كلمة قالها الزعيم الكوردستاني مصطفى البارزاني قائد ثورة كوردستان المعاصرة في خضم تجلياته السامية وهو يصف الحياة وقيمها العليا بعيدا عن المال والمقتنيات غير القيمية، مخاطبا رجال أركانه وقيادات حركته إبان الثورة بأن من يريد أن يصنع شرفا كبيرا له لا يفكر بأن المال وكثرته سينسج له تلك القيمة العليا أو سمعة راقية لدى الأهالي، بل إن العمل الدؤوب في خدمتهم وخدمة الأهداف السامية للحركة في التحرر والانعتاق.
المال لا يصنع الشرف كلمات اختصرت في معانيها الكثير الكثير مما شاهدناه وشهدناه في حياتنا، فلقد أدركنا أناس كثيرون حصلوا على أموال طائلة لكنهم لم يضيفوا إلى رصيدهم الاجتماعي إلا تقهقرا يجعلهم بأموالهم المتراكمة موضع ازدراء وانتقاص، ولعلنا نتذكر أو نعرف أشخاصا في بيئة كل واحد منا وكم أضافت له أمواله سمعة أو شرفا، بينما هناك أناس آخرون لا يملكون من المال إلا الشحيح صنعوا بتاريخهم وعلمهم ونضالهم وطهارة أرواحهم ونفوسهم وأياديهم شرفا ما بعده شرف، لا تطاله الملايين والمليارات من الأموال، وكم من شخص أو مجموعة ملكوا من الأموال من يؤهلهم لصناعة وبناء كبريات المصانع والمباني لكنهم عجزوا عن الاستحواذ أو الحصول على قدر بسيط من الاحترام الاجتماعي أو الوزن الأخلاقي.
صحيح في غفلة من الزمن وحالات من الفقر والعوز والحاجة وفي أجواء الفساد المالي والإداري يستغل بعض أولئك المصابين بشرف المال المتهرئ كي يلعبوا دورا معينا أو يظهروا أنفسهم كقوى مؤثرة في سياقات المجتمع، إلا إن الحقيقة غير ذلك تماما وسرعان ما يختفون من الساحة حينما تظهر تلك القوى التي تحدث عنا مصطفى البرزاني وهي القوى الوحيدة القادرة على صناعة الشرف الرفيع بنزاهتها وحرصها وإخلاصها للمصالح العليا للأهالي والبلاد.
بهذه الأخلاقيات نجح البارزاني مصطفى في إرساء قواعد وتقاليد للعمل الوطني والإنساني بعيدا عن ملوثات الطبيعة البشرية النقية، ومنذ السنوات الأولى للثورة الكوردية التي انطلقت في ايلول 1961م كان يعمل من أجل وضع أسس أخلاقية في التعامل بين الثورة والأهالي وبين الثوار فيما بينهم أو مع سكان القرى والبلدات التي يحررها الثوار، وحتى مع مجاميع الأسرى من الجنود والضباط الذين كانوا يستسلمون أو يقعون في الأسر، فقد كان يوصي بهم دائما ويؤكد بأنهم مغلوبين على أمرهم وليسوا أعداء ويطلب من بيشمركته الاعتناء بهم واحترامهم حتى يعودوا إلى ذويهم.
بهذه الأخلاقيات وهذا النهج نجحت القوى الفاعلة في كوردستان رغم كل التحديات وملفات الفساد هنا وهناك في صنع الشرف القيمي الرفيع خارج مفاهيمه المتعارفة شرقيا، فكانت كوردستان المحروقة بالكامل نهاية ثمانينات القرن الماضي تنهض خلال عقدين من الزمان مختصرة حقب من التردي والإلغاء لكي تكون بهذا الشكل الذي يفتخر به كل العراقيين بحيث أصبحت جزيرة للأمن والسلام والازدهار والنهوض في بحر متلاطم من الإرهاب والتخلف.
حقا إن مليارات من الأموال لا تصنع شرفا أيها الحكيم الخالد! |