الأصلاح الديني ونظرية جدل الكون والانسان والتطرف التكفيري اللامعقول...؟

 

ان من عقبات التقدم الحضاري في الامة العربية الاسلامية، والتي تقف حائلا دون الخروج من المأزق الحالي نحو الانفتاح الفكري والتقدم مثلما تقدمت الامم الاخرى. ،هي ابعاد المفهوم العلمي لنظرية جدل الكون والانسان التي وردت في القرآن الكريم عن منهج الدراسة و، يقول الحق :( ولقد صَرفنَا في هذا القرآن للناس من كل مثلٍ وكان الانسانُ اكثرَ شيء جَدلا،الكهف 54). والتي عالجها الفقهاء معالجة لغوية بعيدا عن مقصدها العلمي وخلقوا من أفكار التزمت والتطرف مدخلا لتخريب الأسلام خدمة للسلطة منذ عهد المتوكل العباسي( 232 للهجرة) الذي أعلن من سامراء جواز محاربة أهل البيت وأتباعهم وذراريهم دون رحمة لأختلافهم معه في الرأي ، فجعل أصحابه يغرقون في وهم التفسير اللغوي المعتمد على الترادف اللغوي الخاطىء ووهم الغيبيات وأحاديث الموت وعذابات القبرالوهمية تمهيدا لأدخال نظريات التزمت والتكفير التي فرقت المسلمين ولازالت تنخر في جسم الام لدرجة أصبحت تجيز قتل الاطفال والاشهار بها علانية كما في (المجرم الارهابي الوهابي شافي العجمي الكويتي )الذي اعلن صراحة وبالفديو التلفزيوني ذبحه الطفل صاحب الخمس سنوات في قرية حطلة بدير الزور السوريةمتفاخرا ومهددا بقتل كل من ينتمي لأهل البيت العظام, والاحاديث الموضوعة التي لا اصل لها في السنُة النبوية الشريفة سوى لخدمة السلطان كما في فتاوى رجال الدين الحاليين التي تبثها جزرة الاجرام القطرية والتي لا مخرج منها ابدا الا باسقاطهم وازاحتهم من عقول المسلمين وفصل الدين ومؤسساته عن السياسة. وان هذا الصنف الاحرامي من رجال الدين ومن يساندهم يجب ان يقدموا اليوم لمحكمة التاريخ والقرضاوي والعرعور على رأسهم كمجرمي حرب وليس كرجال دين .

نحن ندعو كل المسلمين اليوم الى التظاهر في الشوارع ضد هذه الجريمة النكراء والمطالبة بمحاكمة شافي العجمي الكويتي المجرم الذي فتح باباً لن يغلق الا بمحاكمته واعدامه كمجرم حرب وكل من على شاكلته ممن يدعون الاسلام ومن كل الفرق دون تفريق.

ابتداءً نقول ان كلمة الجدل في اللغة العربية لها معانٍ مختلفة ومتعددة منها:-

يقصد بالجدل: الشدة والصرامة، ومنهاالحبل المفتول الذي يرط به البعير لقوته وشدته، ومنها ولد الناقة والظبية، ومنها الصَرع،(لسا ن العرب –كلمة جدل).
لكن المفضل عند اللغويين هي شدة الخصومة ،وفي الحديث الشريف(ما ضل قوم بعد هدى الا أوتوا الجدل،أبن ماجةالمقدمة 48).

اما اصطلاحاً ، فهو مقابلة الحجة بالحجة،وللمجادلة معانٍ اخرى، كالمناظرة والمخاصمة والمناقشة ، والحوار. وفي الحديث الشريف : هو الجدل على الباطل وطلب المغالبة به لاظهار الحق فأن ذلك محمود بقوله تعالى:(وجادلهم بالتي هي احسن،النحل 125)ولقوله تعالى :(قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي الى الله ,والله يسمع تحاوركما...المجادلة 1 ) ،وقوله تعالى : ( لا جدال في الحج، البقرة 197).

