الشرعية في حكم الدولة ، تطبيق مُلزم على الحاكم ؟

 

كلمة مشروعية مشتقة من الفعل شرع َ يُشرع ، يقال شرع َفلان بالآمر،أي اذا سار فيه وسلكهُ. والشريعة والشراع هي المواضع الي ينحدر منها الماء . وقيل الشريعة والشراع ما سن َ الله تعالى من الدين وأمر به كقوله تعالى : (ثم جعلناك على شريعة من الامر فأتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون،الجاثية 18 ) . وقوله تعالى : (لكل جعلنا منكم شرعة ًومنهاجا،المائدة 48).،هنا تكون الشريعة هي قانون الدين والمنهاج هو الطريق او الاسلوب الذي به تُنفذ اوتُطبق الشريعة على المجتمع مستوحاة من العقيدة.اما كلمة الشارع فهوالطريق الاعظم الذي يشرع فيه الناس عامة )لسان العرب،كلمة شرع).

والشريعة هي النظام او المنهج الواضح الذي يرسُم أو يُسن للناس في شؤونهم. وبهذا المعنى يُفهم قول الشافعي) لا سياسة الا ما وافق الشرع(.أي المنهج والنظام الذي أختارته الجماعة وأتفقت عليه وأرتضته لنفسها ميراثاً أو أكتساباً لصالحها وخدمة شؤونها. من هنا يتبين لنا ان السياسة الاسلامية هي ما يقره الشرع ، وأنها منها بمنزلة الجزء من الكل . وهي في الاسلام المبد أ الاعلى والمنطق الاسمى الذي يتوج النظام الاسلامي، وهو التضامن الحقيقي بين الناس في تنفيذ ماأمر الله به دون اعتراض. من احد او جماعة.

وكلمة الشريعة والمشروعية ليست جديدة ،فقد ولدت في الحضارة العراقية القديمة مثل شريعة أصلاحات آوركاجينا، وشريعة آور نمو عند السومريين ،وشريعة حمورابي البابلية المتمثلة، بمجموعة قوانين حمورابي الملزمة التنفيذ في وقتها عند البابليين.، والمعروف ان حمورابي قد وضع في شريعته ما مجموعه )282 (مادة قانونية في مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية،وتعتبر من الشرائع المتقدمة في عمر الانسانية. والشرائع اليونانية والرومانية والتي أفرزت القوانين الرومانية التي لا تزال تدرس في الجامعات العالمية . وتعتبر الشرائع العراقية القديمة من اقدم الشرائع العالمية والمتقدمة في مفاهيمها القانونية.

لكن الكلمة لم تظهر بمعناها الواسع الا في العصر الحديث حيث أصبحت ذات معنى عريض، ومكانة عظيمة، فهي تدل على سيادة القانون في الدولة، وربما كانت جزء من مصطلح الايديولوجيا، اي المبدأ والعقيدة والفلسفة التي يقوم عليها النظام المعاصر في بلد معين.ولربما أستعملت الشرعية بمعنى مطابقتها الفعل اوالعقد اوالقرار لنظام قانوني صحيح،فيكون شرعياً بهذا.

ولا يستطيع اي باحث او كاتب ان يتعرض لمعطيات دولة من الدول في النظام او القوانين في الحياة الاجتماعية او السياسية او الثقافية لبلد معين،سواءًًكان هذا في الماضي او الحاضر ،مالم يدرس او يبحث ويسلط الضوء على المنهج او الشريعة ، لانها تمثل طبيعة الفلسفة والقوانين التي كانت تحكم ذلك النظام،او هذه الدولة،في هذه الحقبة او تلك،لاننا لا نستطيع ان نتفهم كيان أسمه نظام أو دولة مالم نتلمس معنى دقأئق تلك الفلسفة أو المعتقدات التي أرتضتها الجماعة لتكون لها قانوناً مطبقاً.


