من قواعد العمل الصحفي، والإعلامي عموماً، أنك إذا نشرت خبراً تعيّن عليك متابعة تطوراته حتى النهاية. والمنطق في هذا أنك ما دمت قد استثرت فضول جمهورك بشأن موضوع الخبر فمن اللازم إشباع هذا الفضول، وإلا تحوّل إلى غير صحيفتك أو إذاعتك أو تلفزيونك ليشبع فضوله. الشهر الماضي نشرت بعض صحفنا المحلية، ومنها "المدى"، خبراً عن مشاركة فنانين عراقيين في بينالي فينيسيا، وهو أهم معرض عالمي للفنون التشكيلية، وتتواصل إقامته كل سنتين منذ أكثر من مئة سنة. لكن ما الذي حدث بعد ذلك؟ من شارك؟ كيف كانت المشاركة؟ من رتّب المشاركة؟ كيف كانت الأصداء؟ .. لا شيء عن هذا في صحافتنا، بما فيها صحيفتنا "المدى" للأسف، كما لو أن الخبر الذي نشر من قبل كان للمجاملة فقط أو لحشو الفراغ. المشاركة العراقية كانت مميزة في الواقع، والدليل إن صحيفتين بريطانيتين مرموقتين وعريقتين، هما "ذي غارديان" و"ذا أوبزرفر" اهتمتا بالجناح العراقي وكتبتا عنه ونشرتا صوراً لبعض معروضاته، مع التنويه بشكل خاص بأعمال فنان الكاريكاتير عبد الرحيم ياسر والمصور الفوتوغرافي جمال بنجويني اللذين شاركهما تسعة آخرون من زملائهم الفنانين التشكيليين، منهم ياسين وامي وعقيل خريف وباسم شاكر وهاشم تايه والسينمائية فرات الجميل، ولا بد أنّ صحفاً بريطانية وأميركية قد كتبت عن المشاركة العراقية التي لم يكن لها أي صدى يذكر في صحافتنا ووسائل إعلامنا الأخرى. ولأعترف لكم بأنه حتى صحيفتي "المدى" لم تشذ عن قاعدة عدم الاهتمام، فبالرغم من إنني أرسلت من هنا، من لندن حيث أمضي إجازتي، إلى الزملاء في بغداد ما نشرته الصحيفتان البريطانيتان مع اقتراح بترجمته وإعادة نشره، لم يلق الاقتراح الاستجابة من الزملاء في بغداد! بالطبع أفهم ان هذا جزء من اللامبالاة العامة حيال الثقافة الحقيقية. هذه اللامبالاة يكرسها واقع أن دولتنا لا تأبه بالثقافة الجادة، إن لم نقل أنها تحتقرها، ومن الشواهد على هذا أن مشاركة 11 فناناً عراقياً في بينالي فينيسيا لم تتولاها وزارة الثقافة، وإنما بادرت إليها "مؤسسة رؤيا للفن المعاصر" التي تديرها تمارا أحمد الجلبي (ابنة السياسي المعروف وعضو مجلس النواب) بالتعاون مع "غاليري آيكون" في مدينة برمنغهام البريطانية بإدارة جونثان واتكنز. بماذا يمكن أن نواسي عبد الرحيم ياسر وجمال بنجويني وزملاءهم التسعة وتمارا الجلبي الذين قدموا إلى العالم الصورة المهملة والمنسية لشعب العراق في خضم الصراع المتوحش بين سياسييه على السلطة والنفوذ والمال؟ وبأية كلمات يمكن أن نجبر خواطرهم؟ لا كرامة لنبيّ في وطنه أو بين قومه.
|