الرجل الألماني

 

اعظم عمل يقدمه الانسان في حياته هو عندما يقدم على انشاء اسرة فيسعى الى تثبيتها عن طريق تكوين ابناء يكونون نواة لمجتمع رصين. للتربية الاسرية الدور الكبير في تنشئة الابناء التنشئة الصحيحة والقويمة ولكن احيانا يكون للقدر الدور الاكبر في تحديد شخصية الابناء من خلال الاختلاط المتنوع بافراد قد يأثرون عليه سلبا أو أيجاباً. على الرغم من الاختلاط الكبير بالنسبة لجنس الذكور في المجتمع لكن يظل دور الاسرة له حصانة عظيمة امام مايصادفه من مغريات عديدة. طيلة العشر سنوات في بلاد الغربة وانا في كل ليلة لااطلب من الله الا ان يحفظ ابنائي وابناء جميع الخلق من ملوثات هذا الزمن الغريب. في ليالي الشتاء, والربيع , والصيف ,والخريف , اناجي ربي ان افلح في تقويم اخلاقهم كي لايكون النفاق ديدنهم , والتملق طريقهم, او الرياء من صفاتهم, بحقٍ كنت اخشى هذا الامر. اتعب من الحديث معهم في امور كثيرة لكن النقاش في جميع المجالات لاينقطع فيما بيننا,احياناً يكونون اقوى مني في حججهم واحيانا الجمهم انا بحججي في قضايا معينة. ولدي الذي دائما ماينصحني الا اكون مثالية بتلك الدرجة التي تظهر على كتاباتي وكأنني احدى بطلات جمهورية افلاطون, لم استطع اقناعه بأني سأكون كذلك لو تطلب امر ما لهذا الشيء اليوم يبدو أنه اكثر مني مثالية, حيث حكي لي عن الرجل الالماني الذي تعرف عليه من خلال عمله,انه رجل مسنٌ في العقد الثامن من عمره, كان لايؤمن بوجود رب السماوات والأرض,أحب في صباه فتاة وأنشأ معها علاقة توجت بالزواج وكتب لهما ان يعيشا , سوية لمدة( عشرين عاماً ) يستمر في الحديث عن زوجته التي اعتبرها ربه الذي خلقه (كما يقول الرجل نفسه)فهو صريح وشجاع فهو لايغلف شخصيته ذاك الكبرياء الذي يغلف شخصية الرجل الشرقي , حينما لايعترف بحبه لأقرب الناس اليه ولكن حينما يخلو الى نفسه فانه لايمانع من البكاء على اتفه الامور . لهذا فالالماني يعترف انه كان يعبد زوجته تلك . يقول فمن الطبيعي انه عندما توفيت يئس من الحياة بكل مافيها وزهد في الدنيا ولم يكن لديه اية اهتمامات , واستمر على تلك الحال لمايقارب عشرين عام وهو يعيش على ذكراها الجميلة فقط يقول في احدى الليالي رأيتها في منامي وهي تلومني وتعاتبتي على الحال التي اصبحت فيها , فطلبت أليه أن يبدأ حياته من جديد .قالت له هل يعقل أنك تترك كل مافي الحياة من قضايا عظيمة لتعيش على ذكرايَ فقط؟ يجب عليك ان تقوم بأي عمل يخدم الآخرين . يستمر في سرد حلمه , يقول في صباح تلك الليلة التي حلمت بها بزوجتي قررت أن أمتثل بما أوصتني أياه , فذهبت لشراء سيارة كبيرة كي اتجول بها على الصيدليات حتى أشتري الادوية بسعر منخفض , واشتري الشكولاته فتمتليء سيارتي تلك ومن ثم ابدأ برحلتي الى تونس لأوزع الادوية على المحتاجين واقوم باعطاء الحلوى للاطفال التونسيين بعد اندلاع أول شرارة عربية فيها ضد الطغاة والظالمين . ياتُرى كم رجل يدعي ايمانه بالله وهو بعيد كل البعد عن كل ماأمر الله ربنا به من مساعدة للفقراء والمساكين والمحتاجين؟ كم من رجال دين يدعون الزهد لكنهم لايؤدون واجبهم كبشر صالحين تجاه الآخرين؟ حين أكمل ولدي حديثه, قال بحزن عميق, أين أنا من هذا الرجل؟ وقررَّ من تلك اللحظة , أن يفكر بالآخرين وأخص بهم الفقراء من أبناء جلدتنا الذين يملأون الكون بمآسيهم وأحزانهم وعوزهم. شكرت الله ألف مرة , فلقد هدى ولدي على أول خطوة في طريق الخير والحب والعطاء.