التحولات التركية ..(عودة الخلافة.. النهاية)

 

تركيا (الدينية ) أصبحت, منذ تدينها الجديد , أمام خيار آخر تستخدمه كبديل لطموح الأنضمام للأتحاد الأوربي تارة , وتارة أخرى الأعتماد على مجدها الغابر وأمبراطوريتها التليدة لصيرورتها كقوة شرق أوسطية مؤثرة في المنطقة .. ذلك الخيار هو دخولها كلاعب أساسي في قضايا المنطقة والوطن العربي على وجه الخصوص , لكن يبدو أن قربها من العالم الإسلامي في ظروف صراع طائفي أصبحت طرفاً فيه (رغم الترحيب بها كداعم لطائفة ما), جعلها أمام تحدي خطير تعيشه الدولة , فبين مبادئها العلمانية (الأتاتوركية ) وبين طموح أرجاع الأمبراطورية ( العثمانية ) تناقض يكبر وسط وجود حاكم ينتمي إلى تركيبة دينية (متطرفة ) كان قد مُنع من ممارسة النشاط السياسي وأُدخل السجن بتهمة ( التحريض على الكراهية الدينية ).
أن السيطرة على قرار دول الشرق الأوسط (سيما الشرق العربي) يعني مزيداً من الأمتيازات النفطية فضلا عن الدخول القوي في المعادلة الدولية , فالدور التركي بقيً هامشياً إلى حد بعيد في المنطقة نتيجة توجه الأتراك نحو الغرب , وهذا جعلهم يضعفون شرقاً ويفقدون حلم الأنتماء غرباً .
الأنقلاب الأبيض !!
مع وصول ( العثمانيون الجُدد ) إلى دفة الحكم , تغيّرت بوصلة الإداء التركي , وقد سبقت ذلك التغيير مجموعة من الأجراءات , أبرزها تبدل قواعد العمل السياسي لتلك المجموعة التي طالما حُظر نشاطها رغم تبدّل أسماء تلك الأحزاب (من الرفاه إلى الفضيلة وغيرها ) والتي كانت بقيادة نجم الدين أربكان , أسس (أردوغان ) حزب العدالة والتنمية محاولاً إضفاء صبغة علمانية على الحزب كي لا يربط ب (أربكان المحظور ) وتعهد بالحفاظ على مبادئ العلمانية التركية .. كانت الخطوة الأولى في سلم الصعود ..ورغم فوز حزبه في أنتخابات 2001 , بيد أنه واجه مشكلات في تولي رئاسة الحكومة تعود إلى تبعات سجنه (بسبب تهمة التحريض على الكراهية الدينية ) , وفي عام 2003 تولى الحكم بصورة مباشرة بعد أسقاط التهمة عنه .. أكتلمت الخطوة الأولى المهمة في طريق (حلم الأمبراطورية الحداثوية ) ,وقد (بشّر) بها داوود أوغلو وزير خارجية تركيا عام 2004 بعبارته الشهيرة (نعم أننا العثمانيون الجدد , ونجد أنفسنا ملزمون بالأهتمام ببلدان المنطقة )!! لم تبقى سوى معضلة وحيدة وأساسية تقف بوجه ذلك الطموح والمشروع , وهي الدستور .. تغلب عليها الحزب , بتعديل دستوري وافق عليه نحو 58% من الشعب التركي في أيلول (سبتمبر ) 2010 , ويحد ذلك التعديل من سلطة ونفوذ المؤسسة العسكرية والقضائية بأعتبارهما (حامية ) النظام العلماني , عُد ذلك اليوم أنتصار للديمقراطية التركية حسب (أردوغان وحزبه ) , لكن على ما يبدو أنه عملية ألتفاف أو أستنساخ للتجربة العثمانية وبمقاسات القرن الثالث عشر (تأسيس الدولة العثمانية ) لتلبسها ثوب الحداثة والعصرنة وبوسائل شتى .. ولعل قول داوود أوغلو السابق يؤكد هذا الرأي , فضلاً عن الأحداث والمقاربات التي جرت منذ ذلك التاريخ المؤيدة بما لا يقبل الشك حقيقة تلك التحولات .
الموقف من إسرائيل !!
لم تقدم تركيا (الإسلامية ) على خطوة واحدة من شأنها أن تؤثر على علاقتها التاريخية مع إسرائيل , والتي تعود إلى عام 1949 عند أعترافها بإسرائيل وتعاونها العسكري والأقتصادي معها .. موقف خجول قامت به الحكومة التركية عام 2009 أثناء حرب غزة لا يتعدى التصريح والأستنكار وبمداراة واضحة, وأنتهى الخلاف بمكالمة هاتفية بين بنيامين نتنياهو وأوردغان في مارس 2013 , وليس من المصادفة أن يكون ذلك التاريخ حيث ذروة الأحداث السورية , بل هناك توافق بين الطرفين في الهدف وطبيعة الحل التي يرغبان بها لتلك الأزمة !
أن الحكومة التركية (العثمانية) والتي من المفترض أن ترعى شؤون (حسب الأدعاء ) وقضايا العالم الإسلامي سيما القضية الأهم في التاريخ المعاصر (فلسطين وجدلية العلاقة مع إسرائل ) , لم تلتزم بذلك الموقف الذي يعبّر عن هويتها الإسلامية .. ولعل دخول تركيا كلاعب جديد في الشرق الأوسط أضر القضية الفلسطينية , حيث دخول قوة جديدة متحالفة مع الصهاينة في المنطقة يقلص من نفوذ الأطراف الأخرى .
تركيا ودول الجوار
تطور خطير في مبادئ تركيا (الكمالية ) التي طالما نأت بنفسها عن التدخل في شؤون دول المنطقة . أن (الربيع العربي ) جاء بمثابة الفرصة التاريخية لذلك التوجه , فصعود الأخوان في مصر وليبيا أضافة إلى التوجهات المتشددة والمنبثقة من الأخوان في سوريا جعلت تركيا (العثمانية ) تستثمر الفرصة , جديرٌ ذكره أن رئيس الحكومة التركية كان له تدخل سلبي في الأزمة العراقية حيث نصّب نفسه حامياً لطائفة معينة تبعتها خطوة تصعيدية أخرى عندما أنتهكت السيادة العراقية بزيارة وزيرة الخارجية (داوود أوغلو ) لمحافظة كركوك .
الأزمة السورية جاءت كفرصة تاريخية حرص (أوردغان ) على أستثمارها , ويبدو أن الأتراك أستسهلوا العملية , فبعد سقوط أربعة من الأنظمة العربية التي لها حظور فاعل في المنطقة ً , أغرت تلك الأحداث المتسارعة الحكومة التركية بالدخول كممثل حريص على القوى والفصائل السلفية السورية أضافة لكون النظام السوري يعاني من عزلة دولية مفروضة وموقف عربي (خليجي ) عدائي لذلك النظام .. دخلت تركيا في الأحداث السورية بكل ثقلها وقدمت كل سبل الدعم للمعارضة المسلحة , الأمر الذي أعطى بعداً جديداً للأتراك , وأصبح القوة التركية متاحة لخدمة الفصائل السلفية المسلحة . هذا الموقف له تبعات كبيرة لا يمكن أن تخفى على الجانب التركي سيما أن النظام السوري يحظى بدعم قوة إسلامية كبرى لا يستهان بها ألا وهي أيران , ولكن يبدو أنهم دخلوا بعنوان عريض وهو ( عودة الهيمنة العثمانية ) بغض النظر عن العواقب التي قد تهيأوا لها وبدفع من بعض الدول العربية الراغبة بتقليص النفوذ الأيراني وتحديداً في موضوعة المقاومة والموقف من إسرائيل , فضلا عن كون وجودها ضمن محور (طائفي –تكفيري ) يعتبر أمراً مرفوضاً خارجياً وداخلياً ومخالفاً لأصول العمل الديمقراطي ناهيك عن المبادئ العلمانية التي تعهدت الحكومة بالألتزام بها .. الخيار لم يكن صائباً ويبدو أنهم أخفقوا في التقديرات , فسوريا لم تسقط بتلك السهولة التي أرادها الأتراك , الأحداث تتجه صوب الحل والحوار , والعديد من المؤشرات تدل على أنفراج كبير في تلك الأزمة , وتركيا لم تعود بخفيَ حنين , إنما عادت ب(جمرة ) من النار السورية ألقتها في ميدانها الكبير .