ولعل هذا المصطلح قد خاض نقاشات عديدة في الموضوعات الخاصة بالحوار ، اذ حظي بالاهتمام لوروده في القرأن الكريم ، وبسبب دخوله حلبة الصراعات الفقهية المذهبية في الاسلام . نتيجة تمسك كل فقيه بمذهبه دون رأي الاخر،لأبطال احدهما تعنتاً لا اقتناعاًً. لكن الجرجاني يؤكد على ان القصد عند المتجادلين هو لابطال قول الاخر(التعريفات ص66) .اما أبن وهب فيقول فيه : ان الجدل والمجادلة قول يقصد فيه اقامة الحجة فيما اختلف فيه اعتقاد المتجادلين ( البرهان ،ص222). وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تشير الى الجدل ملخصها ان الجدل هو في المحاججة او المعارضة لكسب الرأي. وبما ان الرأي صادر من العقل ،فالعقل في الجدال هو الحجة على حد قول الامام علي بن ابي طالب(ع)،تحفة العقول ج20ص312).وملخص ما دار من نقاشات حول الكلمة ومعناها ان الرسول(ص) جادل المشركين بالتي هي احسن لكسب ودهم وتقريبهم اليه،فكيف يحق اليوم ذبح الاطفال في سوريا الحبيبة من قبل التكفيريين بحجة مخالفة الرأي. ويؤيد القول ما جاء في القرآن الكريم:( فبما رحمةٍ من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك،آل عمران 159).

نظرية الجدل للانسان والكون لم تكن حديثة بل جاءت في كتب الفلاسفة اليونان والرومان والتي مهدوا بها لمعرفة نظرية الخلق للعالم والانسان(مقدمة في فلسفة هيجل ؛ص29).لااعتقادهم ان مع نشأة التأمل الانساني يبدا التسائل عن الكون ونشأته. وشملت تلك التساؤلات عن كيفية خلق الانسان والكون والاصل لهما والمصير(،مشكلة الفلسفة ص64 مترجم). ثم تحول طاليس الملطي (624-656 ق.م)الى البحث والتسائل في أصل الماء بأعتباره هو أصل كل شيء.ثم دخلت النظرية الكونية في مساجلات ونقاشات فلسفية لا يسعها المقال الان، لكنهم اكدوا ان سبل الصلاح والاصلاح يكمن في العقل والفلسفة لا بالاديان- يقصد الديانات القديمة- التي تناقضت في الجدل والمناقشة.

ثم جاءت نظرية الامام علي(ع) في الخلق المطلق من العدم لوحدانية المعتقد بالله مستنداً على الاية الكريمة ( هل من خالقٍ غيرُ اللهِ ،فاطر 3). ويلخص بعض علماء المسلمين ان لا وجه للممائلة بين القديم والمحدث،والثابت والمتغير،والكامل والناقص،فهو تعالى :(ليس كمثله شيء ،الشورى 11). لكن يبدو انهم لم يتوصلوا الى نتيجة علمية ثابته لعدم ادراكهم تأويل النص القرآني ، فراحوا يفسرون ماجاء به تفسيراً لغوياً لا تأويلا علمياً فوقعوا في اشكالية المعرفة.

ودخلت الديانات الوضعية القديمة في جدل عقيم كالمانوية التي اعتقدت بالنور والظلمة ،والحرانية التي اعتقدت بالكواكب والنجوم وهي ديانة قائمة على الوهم النفسي الى اقوال خرافية كثيرة اعتمدت على الحدس والتخمين لا على البرهان والحجة.

وحين التحدث عن نظرية الكون والانسان من منطلق الايات القرآنية التي وردت فيه لابد لنا من البحث في جدلية تناقض الشيئين الذي يؤدي الى هلاك الشيء بأستمرار وفيه يكمن السر في الاستمرار والبقاء بعد الموت فكل ميت يخلق من بعده اخر حي( ولا تَدعُ مع الله الهاً اخرَ لا اله الا هو كلُ شيء هالكُ الا وجَههُ...القصص 88).وجدلية تلائم الزوجين في الخلق(وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى،النجم 45)،والذي ولد منهما حالات كثيرة اخرى كالزواج وما تبعته من تشريعات قانونية واخلاقية عديدة،أصبحت قانونا اجتماعيا لا فكاك عنه ابدا.وجدلية تعاقب الضدين ،الليل والنهار وتبعهما الحب والكراهية ،يقول الحق :( خلق السموات والارض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى ...،الزمر 5). وتدخل في حساب النظرية البعث والحساب والجنة والنار واستقرار النقيضين فيهما(...وان الاخرة هي دار القرار،غافر 39).

