يحدث في دولة الفافون

 

يحدث هذا في كل دول العالم الديمقراطية، لكنه لا يحدث عندنا، وهذا ما يؤكد مزاعمنا باننا لم نزل على مسافة سنين ضوئية من الديمقراطية ونظامها برغم البستات والمواويل والمقامات التي يتغنى بها حكامنا على مدار الساعة عن الآليات الديمقراطية والمبادئ الديمقراطية والمثل الديمقراطية والممارسات الديمقراطية التي يؤمنون بها ويلتزمونها.
في الدول الديمقراطية لا يتردد المسؤول الحكومي عن الاعتراف بخطئه وتحمل المسؤولية عنه، ومن أشكال هذا التحمل الاستقالة من الوظيفة العامة.
قبل خمس سنوات (أيار 2008) –على سبيل المثال– استقال وزير الخارجية الكندي مكسيم بيرنيير من منصبه. لماذا؟ لأنه اكتشف انه قد نسي في بيت صديقته المقربة "فايل" فيه أوراق رسمية لها طابع سري.
لم تُسرّب الصديقة أي معلومة مما احتوته الوثائق المحفوظة في الفايل، وربما هي لم تقرأ ما في تلك الوثائق، ومع ذلك استقال الوزير متحملاً المسؤولية عن إهماله.
بعد ذلك التاريخ بأقل من سنة (نيسان 2009) حدث شيء مماثل في بريطانيا، والمستقيل هذه المرة موظف حكومي بدرجة أقل من درجة الوزير. انه ضابط في جهاز مكافحة الارهاب. وسبب استقالة الضابط بوب كويك انه كان ذاهباً الى مقر الحكومة في داونينغ ستريت في لندن للمشاركة في اجتماع مكرس لاستعراض الوضع الأمني في البلاد. احد الملفات التي حملها كان مفتوحاً، واصطادت كاميرات المصورين الصحفيين المشهد، وبدا واضحاً ان الورقة المفتوحة في رأس الملف تضمنت الآتي: "ملاحظة موجزة: عملية باثواي"، وتحت هذا العنوان اشارة الى وجود خطة لاعتقال 11 شخصاً مشتبهاً في علاقتهم بتنظيم القاعدة في 7 عناوين داخل المملكة المتحدة.
لم تكن فضيحة مجلجلة، فالخطأ فيها، كما في المثال السابق، غير مقصود وناجم عن الاهمال. ومع ذلك كان لدى الضابط البريطاني القدر الكافي من الشجاعة ومن الشرف لكي يستقيل في الحال متحملاً المسؤولية عن اهماله.
هنا في بلادنا، العراق، يحصل شيء مشابه ولكن بنهاية مناقضة كل التناقض لنهاية حكاية الوزير الكندي والضابط البريطاني. وزير دفاعنا بالوكالة سعدون الدليمي يحضر اجتماع المصالحة أو المجاملة بين رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب في دار السيد عمار الحكيم. الوزير ينسى على الطاولة دفتر ملاحظاته الشخصية وينصرف مع المنصرفين. مصوران صحفيان يتأخر انصرافهما فيلاحظان الدفتر، يرفعان ويكتشفان انه عائد للسيد الدليمي الذي هو وزير الثقافة بالأصالة فيسلمان الدفتر الى مدير اعلام وزارة الثقافة. هذا المدير يتأخر في اعلام الوزير بالعثور على دفتره المنسي. الوزير يدرك متأخراً انه نسي دفتره (يعني أهمل) ويطلب التفتيش عنه. كاميرات المراقبة المتواصلة التي لا تريد حكومتنا استعمالها في الشوارع لمكافحة الارهاب، تكشف عن ان المصورين النجيبين هما من عثر على الدفتر. الوزير يصدر أوامره باعتقال المصورين ومعاقبتهما. مساعدوه في وزارة الدفاع يحتالون على المصورين النجيبين. لم يسألوهما عن الدفتر وإنما زعموا لهما انهما مطلوبان في الوزارة للتكريم أو لأمر هام. ولاحقاً، بعد زجهما في المعتقل، يدرك المصوران النجيبان أن قضيتهما تتعلق بدفتر الوزير المهمل. لم ينفع مع مساعدي الوزير تأكيد المصورين النجيبين انهما سلما الدفتر إلى مدير الإعلام في وزارة الوزير الأصلية.
وزيرنا المهمل بدل أن يتحمل المسؤولية عن إهماله ويستقيل، كما فعل الوزير الكندي والضابط البريطاني، يعاقب المصورين النجيبين محمد فؤاد توفيق وأفضل جمعة.
أية مفارقة!.. ليست مفارقة، فنحن في دولة الفافون؟