شيخوخة مبكرة !!
أنتصارات الجيش السوري في معركة القصير وجهت ضربة في صميم المشروع التركي , ففي أول خطوة عملية ودخول مباشر تخسر تركيا ..الخسارة لم تكن رهان فُقد أو مشروعٌ فشل , إنما أنهت السبات العميق التي تغط به القوى العلمانية المعارضة للتوجهات العثمانية . ليس لأقتلاع شجرة في الميدان دوراً جوهرياً في تلك الأحداث , فهذا أمر يسير يمكن علاجه ببيان أو تراجع .. ما الشجرة إلا سبب مباشر ولعلها (حادثة مروحة ) جديدة تتسبب بسقوط رجل شاخ بوقتٍ مبكر !
ميدان تقسيم تعبير صريح عن تراجع مظاهر الديمقراطية التي طالما تعهد (أردوغان ) بصيانتها , تهديداته المتكررة للمتظاهرين يعكس طبيعة التفكير المتخذ من الديمقراطية وسيلة وصول لا أكثر , تحولت (تقسيم ) إلى موقع جذب لكل الحركات والأحزاب التركية المتوجسة خيفة من ذلك التوجه (العثماني ) والتدخل في شؤون دول الجوار , بينما يعيش الأتراك في بطالة كبيرة وفقر كان من المؤمل معالجته بالأنضمام للأتحاد الأوربي . منظمات حقوق الأنسان والقوى الدولية الكبرى تعلن قلقها أزاء ما يحدث من أنتهاكات هناك , أي أننا أمام عامل جديد معرقل لأي مفاوضات جديدة مع الأتحاد الأوربي !
أن عمليات الأستنساخ أثبتت فشلها , فكيف بأستنساخ تجارب الماضي !! وإذا كان ذلك الرجل العجوز لم يهرم ويمرض إلا بعد ستة قرون , فأن جيناته المستنسخة هرمت وشاخت بعد أقل من عقد واحد .