واذا تتبعنا الامر بحسب ما ورد في التنزيل الحكيم نرى هناك مفارقات كبيرة لا يفهمها الا العالمون، فكيف ادركها الفقهاء منذ القرن الثالث الهجري وهم لا زالوا حديثي عهدٍ بالتفسير، وعلينا اتباعهم. وتقف ظاهرتي المجتمع الدنيوي والاخروي في وجود ظاهرة العمل والصحة والمرض والخير والشر والحرب والسلام في الاول واختفائها في الثاني:(الحاقة 23)،العنكبوت، 64نالحجر 47، ص64.فهنا نقع في اشكالية صراع المتناقضات الدنيوية واستقرارها في الاخروية، فكيف تفسر مثل هذه النظريات وفق قانون الترادف اللغوي الخاطئة. هنا كل التفاسير القرآنية الحالية بحاجة الى اعدة النظر فيها من الوجهة العلمية لجماعة علماء التخصص وليس لفقهاء التفقه، مشكلة لابد من الدخول في حوارها واختراق المآلوف الخاطىء الذي تعودنا عليه واصبحنا جزءٍ من الخطأ الدائم الذي فرضته علينا مؤسسات الدين لمنفعة الحاكم الظالم..

اما نظرية جدل الانسان فهي نظرية مادية صرفة ،ولان الانسان مادة ، فلابد من الدخول في حوار الفكر الانساني وليس في شيء اخر،هذا الفكر الذي مُنعنا من محاورته استنادا الى الاية الكريمة (...تلك حدود الله فلا تقربوها ، البقرة187 ..).علما بان الاية الكريمة تحتم علينا الزامية اتباعها لمعرفة الوصول الى الاشكالية العلمية الكبرى التي يطرحها القرآن سواءً في الملموسات المادية او الغيبيات والواجبات السلطوية تجاه المواطنين،وان تكون السلطة متفاعلة مع الحقوق والواجبات وبعكسها فلا واجب في طاعتها شرعا وقانونا ،اذ لا معنى لأيةِ آية قرأنية لا تأويل لها حينئذ تصبح حشوا لا معنى له ،وحاشى ان يكون في القرآن من حشوٍ أو زيادة ٍكما صوروه لنا الفقهاء غي الحروف التي جاءت في اول بعض السور القرآنية.

وحين يفتح المجال لعلماء الاختصاص في البحث القرآني بحرية دون دخل للقدسية والعاطفة ينفتح الفكر على مصراعيه لمناقشة نظرية الرحمن والشيطان ،والاعمار والارزاق والاعمال، والقضاء والقدر، والانزال والتنزيل ، والحق والباطل ،والغيب والشهادة ،والروح والنفس ،والعقل والفكر، والبشر والانسان. ومصطلحات كثيرة متضادة وليست مترادفة قولا ومعنأً ،وهنا كان مقتلنا.

ونعود لأدم وبداية النشأة الانسانية ،بأعتبار أدم أبو الآنسنة وليس ابو البشرية، ومن بعده جاء التجريد الديني ،وهي مرحلة الأصطفاء ،والاصطفاء هو الاختيار للمهمة الدنيوية في الأصلاح الأنساني وليس النبوة،يقول الحق : (ان الله أصطفى أدم ونوحا وآل أبراهيم وآل عمران على العالمين،آل عمران 23). فالتجريد بدأ بأدم والنبوة بدأت بنوح وليس قبله ،يقول الحق :(انا أوحينا أليك كما أوحينا الى نوحٍ والنبيين من بعده،النساء163) .لذا فأن القصص القرآنية هي ليست بقصص كما نفمها اليوم بل هي رسالات ومعلومات ونبوات ابتداءٍ من نوح الى محمد.من هنا فدراسة القصص القرآنية يجب ان تكون وفق المنطق العلمي في التأويل لاكما يقول لنا الفقهاء انها جاءت لتسلية النبي عند التفكر والراحة والاستجمام.

ان الانبياء والرسل الذين بلغ عددهم ال 24 نبياًً ورسولاً من هؤلاء 13 ثلاثة عشر رسولا والباقي أنبياء كما وردوا في السور القرآنية المتعددة مثل نوح ،والشعراء ،ويونس، والحديد ،ومريم ،والصافات ،وغافر، وآل عمران، والاحزاب . فكل منهم جاء لينفذ مرحلة من مراحل الاسلام وكلهم من المسلمين،اما جماعة محمد(ص) فهم المؤمنون،بدلالة قوله تعالى : (ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات....لهم مغفرةً وأجراً عظيماً،الاحزاب 35) والتفريق هنا قصدي لبيان الفرق بين الكلمتين لفظاً ومعنىً ، وليس على سبيل العضة والاعتبار كما يقولون.

