تركيا تدخل نفق ازمة غير متوقعة

 

لم يكن متوقعاً حصول أي ازمة في تركيا ، لا بل ان الأنظار كانت تتجه دائماً الى دور انقرة في المنطقة الذي يتنامى بشكل كبير على المستوى الإقتصادي والسياسي رغم تداعيات الملف السوري والملف العراقي وما لهما من ابعاد اقليمية ودولية بشأن مستقبل العلاقة بين تركيا من جهة وإيران وروسيا من جهة أخرى .ولم يكن أحد يتصور ان مشروع ازالة حديقة وسط ميدان " تقسيم " لبناء مركز تجاري ومسجد سيكون له ردود فعل قوية بهذا الحجم الذي تشهده تركيا اليوم حيث تبين الى أي حد هناك انقسام سياسي رغم ان حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان لا زال يحظى بأكثرية شعبية .وظهر بشكل واضح ان الصراع اليوم هو بين تيار يسعى الى اعادة اسلمة تركيا وبين تيار يريد الأبقاء على العلمانية كموروث حضاري وصل اليه عن طريق مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال اتاتورك .وإذا كان اردوغان يعتبر ان الأعتصامات والتظاهرات التي يتم تنفيذها في انقرة وأسطنبول او في مدن أخرى والتي شارك فيها العمال والمحامين والطلاب وأحزاب سياسية وجمعيات من المجتمع المدني هي كناية عن "حركات ارهابية" ، فإن خصوم اردوغان يعتبرون ان مشروع حديقة مدينة " تقسيم " هي القشة التي قصمت ظهر البعير إذ سبق ذلك سلسلة من مشاريع ترمي الى تغيير هوية تركيا الحالية وإلباسها ثوب سلفي اسلامي منسجم مع طروحات وتطلعات حركة "الأخوان المسلمين" العالمية .وتورد المعارضة جملة من المأخذ على اردوغان تتمثل بالتالي :عمل اردوغان على عزل كبار جنرالات الجيش من المحسوبين على التيار العلماني وإستبدالهم بجنرالات محسوبين على التيار الأسلامي . تعمد اردوغان تهميش المذاهب الأخرى ومنها العلويين الذين يقدر عددهم بنحو 20 مليون نسمة والذين معظمهم من مناصري التيارات العلمانية . اراد اردوغان اقامة مركز تجاري وسط ميدان تقسيم وبناء مسجد ليس بهدف تحديث الساحة وإنما بهدف إزالة تمثال كمال اتاتورك الموجود هناك بوصفه ابو العلمانية . لجأ اردوغان الى ادخال برامج تربوية أسلامية في مناهج التعليم في المدارس الرسمية . نقل اردوغان تركيا من دولة " صفر مشاكل " الى دولة " صفر سلام " مع دول الجوار . قمع اردوغان الحريات الأعلامية حيث تحتل تركيا المرتبة الأولى عالمياً لجهة اعتقال صحافيين او طرد صحافيين من اماكن عملهم . تسببت سياسة تركيا الخارجية بزعزعة الأمن في البلاد بدليل حصول انفجار "الريحانية " في المدة الأخيرة . ادت سياسة اردوغان الى اضعاف الأقتصاد وهبوط مستويات النمو من 8 الى 3 في المائة . يتعامل اردوغان مع الأتراك على انه يمثل اكثريتهم الساحقة فيما حزبه لا يمثل سوى 50 في المائة . وهناك ايضاً الكثير من المأخذ ، وقد يكون من ضمنها الملف السوري ، ولكن معظم المراقبين يعتبرونه عاملاً ضعيفاً في الحراك الحاصل حالياً ولا يمكن البناء عليه .وما فعله اردوغان حتى الأن انه يمسك العصا من النصف فتارة يلوح بإستخدامها وتارة يلوح بالجزرة لغاية التوصل الى حل لا يتم من خلاله كسر هيبة الدولة ولا السماح للمعارضة بإنجاز انتصارات كبيرة لأن الإنتخابات البلدية والتشريعية على الأبواب .والخوف ان تتدخل قوى خارجية وان تستغل الأوضاع الأمر الذي سيأخذ بتركيا الى مواقع تختلف كلياً عما هي عليه حتى الأن حيث لا زال الوضع قابل للحل وللتوصل الى تسوية.