حمار مخيلف

 

قبل شيوع استخدام السيارات من قبل أبناء الريف ، وصعوبة امتلاك الخيول لارتفاع أسعارها كانت الحمير الوسيلة المفضلة لتنقل الفلاحين بين القرى ، والذهاب إلى "الولاية" ومخيلف نجل احد الأشخاص المتنفذين في احدى قرى الجنوب ، وضع حماره تحت تصرف الراغبين في استخدامه، ولكن بثمن ليس ثابتا في كل الأحوال، بل يخضع لمزاج وشروط " الملاك " وغالبا ما تكون جائرة ، وعلى الرغم من شعور الجميع ، بان مخيلف يمارس سياسة الابتزاز واستغلال الحاجة لخدمات الحمار لتحقيق مكاسب شخصية ، لم يبدر منهم اي اعتراض او رفض مفضلين الإذعان ،والرضوخ تجنبا للمشاكل وأثارة غضب وزعل أبي مخيلف.
بمرور الأيام ، رفع مخيلف سقف مطالبه ، واجبر مستخدمي حماره على تلبية رغبته في الحصول على سجائر أجنبية ، ودشاديش وملابس داخلية ويشامغ ، وهذا التحول في رفع سقف المطالب ، حفز الأخرين على الاعتراض ، وبعد مشاورات ومداولات ، لبلورة موقف موحد للحد من استغلال مخيلف لظروفهم ، وتحميلهم أعباء ثقيلة ، قرروا التوجه الى أبيه لعرض حالهم ، عسى ان يتخذ قرارا جريئا لصالحهم ، وبعد انتظار ، ابلغوا بان صاحب الحمار يمتلك كامل الحرية في فرض الشروط والمطالب ، ومن لا يعجبه الأمر عليه ان يبحث عن وسائل أخرى للوصول الى الولاية سيرا على الأقدام ، لإنجاز معاملة الحصول على دفتر النفوس او تسجيل المواليد الجدد ،او الوصول الى محطة القطار والسفر الى بغداد و البصرة . 
أهالي القرية بعد ان عجزوا عن إقناع صاحب القرار بإنصافهم ، قرروا اعتماد اسلوب آخر ينقذهم من الابتزاز ، فقال احد الشباب ان الإمر يتطلب تضافر الجهود ، وتكاتف الجميع لتنفيذ خطة سرية تامة للقضاء على الحمار بغارة ليلية ، وفي اليوم التالي يتم الإعلان رسميا عن نفوق حمار مخيلف ، وحينذاك يقدم أهالي القرية التعازي والمواساة وإبراز مظاهر الحزن تعبيرا عن أسفهم الشديد ، وتم الاتفاق على اختيار عدد من الشباب لتنفيذ الخطة .
قبل حلول ساعة الصفر حدث ما لم يكن في الحسبان ، فشن رجال أبي مخيلف حملة مداهمة وتفتيش وجرى اعتقال العديد من الشباب بتهمة التخطيط لقتل الحمار ، وتبين في ما بعد ان مخبراً سرياً قام بإخبار صاحب الحمار بالخطة ، فقام برد الفعل المناسب ، قبل الشروع بتنفيذها، وامضى رجال القرية ليلتهم بانتظار الصباح ليتعرفوا على الخطوات اللاحقة في التعاطي مع هذه المشكلة ،وفي الصباح اخذ كل شخص حقه من العقوبة ، فيما ظل المخبر السري مجهولا حتى الوقت الحاضر على الرغم من مرور عشرات السنين على تلك الحادثة. 
تلك القرية تخلصت من أزمة حمار مخيلف بعد دخول "العنجة" وهي سيارة ، بدنها مصنوع من الخشب تولت مهمة النقل وبأسعار قليلة جداً ووفرت المتعة لمن لم يسعفه الحظ في ركوب سيارة سابقا ، وحظيت "العنجة" بالتقدير والاحترام لانها وفرت فرصة حسم أزمة مستعصية ، وقصة حمار مخيلف تصلح ان تكون علاجاً للأزمات في الوقت الحاضر بتوفير "العنجة" لتلبية مطالب الجماهير .