ولد العباس (ع) من أجل إظهار معنى الأخوة والوفاء... بقلم: خضير العواد

 

 

 

 

 

 

لقد ولد أبا الفضل في الرابع من شعبان عام 26 هجري ، وفرح والديه علي بن ابي طالب (ع) وامه فاطمة الكلابية (أم البنين) (ع) بهذا المولود ، وأستلمه والده فأذن بأذنه اليمنى وأقام باليسرى وبعدها أخذ ينظر الى كفي الوليد ويتفحصها تارةً وأخرى يقبلها والأم أخذها التعجب ، ما الأمر أفي يديّ أبني شئ ؟؟ ولكن أتى الجواب مسرعاً من داحي باب خيبر وقاتل أبن ود ومرحب وباب مدينة العلم لا ولكن سوف تدافع عن سيد شباب أهل الجنة وتذب عن حريم الرسالة و تقطع في يوم كربلاء وهي تحمل الماء لعطاشى ولدي الحسين (ع) ، أي من اليوم الأول عُرف بوفاءه وإباءه وشجاعته وأستبساله فداءاً للأسلام المحمدي ، فقد أخبر أمير المؤمنين ونفس رسول الله (ص) بشجاعته وشهادته من اليوم الأول كما أخبر رسول الله (ص) بشهادة أبي عبد الله (ع) .                                                                        لقد تولى أمير المؤمنين (ع)  رعاية العباس (ع)  فأدبه بأداب رسول الله (ص) الذي قال فيه العزيز الكريم ( وإنك لعلى خلق عظيم) وزرع فيه كل الأخلاق العظيمة والمبادئ الأسلامية الشريفة والشجاعة الهاشمية المعروفة فأصبح العباس (ع) يشع الفضائل والخصال الحميدة ولا يمكن لأي أنسان أن يميز فيه فضيلة على أخر وهو في جميعها قد وصل الى القمم الشاهقة حتى قال فيه الشاعر :                                                        أبا الفضل يامن أسس الفضل والإبا           أبا الفضل إلا أن تكون له أبا          عاش مع والده أمير المؤمنين (ع) حوالي 14 سنة وهو قد جهزه وهيئه الى مهمته الموعودة حيث جربه في معركة صفين وهو لم يتجاوز أحد عشر سنة وقد أبلى بلاءاً حسنا ، حتى الأعداء لم يميزوا بينه وبين أمير المؤمنين (ع) لشدته وشجاعته ، علماً لم يترك أمير المؤمنين (ع) العباس (ع) أن ينزل الى المعركة إلا وهو مقنع حتى لا يحسده الحاسدون لشجاعته التي لا تقاس ولا تقارن وحتى يضمن وجوده في كربلاء سليماً معافيا ، وبعد أمير المؤمنين (ع) عاش مع أخيه الحسن (ع) وهو يشاهد خذلان الأمة لسيد شباب أهل الجنة (ع) وأنقلابها عليه بل حتى تجرأ بعضهم ليطعن حبيب رسول الله (ص) في فخذه والعباس (ع) يعتصر ألماً من الحالة المزرية التي وصلها المسلمون الذين باعوا دينهم بدنياهم وآخرتهم بملذاتهم ، فكانت وفاة أخيه الحسن (ع) بالسم من زوجته جعدة أبنة الأشعث بن قيس الذي كان في النفاق لعلي بن أبي طالب (ع) كما كان أبن سلول لرسول الله (ص) قاسية وذات وقع مآساوية ولكن الذي كان أشد منها هو هجوم بني أمية على جثمانه الشريف بالسهام لمنع دفنه جوار جده رسول الله (ص) وعائشة تصرخ أخرجوا من بيتي من لا أحب وقد قال فيه رسول الله (ص)( (أحب أهل بيتي إليّ الحسن والحسين) ، وبالرغم من وصية الحسن (ع) لم يسيطر على أعصابه قمر بني هاشم وهو يشاهد نيبال القوم تصل الى جسد أخيه الحسن (ع) وكاد أن ينقض عليهم لولا حلم الحسين (ع) وتذكيره بوصية أخيه الحسن (ع) لقلبها رأساً على عقب ، وبعد سيطرة معاوية على الأمة وأبتداعه البدع وسن سب أبي تراب على منابر المسلمين ، والعباس (ع) يتمزق في داخله على هذا الأنحطاط الذي وصلت إليه الأمة وهي تبتعد عن خط الأسلام المحمدي الأصيل ، حتى أصبحت هذه الأمة في مستوى من الإحطاط والإبتعاد عن الأخلاق وجميع الصفات الحميدة التي يؤكدعليها الأسلام المحمدي بالإضافة الى أخلاق العرب الأصيلة في ذروته عندما أستلم يزيد بن معاوية الحكم وهو الذي تربىّ منذ طفولته  في البادية عند خواله النصارى وعندما عاد الى أبيه معاوية ليس عنده من الأسلام شئ حتى الأسم يبغضه ويكرهه كما أظهرت ذلك أبياته الشعرية التي كان مطلعها :

                                       لعبت هاشم بالملك فلا           خبر جاء ولا وحيٌ نزل                فكانت الأمة تحتاج الى صفعة قوية  كالزلزال لكي تستيقظ من سباتها و خنوعها وتخاذلها ، فكانت ثورة أبا عبد الله (ع) الزلزال الذي عصف بالأمة وجعلها تستيقظ مرتبكة من هول الصدمة ، وكان قائد جيش الثوار أبا الفضل العباس (ع) الذي كان عددهم لا يتجاوز بضع وسبعين رجلا وهم الذين واجهوا أكثر من ثلاثين ألف مدججين بالسلاح والبغض والعداء ، فكان العباس (ع) بمستوى التغير التي ستحدثه ثورة كربلاء في الأمة فكان الوفي الذي بذل كل ما يملك من أخوة و كفين وعين ورأس مطبور ونفس وكل هذا لم يكفي بل بقى العباس (ع) قلبه يعتصر مابين الماء وقلوب العطاشا من أطفال الحسين (ع) وسواعده تهتز حرقةً على بقاء أخيه الحسين (ع) وحيداً بين أعداء الله  وأعداء رسوله (ص) ، فكانت كربلاء المسرح الذي أظهر شجاعة ووفاء وإباء أبو الفضل العباس (ع) وباقي الصفات الحميدة التي تحتاج لها الأمة بعد أن فقدتها في سنين بني أمية العجاف ، ولهول المصاب ولفقدان قمر بني هاشم (ع) صاحب أسمى الصفات من أخلاق وشجاعة وجمال لم تبقى بعده زوجته لبابة بنت عبيد الله بن العباس إلا سنتين حيث توفيت سنة 63 هجرية كمداً وحسرةً وحزناً وهي الشابة التي لم يتجاوز عمرها 28 سنة ، فكان العباس (ع) بحق لكربلاء  وكربلاء له لكي يرسم المثل الأعلى بكل الفضائل الحميدة لهذه الأمة  التي أفتقدتها بسبب أبتعادها عن طريق محمد وآل محمد عليهم السلام . فسلام عليه يوم ولد مع كفوفه القوية وسلامٌ عليه يوم أستشهد وهو مقطوع الكفوف وسلام عليه يوم يبعث بلا كفوف .