ضحكت أمس وأنا أقرأ تصريح محافظ بغداد "الأسبق" صلاح عبد الرزاق الذي قال فيه ان تهميشنا - يقصد هو والحاج كامل الزيدي - يعد تهميشا لصوت المواطن البغدادي. لم يحدد طبعا كيف؟ وفي أي زمن اصبح هو وزميله الزيدي، يحملان لقب البغدادي ، في العهد الجمهوري الأول، أم في عهد "القائد الضرورة" أم السنوات العشر الأخيرة التي يعتقدان أنها الأفضل في تاريخ مدينة بغداد؟ المشكلة أن صلاح عبد الرزاق ومعه الحاج الزيدي ينطلقان من ان بغداد بدونهما ستعيش في أزمة، وأنها مقبلة على كارثة لن ينقذها منها إلا رجل من عينة "معين الكاظمي "صاحب تظاهرات الكرادة لطرد العلمانيين" المفسدين. صلاح عبد الرزاق انتهت دولته نهاية مأساوية دفعت الحاج كامل الزيدي، لأن يصرخ ويولول "ميصير هيج احنه اكبر كتلة ومتنطونه ولا منصب" حكومة محلية قادها "الحاجان" الزبيدي وصلاح إلى مصيرها المتوقع: فشل كامل الأوصاف طوال أربع سنوات عجاف في ظل مافيا كاملة المواصفات. ولهذا ضحكت كثيرا كلما تخيلت صلاح عبد الرزاق هابطا بأجنحة "الرجل الخارق" المنقذ للعاصمة من الكوارث.. ضحكت لأن الدول تبنى اليوم على فكرة المؤسسات لا الرجال الخارقين.. هذا بالضبط ما تعلمه لنا تجارب الشعوب الحية، من أن الجميع مواطنون ومسؤولون شركاء في صناعة الغد. إذا كنّا نريد دليلاً على عقم احاديث المحافظ الاسبق، فلننظر إلى ما حل ببغداد من خراب ودمار.. فهل نسي محافظنا "البغدادي" كيف كان يحيط نفسه بأسوار عالية وجدران عازلة يستحيل اختراقها، لا يلتقي بالناس وجهاً لوجه، لا يصافحهم إلا بعد أن يتأكد من عدم إصابتهم بأمراض معدية.. بالطبع فنحن "البدون" الذين غزونا بغداد، لم نكن نطمح لأن يجلس معنا المحافظ، ويتمشى في الأسواق وأن تتكحل عيونه بأكوام "الأزبال" التي أصبحت ماركة مسجلة في كل شوارع العاصمة، ولن يذهب بنا الخيال بعيدا فنطلب منه أن يراجع إحدى دوائر محافظته لإنجاز معاملة بسيطة، فنحن نعلم أن السيد المسؤول ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها وحمايتها من غريبي الأطوار أمثالنا، وهو رمز ينبغي حمايته، كنا فقط نريد منهم ونتوسل إليهم أن يتركوا الناس يعيشون حياتهم بشكل طبيعي دون وصاية ودون شعارات مضحكة من عينة "أننا بلد ديمقراطي"، أو "أن الديمقراطية في العراق هي التي أشعلت فتيل التغيير في العالم العربي". انزلقت بغداد في زمن الزيدي ورزاق، نحو عصور الظلام والعتمة!، وكان مسؤولوها لا يسمعون سوى أصواتهم.. محولين العاصمة إلى مدينة أشباح، حين أصر أشاوس "دولة القانون" أن يجعلوا منها داراً للآخرة بعد أن كانت حاضرة للدنيا. لقد بات واضحا أن كثيراً من مشاكل أهالي بغداد كانت تكمن في الخلل الذي عاناه مجلس المحافظة بأكمله الذي أنتج أداءً حكوميا فاشلا. لا أريد أن أفرط في ذكر الأمثلة،، ولكن لابد أن نكون صريحين ونعترف بأن المجلس السابق لم يؤد دوره الحقيقي في خدمة مواطنيه، وانشغل بأمور لا تخص عمل المحافظة، بل إن قنوات تواصل حية بين المحافظة والناس أو غير موجودة أصلا. حديث صلاح عبد الرزاق وصراخ كامل الزيدي في باحة مجلس محافظة بغداد جعلني أعترف بأن في هذه البلاد ما يضحك، وبأننا شعب نجيد فن النكتة، على عكس ما يشاع عنا، وأن بإمكاننا أن ننفجر، في ضحكة عالية، سرعان ما تتحول شيئا فشيئا إلى قهقهات، ثم إلى زئير. وإذا ما سُئلنا بعد سنوات عن سبب ضحكنا، سنجيب بكل بساطة: آسفون نحن لسنا من بغداد! ولهذا أعتقد أن السيد صلاح عبد الرزاق يستحق بجدارة لقب الشخصية "البغدادية" الأكثر فكاهة، وهذه من باب التفسير "ليست تهمة"، وحكاياته يمكن أن تتفوق على حكايات "ابراهيم عرب" البغدادي الذي عجزت "قفشاته" ان تنافس خفة ورشاقة ودعابة المحافظ السابق. صلاح عبد الرزاق لم يكن وحده، دون ظهير، وسر نجاحه يكمن في الإصرار والمثابرة والتفاعل مع متطلبات قوانين مجلس قيادة الثورة المقبور. أما حملات التشكيك بمشروعه التنويري فلم تزده إلا إصراراً على المضي قدماً. لهذه الأسباب وغيرها أضمّ صوتي إلى أصوات أهالي بغداد في التصويت للسيد المحافظ السابق الذي توهم ان السنوات العشر التي عاشها في بغداد، يمكن ان تجعل منه بغداديا الى "سابع ظهر"، لكي يصبح المسؤول الاول في برنامج "انا البغدادي الاوحد". |