الماء يجري والحياة تتغير , ولا يمكن لأحدنا أن يعْبر النهر مرتين , لكننا نستطيع عبور المستنقع أكثر من مرة , فكل ما فيه راكد ومترع بالمتعفنات. والخوض في المستنقع يتسبب في الأمراض الوبائية , والسباحة في النهر يمنحنا القوة والصحة , ويجدد ما فينا من طاقات الحياة , وإرادات التواصل والجريان. وفي واقع ما يدور عندنا من نواعير المآسي والويلات , أن الثقافة الإجتماعية الموروثة والمتحققة فوق أرض الحاضر , إنما هي ثقافة مستنقعة آسنة متعفنة في قوارير القرورن , ولا تمتلك الجرأة والقوة والقدرة , والرؤية والتعبير على الخروج منها , والتحرر من عفونتها وأمراضها وأقياحها , ومضاعفاتها النفسية والسلوكية والفكرية. بل أننا أصبحنا متحللين , أو متفسخين فيها , وكأننا لا نمتلك نبض الحياة , ولا تجري في عروقنا دفقاتها وحرارتها ومعانيها. وهذا التفسخ الثقافي , أوجد صيرورات معادية للبقاء والتفاعل مع أنوار العصر الوثاب , مما دفع إلى الإنعزال والإنكفاء في صناديق التلاحي بالصغائر , والتداعيات الناجمة عن عفونة فكرة وأخرى تزكم أنوف الحاضرين , وتتسبب في عمى البصيرة , بما تولده من إنفعالات وعواطف مسعورة , تشل العقل بسمومها الفتاكة , وتقضي على إرادة الحياة والإنسان. فالواقع المأساوي المتحقق في عالمنا الظالم المتظلم المنكوب بذاته وموضوعه , إنما هو من إنتاج الإستنقاع الثقافي , وما ينجم عنه من تداعيات , مرهونة بشدة ودرجة العفونة المنبعثة من قاع المستنقع , الذي توحلنا فيه , وانطمرنا حتى سمة رؤوسنا بأطيانه النتنة. فهل من قدرة على التحرر من آفات المستنقع , واستدعاء ماء الحياة الجاري , للدخول إليه وتطهيره من العظايا والخطايا والآثام , والأقياح والشرور والأحقاد والتنابز بالآلام. فهل سنستلطف العيش في مستنقع الخسران , وننكر أنهار الحياة وثورة الإنسان؟!!
|