2
وواضح ان الحكم في الاسلام اساسه التراضي او التوافق وفق القانون والكفاءة - لذا فالشرع الاسلامي يرفض المحاصصة بلا كفاءة ولا قانون كما هو متبع عندنا اليوم- وهو لا يفرق في الجنس واللون،لانهما جزء من السياسة الاسلامية العامة (الله ملك الناس ) وعلاقتهما بمبدأ الشورى واضحة.والرضى عن المُولى يأتي عن طريق توليته وحقه الشرعي،ثم يكون المُولى أهلا للحكم،لان الخلافة او الرئاسة في المفهوم الاسلامي تمثل السلطة التي تقوم نيابة عن الرسول(ص)بالنظر في مصالح الأمة حيث يعتبر الخليفة او الرئيس الحاكم الاعلى للدولة ويجب طاعته بشرط ان لا يخالف القرآن والسُنة النبوية الشريفة في التطبيق والعدل بين المواطنين ، كفوءاً وعالماً ليكون متمكناً من ادارة الدولة وعدم التفريط باموال المواطنين،فالمال مال الله وليس مال الحاكم ،وان يكون منتخبا منهم بالأنتخاب المباشر ،والعاصمة للدولة هي المقرالرسمي له شرطا مكتوبا عليه ولا يجوز ممارسة اعماله بمكان أخر الا بقانون. وان لا يكون فاقدا للشرط الصحي في حكمه ابداً.
وليس هو كما في بلادنا اليومالذي كل شيء فيه مخالف للتشريع.

ويبقى الشرط مقرونا بشروط الكفاءة التي يجب ان يتمتع بها الحاكم، منها العدالة والعلم وسلامة الحواس وسلامة الاعضاءوالشجاعة في قول الحق وحقوق الرعية والرأي المفضي الى تدبير المصالح للامة او الشعب غير منحاز. لكن الشروط لمن يرأس الدولة كانت اقوى واشد على عهد الرسول(ص) والخلافة الراشدة، حين أضيف اليها تأمين الامان والاطمئنان والكفاية والعدل بين الناس.ويقصد بالامان ،أمان النفس والمال والعِرض،والاطمئنان على الرزق دون ان تكون للحاكم او السلطة قطع المورد المعيشي لاي سبب من الاسباب،اما الكفاية فعلى الحاكم ان لا ينام ليلته وفي الدولة معوز واحد ، والعدالة هي التوازن بين الحقوق والواجبات الشرعية دون تفريق بين المواطنين وهذا مفقود اليوم عندنا ،هذا هو الاسلام الذي فقدناه واصبح يتعا يش في لغتنا لا في واقعنا اليوم. فما جاء الاسلام ليحيا بالناس ،بل جاء ليحيا الناس به ولا غير.

اما التراضي والتوافق فقد حددت الشريعة له شروط اقسى وأمر منها :ان لايُقدم المفضول على الافضل لاي سبب كان قرابة أو صداقة ، وان يختار صاحب المنصب المتوافق عليه ممن تنطبق عليه شروط التولية ، وان يكون أمينا يتمتع بالسمعة والسلوك الحسن دون ان يحق لاحد مجاراته لاي سيبب كان،كما في رفض الامام علي(ع) تولية اخاه عقيل لعدم توفر شروط الطلب فيه ( أنظر السوطي في تاريخ الخلفاء ص 204 ). . ورفض عمر بن الخطاب (رض) استمرار خالد بن الوليد في قيادة الجيش واستبداله بأبي عبيدة بن الجراح لكفاءة الثاني وانضباطيته في قتال الأخرين؟ فالجيش هو سياج الأمة وقيادته يجب ان يُختار من أفضل القياديين الماهرين لقيادته بتقنين .

لكن النقطة التي يجب التنويه اليها هو ان الشيعة العلوية لا يلتزمون بهذا المبدأ العام في تطبيق الشرعية السياسية،بل بمبدأ شرعية التفضيل لاهل البيت دون سواهم وان لا يجوز ان يسمى احدا امير المؤمنين الا علي بن ابي طالب,ولا يجوز لغير الأئمة من نسل الامام علي وزوجه فاطمة الزهراءان يتلقبوا بهذ اللقب. لان كل أمام يوصي للذي يليه في الامامة،حتى يصبح المرشح الشرعي للوظيفة المقدسة ( السيوطي،اللآلىء المصنوعةج 1 ص 184-185)،لكن نسى السيوطي بأن هذه الفرضية أجتهادية ولم يرد فيها نص ثبت معروف من أهل البيت (ع)..ويقول كولد سيهر : "المستشرق الالماني في كتابه العقيدة والشريعة ان سورة الشمس بأدعاء الشيعة الامامية جاءت في القرآن بحق محمد وعلي والحسن والحسين( عقيدة الشيعة ص175).من هذا المنطلق فقد عد الشيعة

3
الامامية كل من يخرج على هذه المفاهيم خارجاً على المصادر الشرعية والارشاد الديني وقيادة الجماعة الاسلامية. لكنني لم اجد نصاً عند الشيعة الامامية يتوافق مع كولد سيهر .

