"حميصة" للقاص المغربي عبد الواحد الزفري |
وأنا صغير، كانت فرحتي كبيرة، عندما كنت أبزق على كفي اليمنى وأدعكها مع اليسرى، و أهوي بها "قاف .. قرقلاف" على قفا "حميصة" اليهودي البدين، فكان يصيح: - أيها "المشلمين" اتركوا قفاي ترتاح ولو ليوم واحد. لم يكن ينتابني إحساس بأنني قمت بمغامرة، فما كنت أفعله هو أني أتقدم بوثوقية تطبيق الواجب السهل وأصفع قفاه، بل أحيانا كثيرة كنت أرفع يديه عن قفاه وأقوم بالواجب، ولم أكن بحاجة لإطلاق ساقي للريح، فلا من مطارد ولا من ناه، كما أني لست أول من صفعه ولا آخرهم، جل الأطفال المشاغبين من أحياء المدينة تركوا بصمات أصابعهم موشومة على تلك القفا العجيبة التي كانت تغري بالصفع، بل كانوا يجرون مسابقات حول من سيحقق أكبرعدد من الصفعات، خلال مرور "حميصة" مهرولا وهولا يدري ما خصص له من استقبال، أكف كثيرة طبلت على قفاه، إلى أن أعلن في وجهنا ذات مرة: - " أ المشلمين" بدل أن تصفعوا قفا قد تورمت وتقيحت، ليأخذ كل منكم ورقة من هذه الأوراق التي هي معي، احملوها إلى دكان "مردوخ" بحي "الديوان" فإن كان الرقم رابحا فسيحصل صاحبه على حلوى لذيذة. بسرعة وافقنا على الاقتراح، وبيد كل واحد منا ورقته، وانطلقنا في سباق نحو "مردوخ" وقفنا نلهث كالجراء بعد صيد طويل، أمام ذلك العجوز، الذي كان يعرف مسبقا سبب اصطفافنا أمام دكانه، قال: - "حشنا شنرى" إن كان هناك رقم رابح. ثم ينطلق في فتح الأوراق، وبين الفينة والأخرى "كالبراح" بصوت مرتفع يصيح كي يسمعه جميع المارة صغارا وكبارا. - "اربخ ... اربخ". يناول الفائز منا قطعة حلوى صغيرة "لا تسوك ولا تلوك" باستعطاف نتسول قطعة صغيرة منها من الرابح، الذي يفتتها على أكفنا فتذوب في لمح البصر على مقدمة شفاهنا، ثم ننصرف إلى الحي ننتظر عودة "حميصة" الذي قد يأتي أو لا يأتي. كل هذا وقع لما كنت صغيرا، لا أعرف طريقا لعقلنة السلوكات أو التصرفات، وكان اليهود آن ذاك لم يهاجروا بعد للمساهمة في استيطان فلسطين. الآن وقد كبرت، كبرت معي أسئلتي: - هل كنا نحن الصغار سببا في رحيل اليهود؟ لماذا كان "مردوخ" يعطينا تلك الحلوى؟ أتعاطفا مع "حميصة" كيهودي؟ أم تراه كان يستخدمه للدعاية لحلوياته اللذيذة؟ التي كنا نشتريها عندما لم نكن نمتلك الرقم الرابح !!
قاص من مدينة القصر الكبير المغربية. |