بعد هذا الجهد الجهيد نستطيع ان نخلق نظرية اسلامية المعرفة مصاغة صياغة معاصرة ومستنبطة حصرا من القرآن الكريم ،لتعطينا ما يسمى باسلامية المعرفة ،وبذلك نستطيع ان نعطي منهجا في التفكير العلمي لكل مسلم ،قائم على التأويل القرآني الصحيح للحدث التاريخي للتعامل مع الفكر الانساني برمته دون تحريم،لان ليس كل فكر أنتجه الانسان هو عدو للاسلام بالضرورة ،لكن غياب المنهج المعرفي لدينا اليوم هو الذي جعلنا أسرى الوهم والتخلف.
ان الظروف الصعبة تستدعينا اليوم تحديد سلطات المرجعية الدينية عن حقوق وواجبات المواطنين وأبعاد السياسة تماما عن الدين ،فلم يعدالفكر الديني التقليدي بنافع لتطوير وحرية المواطنين.ولولا مرجعيات التدين المقامة خدمة للسلطة اليوم لما استهرت سلطات الدولة بالقوانين ونهبت اموال المواطنين واخلت بالثوابت الوطنية ولم تعُر اهتماما للمواطنين ،حتى أصبح الحاكم عندنا لا يسمع الأ نفسه والمقربين ؟

نحن نعيش اليوم أزمة فقهية وردة حضارية قاتلة تدعونا الى ان نتحول الى استباط فقه جديد بعيدا عن التفسير الفقهي الجامد الحالي للنص الديني وتحيد مفهوم السُنة النبوية الشريفة بعد ان افسدتها الحركات الدينية الوهابية للمتطرفين كما في القاعدة والوهابيين وجيش النصرة ودولة العراق الاسلامية وبلاد الشام المجرمة، وبعد ان مضى عليها اكثر من1400 سنة تغيرت فيها معاني الكلمات والافكار ،لان الزمن يلعب دورا في عملية التغيير،ولأن اللغة لم تنشأ دفعة واحدة لأرتباطها بالتفكير، لذا ظلت وستظل في تطور مستمر . وهذا ما يدعو اليه مؤتمر المعجم العربي المنعقد في الدوحة اليوم لأكتشافهم ان توقف التطور اللغوي للغة العربية أثر في التقدم الحضاري للامة وأبقاها في مكانها دون تقدم. فلا بد من الحل البديل،والاتجاه نحو هذا الاصلاح أفيد للامة من الف مؤتمريعقد ، وملايين الكتب التراثية تطبع كل سنة لتوضع على الرفوف زينة وآبهة كما نراها في المكتبات وفي غرف المسئولين وهم لم يقرأوا منها حتى العناوين .ولا علما وفائدة منها وتصرف عليها الملايين من قوت الشعوب دون مردود معين،هذا ما أدركته الشعوب الواعية بينما نحن فيه متمسكون.ان الامة بحاجة ماسة وملحة للخروج من هذا المآزق المنهجي الخاطىء لنلحق بركب الامم التي سبقتنا ،وكان المفروض ان نكون نحن من السابقين ،ولربما سائل يسأل أذن لماذا لا نبدأ ؟ ،نقول له ان هذا المشروع هو مشروع كبير ومُكلف مالم تتبناه دولة او مؤسسة مالية ضخمة ومتمكنة لم نتمكن من التحرك نحوه،فهل من مجيب، ولأن السلطة السياسية تقف حائلا دونه ،لأنه يهدد مصالحها الظالمة في التنفيذ ؟ ومالم يتنبه المخلصين في الاسلام الى ما يحدث من تغيرات اساسية في الفكر العلمي والتكنولوجيا الحديثة اليوم وفي المستقبل لمجابهة كل التفسيرات القرآنية الطوباوية سنرى ان الكثير من الآيات القرآنية تصبح من التاريخ ،كما في آيات الأماء وما ملكت أيمانه والمتعة وغيرها كثير. وليس بمقدور احد من الدفاع عنها ابدا الا عند الجهلة والمغفلين الذي يبررون قتل المخالفين كما في القاعدة اليوم .فالعلم والحجة والبرهان اساس كل معتقد قويم . ان البحث عن التأسيس القرآني للمجتمع ،أنما هو بحث في ظاهرة ميلاد مجتمع وأكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرةالتي تفرض نفسها على كل مجتمع بعد ان تُدرس الظواهر في أنقى أشكالها تحررا من أي تشويه خارجي والعمل على الصحيح فالعودة عبر الزمن مستحيلة .
نحن ندعو الحكومات العربية دون تحديد الى عقد مؤتمر اسلامي عام في بغداد او القاهرة لاستنكار التزمت والطائفية البغيضة تحت أشراف المثقفين المتنورين وتحويل قرارته الى قوانين ملزمة على المخالفين والا سنسقط في وهم ما يخططه دعاة التزمت من المجرمين ...؟