ان وجود الامام لكل عصر آمر ضروري برأي الشيعة الامامية ولا يمكن الاستغناء عنه لقيادة الامة الاسلامية لتنفيذ الشريعة واحقاق الحق وقواعده وأرساء العدل والمساواة التي جاء بها الاسلام،وعلى هذا الاساس فالامامة واجبة وتنتقل بوراثة لا تنقطع للحائزين على هذه الصفات ولا تنحصر في أهل البيت ،وكل ما جاؤا به من أصحابهم من أحاديث فهي أحاديث أحادية خبرية وليست ألزامية ،لذا رفض العلامة سماحة السيد محمد باقر الصدر- رحمة الله عليه - هذا التوجه في رأيه بمنطقة الفراغ او ولاية الفقيه حين قال سماحته : ان أنتخاب الامام مباشرة من الشعب ....أذ ليس في الفكر والتعاليم الاسلامية ما يمنع من انتخابات شعبية للأمام( أنظرأصول الضعف علي كريم سعيد ،ص190-191،لذاغَلب الجانب الديني على الجانب السياسي عند الشيعة الامامية. من هذا المنطلق حاربت الشيعة العلوية الدولة العباسية باعتبارقادتها ليسوا من سلالة علي وفاطمة،وهم مغتصبي سلطة( انظر الرسائل المتبادلة بين المنصور والنفس الزكية، الاصفهاني ،مقاتل الطالبيين ص 232). وحاربوا الدولة الاموية بأعتبارهم يضعون نصب أعينهم المصلحة الدنيوية للحكومة الاسلامية ويجعلونها في المحل الاول .
بينما يرى الشيعة العلوية تغليب المصلحة الدينية،لانهم كانوا لا يرون الحكومة الا ان تكون حكومة مقدسة ،لكن المؤرخين بالغوا في هذا الوصف فلم يرد عند الشيعة من ممانعة في تعيين الامام او الرئيس اذا كان حاملا لمواصفات العدل في السياسة والتطبيق،ومثال ذلك موافقتهم على عمر ابن العزيز الاموي (الخليفة الخامس) لأنصافه الرعية دون تفريق. . لذا فكل حكومة يجب ان يصاحبها أمام ينظر اليه بصفة القداسة (قدس الله سره وهذا مخالف لنص الآية 174 من سورة البقر)) كما في ايران اليوم وأيران ليست المقياس في النظرية والتطبيق ،لذا تصر أيران ان تكون المرجعية الشيعية فيها او تابعة لها.
هنا نقطة الافتراق بينهم وبين الفرق الشيعية الاخرى. فكيف الحل؟.

كم هو جميل لو ان الذين يدعون بهذ المثل العليا التي جاءت بها مدرسة أهل البيت العظام (ع) ان يتمسكوا بها وينقلونها الى واقع التطبيق على الارض لكانوا اليوم هم الأعلون.نعم وبكل حيادية وصدق وصراحة اقول: ان السيرة العطرة التي رافقت اهل البيت ابتداءً بالامام علي ومرورا بالامام الحسين والكاظم وجعفر الصادق وانتهاءً بالحسن العسكري (ع) قد ألتزمت بهذا الاتجاه الديني والسياسي بالكامل دون نقصٍ ، فهم لم يطالبوا بالولاية ،بل برفع الظلم عن الناس ،فقد سئل الأمام الحسين (ع) حين قدومه الى كربلاء وهو في المدينة المنورة فقال: والله ما جئت لأقاتل يزيد على الخلافة ،بل جئت لأقاتل ظلم يزيد على الناس. بينما استمر الظلم في كل الدول التي قامت على الادعاء بنظرية اهل البيت في الحكم ،كما في الدولة المهدية في المغرب والفاطمية في مصر والخوازمية في ايران والبويهية في العراق و،وتتكرر التجربة الفاشلة اليوم في العراق لمخالفتهم شروط الاستحقاق.

