من طبيعة المجتمعات بان تكون لها هوية مميزة ، ينطوي تحتها الأفراد بشكل تصنيف يتناسب مع الاتجاه الساري في حياة المجتمعات الإنسانية وليضمن للفرد الشعور بالانتماء تحت مسمى يميزه في عالم الانتماءات المتعددة والمختلفة ، ولملء الفراغ والخوف من المجهول كان الانتماء شيء طبيعي خصوصاً في المجتمعات التي تنعاني من الفراغ الحضاري ، التي لا تعتمد على ذاتها بل على تقليد الأقوى والتيار الساري ، كذلك الفرد يميل غالباً بأن يكون منتمي لتيار أيا كان نوعه كي يحمل عنه عناء التفكير و التخطيط والمقاومة أمام الانتماءات الأخرى .
اما في المجتمعات التي تعاني من أزمة الخليط العرقي والطائفي قبل الديني فقد تظهر مشكلة الهوية الوطنية ، فهذا الخليط كما في المجتمع العراقي لا يسعه ان ينتمي لهوية وطنية أمام التقسيم والتصنيف الدين السياسي والقومي ، فهذا التميز يجعله ينتمي إلى أوطان عديدة وليس لوطن واحد ، كلا حسب مشاعره الطائفية والعرقية والقومية ، ومقياس الدور السياسي و الاجتماعي قائم على المصالح الانتمائية و الولاء لدول تدعم التميز الطائفي والعنصري الذي ينكر الآخر والمختلف . مقياس المجتمع في الانتماء لم يعد للعراق أو للشعب أو للوطن بل للعواطف الطائفية و العرقية التي تفكك ولا تجمع ، والتي تضمن مصالح دول في السيطرة ولا تضمن مصلحة الشعب في العيش بكرامة وحرية ، فمن الوسائل التي تجري في العراق نحو التفكيك الاجتماعي قبل السياسي ، هي تدخل الدول الخارجية باسم مصلحة الأغلبية أو مناصرة الأقلية أو الدفاع عن حقوق الدين والطوائف ، كل ذلك من اجل السيطرة السياسية و احتلال البلد بالولاء والتبعية الطائفية . حب الشعب للتهريج السياسي في الغلبة الطائفية أوقع الشعب في دوامة لا مفر من الخراب الذي يتحمله أولاً وأخيراً الشعب ذاته ، لأنه لا يعمل من اجل نفسه كبلد صاحب هوية مستقلة بل صاحب هويات لا وطنية ، والمستفيد من هذا التفكيك هو الداعم العرقي والطائفي دائماً ، الذي يدعم من اجل إلغاء الآخر المعارض لكي يكون النصر له مادام يكسب عواطف الجماهير الدينية التي هي أعظم عاطفة تتحكم بالإنسان خصوصاً في الدول المقلدة المتخلفة التي ترجع للماضي أكثر من تفكيرها في المستقبل .
المصالح السياسية الدولية تتخذ الآن الشكل الجديد في الاحتلال بوسائل شرعية ، فيمكن احتلال دول لا بالسلاح بل بالسقوط من اجل سيطرة الانتماء وتسقط حكومات بأيدي الشعب نفسه على أساس انتصار المذهب أو العقيدة في الحكم ، لا لكي يعيش الشعب بكرامة ، لأن الانتصار والانجاز العظيم أصبح في وصول المذهب الضيق للحكم والسيادة ، كما يحدث في الدول العربية في ربيعها وخريفها . تدخل السياسة الطائفية أبعدت الهوية الوطنية وقسمت العراق إلى فرق كل همها السيطرة على حساب الآخر، فكان الانجاز هو وصول المذهب أو الانتماء للحكم ، لم يكن الانجاز في تقديم الأفضل للشعب بل فقط من يفوز بالمنصب هو أعظم أجاز للطائفة ، لا يهم ما بعدها ، لم يكن الحكم من الشعب وللشعب الواحد ، لا يوجد من يمثل العراق كبلد صاحب هوية وطنية ، فمن يأتي بواسطة الفرقة الاجتماعية والدينية يحافظ على هذه الوسيلة التي تخدمه في استمرار السلطة ، فلا وجود لسياسي يأتي باسم العراق وباسم مصلحة الشعب الواحد ، لان الداعم الرئيسي للسيطرة السياسية هو عمق التفرقة وتقسيم الشعب على أساس يضمن المساندة للسياسي ضد منافسة السياسي الآخر ، وكل ذلك بدعم جماهيري و شعبي . |