رسام الكاريكاتير عبد الرحيم ياسر، حقق انجازا عندما تم اختياره ضمن ابرز عشرة فنانين تشكيليين شاركوا في معرض فينسيا الدولي (بينالي) الذي اقيم في مدينة البندقية الايطالية، وياسر المعروف عنه بانه يعمل بصمت، وخارج الضجة السائدة، جعل التشكيل العراقي في مرتبة متقدمة عالميا، وهذا الحدث لم يأخذ مكانه في وسائل الإعلام المحلية، لانها وكعادتها مشغولة دوما في بث تصريحات السياسيين، واتهاماتهم المتبادلة، وبفضلهم احتل العراق مراتب متقدمة في قائمة الدول الاكثر فسادا في العالم. الفنان ياسر بدأ نشاطه الفني مطلع عقد السبعينات من القرن الماضي، وبجهوده مع اخرين من ابناء جيله، الراحل مؤيد نعمة ، ورائد نوري، وخضير الحميري، وعبد الكريم السعدون، وعلي المندلاوي والذين كانوا امتدادا لاساتذة فن الكاريكاتير بدءا من الراحل غازي ومرورا بالفنانين بسام فرج وفيصل لعيبي، فنان حرر الكاريكاتير العراقي من النمط القديم المتأثر بالمدرسة المصرية، وحينما عرض هذا الجيل اعماله في معرض اقيم في القاهرة، علق عليه ابرز رسامي الكاريكاتير المصريين بقوله " هذا الكاريكاتير معداش على مصر" يعني ان ما حققه ياسر وزملاؤه لم يتأثر بالكاريكاتير المصري. لم يقتصر نشاط عبد الرحيم ياسر على رسم الكاريكاتير، فهو متخصص بالرسم للاطفال ، وليس من المألوف ان يجمع فنان هذين النوعين من الرسم ، لكن اجتهاده كسر هذه القاعدة، فهو في الكاريكاتير يجسد الكوميديا السوداء، وله أسلوبه في طرح الفكرة بطريقة هو الوحيد يعرف اسرارها ليمررها من دون اعتراض الرقيب، وفي أعماله الموجهة للأطفال، يغوص في عالم الطفولة باحثا عن الفرح والبهجة والفرح ليمنحها للصغار بألوانه. أصدقاء وزملاء الرسام قدموا له التهاني لما حققه من انجاز كبير لوطنه، ومن المؤسف أن يمر الحدث من دون ان يلتفت له اصحاب الشأن من خارج الوسط الفني، وياسر المعروف بأنه بعيد عن الأضواء لا يفضل الحديث عن نفسه، وغالبا ما يترك جمهوره في حيرة أثناء حل الغاز تخطيطاته، مترقبا ردود الفعل المرتسمة على ملامح الوجوه، ولهذا السبب وصفت تخطيطاته الكاريكاتيرية بأنها أشبه برشق حجارة على رؤوس مفسدي الحياة وصناع القبح والبشاعة. معظم دول العالم المتحضرة تحتفي بمبدعيها بوصفهم رموزا جديرة بكل التقدير والاحترام، وتمنحهم الدعم المادي والمعنوي لمواصلة عملهم، من اجل توفير بيئة سليمة قادرة على احتضان المواهب وتنميتها، وبهذه الخطوات تزدهر الثقافة، وتصبح هوية وعنوان وجود مجتمع متحضر متمدن. من سوء حظ البلد ان يتجاهل رموزه الثقافية، ومن سوء حظ الادباء والفنانين ان يعيشوا في زمن تحريم الموسيقى، وعبد الرحيم ياسر تجاوز السائد والمالوف ، واستطاع ان يحقق منجزا خارج بلده، واكتفى بتهنئة الاصدقاء والزملاء ، لانه لا ينتظر من احد ان يمنحه " التكريم " والاشادة من شخص لطالما رشقه بحجارة تخطيطاته الكاريكاتيرية ، ليطهرالحياة من كل مظاهر السوء والقبح والبشاعة. |