.ومن يتابع ذلك في عهد المنصور العباسي(136-158 للهجرة) وحتى خلافة المتوكل العباسي(232 للهجرة) يرى ان السياسيين العباسيين لم تنم عيونهم ولم يدخلها غمض حتى رأوا أهل البيت وقد زالوا من الوجود لمعارضتهم العباسيين في تطبيق حكم الدولة وفق نظرية التفويض الآلهي. ففي عهد المنصور قتل محمد النفس الزكية ،وفي عهد الرشيد قتل الامام موسى بن جعفر(ع)، وبهدا
4
صفيت العترة الكريمة،لدرجة ان المتوكل اراد نبش قبورهم واحراقها حتى لا يرى او يسمع من أثر لها،لانهم كانوا في نفوس الناس أهيب من الاسد قولاً وصدقاً (انظر ابن الأثير ج 7) .

أنه حقد السنين على الطاهرين المنفذين لشريعة الاسلام السمحاء. نعم هؤلاء الذين تنطبق عليهم الاية الكريمة :(ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) فهل من جاء من الاتباع ساروا على منوالهم ،لا شك نستطيع ان نقول ..لأ ؟

ان مسألة الشريعة والتشريع مسألة في غاية الدقة والاهمية بعد ان رأينا ان التجربة الكبرى التي بناها صاحب الدعوة قد توقفت بعد وفاته، حين اشتد الخلاف على الرئاسة فكانت سقيفة بني ساعدة اول اسفين دق في نعش الامة الاسلامية دون شك لابتعادها عن تطبيق آية الشورى، وذلك بأقتصار التصويت على المهاجرين والانصار وكأن الامة التي كونها محمد(ص) قد انتهى وجودها ولم يبق َ منها الا المهاجرين والانصارحين نادوا منا امير ومنكم أمير ،وكأن الدولة اصبحت شركة قابلة للقسمة بينهم لا شراكة موحدة بينهم بشروط الولاية ،لذا كان الاعتراض الذي سمي بالردة تجاوزا على الشرعية الدينية وكما هو متبع اليوم .

لقد خاض الفقهاء اثناءالخلافة الراشدة مساجلات ومناقشات ادت الى تشريد وقتل الكثير منهم،فكان الصحابي ابو ذر الغفاري منهم،فكانت اول ثورة على الواقع المزري في خلافة عثمان حين بدأت الخلافة بتفريق اموال بيت المال على الاقربين والمحاسيب دون حسيب او رقيب كما نشاهده اليوم تجاوزا على حقوق الناس دون شرعية من دين ،والذي وقف منها الامام علي (ع) الموقف المعارض حين قال :( الا ان كل قطيعة أقطعها فلان وكل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال فأن الحق القديم لا يبطله شيء والعقل مضطر لقبول الحق)،لذا على حكومة التغيير في العراق اليوم ان هي تدعي تطبيق عدالة اهل البيت ان تلاحق كل من تجرأ على بيت المال العراقي دون رقيب وجلبه لمحكمة التاريخ دون تفريق.

لقد حاول الصحابة درىء الخطر دون جدوى حين طلبوا من الخليفة عثمان (رض) التنازل عن الخلافة لعدم قدرته على ادارتها فرفض محتجا بأنها خلافة جاءت بأمر الله (انظر الطبري
ج4ص376 وما بعدها) وهذا مبدأ خطير جرَ على الدولة الويلات.ومن يدعي ان الامام علي قال بعد ان طعن في الكوفة،حين سأله الناس من سيخلفك من بعدك يا ابا الحسن قال :بحسب ادعاء المصادر التاريخية:(لا أأمركم ولا أنهاكم فأنتم أدرى بشئون دنياكم)،اشارة الى الامام الحسن (ع) فهو نص يحتاج الى التدقيق والمراجعة لانه خلاف لما تدعية العقيدة الامامية بحصر الولاية فيهم دون الاخرين او بحصر الولاية في الكفاءة والعدل بشورى المسلمين،وحاشى ان يقول الامام علي وهو العادل مثل هذا القول لأنه يخالف الشريعة والتشريع..وعندي ان النص موضوع .

