أزمة الأداء

 

رحت ابحث عن اصل عبارة "الشخص المناسب في المكان المناسب" فوجدت جذورها ضاربة في التاريخ، وقد كتب عنها وفيها الكثير والمثير، فما الدافع الى اعادة التذكير بها؟ خصوصا وان الكل يكاد يقول بها وكانها امر مسلم به ومفروغ منه، ان العبرة والمغزى يكمنان باستمرار ليس في ما يكتب ويقال، بل في ما يتم تطبيقه على ارض الواقع وبالملموس، فهل كل من يتبوأ منصبا في عراقنا الجديد مؤهل لمنصبه؟ وهل يمتلك الجميع الخبرات والكفاءات الضرورية لادارة مواقعهم الوظيفية على نحو سليم، يحقق المرتجى منها؟ اغلب الظن ان الاجوبة واضحة، وهذا ينعكس في اداء دوائر الدولة ومؤسساتها وما يتم انجازه وتحقيقه من مشاريع وخطط وبرامج، يوم امس وفي حوار مع صديق قلت ان المشكلة في وزاراتنا العراقية ليست في التخصيصات والاموال، وان من يقول بهذا هو كمن يريد الهروب الى امام، بل العلة في كفاءة الاداء وحسن التنظيم والتخطيط والمتابعة والمراقبة، واخيرا في المساءلة والمحاسبة، فالعلة مركبة مزدوجة، وأحد اوجهها يتجلى في وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، وضربت مثلا على ذلك وبالارقام حجم الاموال التي تخصص للوزارات واليوم للاقاليم، وهي في تزايد مطرد، وقد بلغ احتياطي البنك المركزي العراقي وحده ما يقرب من 80 مليار دولار، وهو رقم خيالي في تاريخ الدولة العراقية، فعلى حد علمي كان آخر اعلى رقم في عهد النظام المقبور بحدود 36 مليار دينار، وقد اقمنا نحن المعارضين له الدنيا ولم نقعدها لانه فرط بهذا المبلغ في حربه المجنونة مع الجارة ايران، ومضى الحوار مع صديقي الى مثال آخر يتعلق بالخطط الاستثمارية وما ينفذ منها، واساسا بجدوى اقامة العديد من تلك المشاريع التي يبقى الكثير منها معطلا بعد انجازه، او لا يبقى له اثر، في وقت لم يقف فيه القطاع الخاص على قدميه بعد ولاسباب عديدة معروفة، فاذا تواصلت الامور على هذا النحو المخيف وفي ظل تحول الفساد عندنا الى منظومة متكاملة، فان نزيف الاموال سيتواصل وقد يمتزج بنزيف دم العراقيين على ايدي القتلة والمجرمين والارهابيين، وامامنا جميعا مثال الكهرباء، الذي يجسد العجز بكل معنى الكلمة عن المعالجة رغم الاموال الطائلة التي صرفت وتصرف، وهنا ايضا يخطيء من يظن ان المشكلة تكمن في انتاج الكهرباء فقط من دون معالجة منظومتها بكاملها، والمواطن يعرف جيدا طبيعة النقص الحاصل فيها، وكونها تقدم مثالا واحدا على المعالجات المبتسرة وغير المدروسة بجوانبها المختلفة، والانكى ان يخرج علينا في هذا الوقت الحرج من يقول بامكانية تصدير الكهرباء!، قد يقول القارئ: وما علاقة كل هذا بعبارة "الشخص المناسب في المكان المناسب"؟ فنقول ان الصلة وثيقة، فعندما لا نحسن الاختيار يضيع الجهد والوقت والمال، ولا ننسى ان القرارات الخاطئة تحتاج الى الكثير لتصحيحها، بعد ان تكون قد كلفت الدولة الكثير، وهي اموال الناس في نهاية المطاف، ان ما يبعث على القلق هو كثرة الاقوال وقلة الافعال وعدم التطابق بين هذه وتلك، وانعدام التوجهات الجدية والصادقة الى المعالجة، وكيف تحصل المعالجة ما دامت المحسسوبية والمنسوبية والمحاصصة هي ما يحكم اسناد الوظيفة على مختلف المستويات، بما فيها مستوى الوزراء والمواقع العليا في الدولة.. وليشرب الشعب من ماء البحر ما شاء ان يشرب!، ويبقى الامل معقودا على الناس في ان تقول كلمتها الفصل وتعيد الامور الى نصابها، وان تفعل ذلك قبل فوات الاوان وهدر المزيد من مليارات الدولارات، فضلا عن الخسارة الكبرى في الزمن الذي لا يعوض.