمة وذات جدوى باتجاه انشاء دولتهم الموعودة، بدونها لا يمكن ان يصلوا الى شيء، فلولم تكن الخلافات الدينية والثقافية والقومية الكبيرة القائمة بين شعبي"الكوسوفو"و"جنوب السودان"وبين دولتيهما التي استحال التعايش المشترك في ظلها، لما انفصلا لحد الان وشكلا دولتيهما المستقلتين، ولظلا يتجرعان الصراعات الدموية الى ما لانهاية.. وعلى الرغم من تحقيق بعض النجاح في هذا المجال، ولكن مازالت بعض الاصوات الكردية تؤمن بالطروحات العراقية الوحدوية وتعمل لها وترى في تشكيل الدولة الكردية القادمة حلما لا يمكن تحقيقه.