وسط هذا الزحام من النصوص يقف المؤرخ حائرا في شرعية الدولة ، فيختلط الحابل بالنابل امامه وسط منهج دراسي لم يراعِ اصولية المنهج ولا مسئولية العقيدة ولا حقوق الناس.واليوم كل يدعي انها له دون الاخرين، وها ترى الفِرق أو الأحزاب أو ما سميت بالكتل السياسية الباطلة تتقاتل والناس تجري من ورائها دون هدى ولا صراط مستقيم وهي غير منتخبة من الشعب بل جاءت بالتدليس،وغالبتهم اليوم من الهاربين وقد تخلوا عن حقوق الشعب لكنهم لو تفحصتهم تراهم من الخائبين.المعقدين ،والغالبية من الناس تجري وراء الذهب الاصفر دون مبالاة بالعقيدة والدين.من يعتقد ان الامة ستخرج من النفق المظلم اليوم فهو واهم، فهل من مشروع اسلامي جديد او ميلاد مجتمع جديد واكتشاف القانون الذي يحكم الظاهرة الحا لية لكي يفرض نفسه على مجتمع مزقته

5
المصالح والانانيات كما اراد وخُطط لها ،وأورثت فيه من العادات والتقاليد التي ما جاء بها الاسلام ابدا ولا شرعها في شريعته. واليوم ينبري دعاة الدين ليظهروا لنا الطائفية المقيتة والفتاوى الرخيصة التي مزقت الامة والدين والامر من هذا يتزعم هذه الفتاوى ما يسمونهم بعلماء الدين أمثال القرضاوي والعرعور وكل من فقد شرعية الدين ،فأحذروهم بعد ان أجازوا ذبح أطفال المسلمين ،كما في أدعاء شافي العجمي الكويتي الذي ذبح الطفل صاحب الخمس سنوات في دير الزور بسوريا العزيزة اليوم.
فماذا لو تمكنوا هؤلاء من قيادة الدين ؟

لقد اصبح من الصعب جدا ازاحة الخطأ من رؤوس الناس بعد ان اعتقدوا بصحته عبر الزمن الطويل،فلا الأمامية تؤمن بحصر الخلافة فيها ولا هي اخر التشريع،أقوال ونصوص الصقتها الدولة البويهية منذ القرن الرابع الهجري(334-447 للهجرة) بعقيدة أهل البيت - وهم منها براء- وسار الناس عليها دون تدقيق. ان الفكر المضاد الذي يريد ان يعالج الواقع الموضوعي عليه ان يعالج الكل الاجتماعي بظروفه وقوانينه التي تركزت في الاذهان .وهنا لابد عليه من ان يسلك الطريق الصعب كما يقول ابراهيم الغويل (طريق الاستقراء والاحصاء والاستقصاء والتمحيص والتصنيف والتمييز بين الطبيعة الاصلية وبين الظواهر العارضة،الغويل ،المشروع الاسلامي ص193).

هنا يقف الكل امام حيرة التطبيق ومن اين نبدأ ؟ وكيف؟ ومن يستجيب؟ ويبقى السؤال المطروح،هل ان الاسلام الحالي يستطيع معالجة مشكلات العصر الحديث ؟ وهل لديه ايديولوجية ترقى الى هذا المستوى؟ ،وهل لديه من المفكرين الاحرار الذين يستطيعون نقل الصورة الحقيقية للاسلام للاخرين؟ بكل صدق وصراحة بعيدا عن العاطفة الدينية،أقولها :لا ،لأن البحث عن التأسيس القرآني للمجتمع ،انما هو بحث في ظاهرة (ميلاد مجتمع) وأكتشاف للقانون الذي يحكم الظاهرة أو الشكل العام الذي يفرض نفسه على كل مجتمع دون تمييز،وهذا غير متوفر لدينا اليوم بعد ان حولوا النص الى تفسير ترادفي بعيدا عن التأويل النصي للقرآن الكريم. فعلى من يحكم الدولة عليه ان يتخلى عن الافتراء والتمويه.

اذا بقينا نتعكز على التفسير والمفسرين والفقه والفقهاء ومراكز التوجيه الديني الحالية والمختلفة في كل الوجوه دون ضبط اوربط وبقينا نتعكز على العودة الى مجتمع مواصفات الحقبة الأولى من حكم المسلمين، بكل مواصفاتها فسوف لن نصل الى كل جديد لان العودة عبر الزمن مستحيلة ،وسنبقى نراوح مكاننا دون نتيجة تذكرالى ان يرث الله الارض ومن عليها.. فليست المشكلة في التغيير ،بل المشكلة في المنهج وأتباع الصحيح ،فأين نحن منها الآن ؟ .