منذ أزمنة بعيدة تعود الى آلاف السنين، كانت الحروب موجودة ومعروفة، وكان الدم ولا يزال يتدفق في طريق البشرية على الدوام، وكأنه مؤشر على وجودها المستمر، ومع ذلك نشأت اعراف وتقاليد تنظم هذه الحروب وتضع لها قواعد، تحرم ما يستوجب التحريم، وتتيح الدفاع عن النفس، وترفض التجاوز على حرمة الانسان.
فقد كان القائد الاسلامي الناجح يعلن بصوت عال، عدم التعرض للمرأة والطفل والشيخ بل حتى للشجر والحيوان، وهناك ضوابط انسانية تسعى لاحترام قيمة الانسان والكائنات كافة حتى في اشد الحروب قسوة وخطورة، وغالبا ما يتم التأكيد على حماية الضعيف والمريض ومؤازرة صاحب الحق وما شابه من اخلاقيات تمنع التجاوز على الابرياء والضعفاء، فضلا عن التزام الاخلاق والنبل الانساني المطلوب حتى في الحروب.
في مكان آمن ومعزول نسبيا تقيم قرية آمنة صغيرة على الاراضي السورية اسمها (حطلة)، يسكنها أقلية من الناس يعتقدون بالمذهب الشيعي، يؤدون طقوسهم الدينية والحياتية بعيدا عن السياسيين، وصراعاتهم على مال الدنيا الزائل، في هذه القرية شيوخ واطفال ونساء كلهم ابرياء وعزل ولا علاقة لهم بما يدور بين النظام السوري والمعارضين له، كذلك هم لا يعرفون ما تخطط له الاجندات والحسابات الدولية في المنطقة.
انهم أناس يعيشون في قرية صغيرة يؤدون اعمالهم اليومية من اجل استمرار الحياة، ينتمون الى المذهب الشيعي ولا ينتمون الى جانب سياسي رسمي او حزبي او سواه، ومع ذلك، مع هذه المؤشرات والادلة الدامغة التي تؤكد الطابع السلمي لهذه القرية الامنة الصغيرة، نلاحظ انها تعرضت الى ابشع هجوم ارهابي قامت به زمرة من التكفيريين القتلة من الذين يعلنون انتماءهم لما يسمى بالمعارضة السورية، حيث هجمت قوات مسلحة منقولة بالسيارات ومجهزة بأنواع الاسلحة الحديثة، وقامت هذه الزمر الارهابية بقتل جميع الرجال بحجة انهم مقاتلون الى جانب الرئيس السوري بشار الاسد، وان هذا الهجوم هو رد على ما قامت به القوت السورية في استرداد القصير.
لكن جميع الادلة والوقائع تثبت ان هذه القرية الآمنة البعيدة نسبيا، اذ تقع على الحدود العراقية السورية، ورجالها وجميع سكانها، ليس لهم علاقة بالسياسة، ولا يصطفون الى جانب سياسي معين على حساب آخر، لذلك هم في منأى عن الصراعات ولكنهم من المذهب الشيعي، وهذه هي جريرتهم الوحيدة، حيث هاجمتهم عشرات السيارات ومئات المقاتلين المعززين بشتى انواع الاسلحة، وتم قتل رجال القرية واطفالها وشيوخها واستباحة النساء، وقد اعلنت زمر الارهاب والتكفير التي قامت بهذا الهجوم الارهابي البشع، بانها قامت بذلك ردا على ما حدث في القصير، وهو عذر اقبح من الفعل، لان هذه القرية بعيدة جدا عن القصير، وهي صغيرة وآمنة ولا علاقة لها بالسياسة او السياسيين من اي طرف كان.
لهذا فإن جميع التبريرات والمسوغات لا تدعم هذه الجريمة الارهابية التي ارتكبتها مجاميع وزمر ارهابية خارجة عن القانون والعرف والاخلاق والاسلام وتعاليمه، الامر الذي يستدعي ملاحقة مرتكبيها ومقاضاتهم، فضلا عن اتخاذ الخطوات والاجراءات اللازمة لحماية الاقليات والقرى الصغيرة الامنة والناس الابرياء الذين يقطنونها.
على الامم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية كافة ان تحمي العزل الابرياء، وان تتخذ التدابير اللازمة لحماية النساء والاطفال وكبار السن، وان تصان حرية العقائد والافكار والآراء، وان توضع الخطوات الكفيلة بردع التكفيريين والارهابيين، لا ان يغض المجتمع الدولي الطرف عن مثل هذه الجرائم الخطيرة والبشعة، التي لا تصمد تبريراتها ولا الحجج التي تبغي تمريرها، امام الحقيقة التي تؤكد سلمية هذه القرية وابتعادها التام عن اي نشاط سياسي، وانشغالها بحياتها الخاصة الآمنة، لذا لابد من اجراءات رادعة للحد من جرائم الارهابيين التكفيريين القتلة وتسليط الضوء على ما تقترفه ايديهم من جرائم بشعة.
|