المحاصصة بثوب جديد… ما الحل؟

 

رغم النتائج الكارثية للعملية السياسية على المستوين الأمني والسياسي سواء خلال فترة الاحتلال العسكري الأميركي التي استمرت لثماني سنوات، أو الفترة اللاحقة في ظل حكومة المالكي، فإن المؤشرات لا تقود إلى معطيات لوثبة سياسية يقودها المشروع الوطني الذي يبدو أكثر ضمانة للمواطن من التخندقات السياسية الطائفية.

فهناك انحسار لهذا المشروع، بسبب ما بذلته القوى الطائفية (السنية والشيعية) والبرامج الخارجية من جهد لتمكين مراكزها واستقطاباتها السياسية من أن تنتقل خلال السنوات العشر الماضية بين أبناء المجتمع العراقي في محاولات لترسيخها.

لقد أصبحت القوى الاجتماعية العراقية في المرحلة الراهنة «عجينة رخوة» يمكن تداولها بسهولة ما بين الطائفي أواللاطائفي، إضافة الى ما فعله المال السياسي القادم من الفساد الذي عُمم وما زال داخل الأجهزة الحكومية دون رادع في شراء الذمم لأنصاف السياسيين لكي يتصدرون المشهد، ولبعض وجهاء العشائر الذين استعادوا مقايضة مواقعهم في التأثير على الواقع الاجتماعي بالمال، بعد أن فقدوها إثر نهاية نظام صدام حينما استخدمهم لصالح حكمه بذات الطريقة التي يستخدمون فيها اليوم.

ورغم الإخفاق والفشل الذي لحق بالعملية السياسية كلها في عدم قدرتها على حفظ الأمن وتحقيق الإنجاز والعدالة ورفع الظلم عن المواطنين، وإنهاء عمليات القتل والتفجيرات التي تقف خلفها ميليشيات معروفة لدى الحكومة والمواطنين، إضافة إلى تنظيمات القاعدة المستغلة للفرص، وعدم تنفيذ اتفاقية أربيل عام 2010، فلا توجد مؤشرات واضحة تدعو إلى مراجعة جذرية من قبل أقطاب هذه العملية عن طريق مكاشفة الجمهور العراقي بالأخطاء والخطايا الكارثية التي لحقت بالشعب العراقي، والحل المنطقي هو في تلبية نداءات السياسيين والمثقفين الوطنيين من خارج العملية السياسية بضرورة اللجوء إلى الأسلوب السلمي العقلاني الذي يحفظ كرامة الشعب العراقي وينصف مظلوميه ويرد الاعتبار لضحاياه الأحياء والأموات، عن طريق عقد مؤتمر وطني يعيد تقويم القواعد التي بناها الاحتلال للنظام السياسي وفق معايير بناء دولة المواطنة المدنية الخالية من التخندق الطائفي والعرقي الذي دمّر البلاد.

ومع إن تشخيصات الحالة الراهنة التي أطلقها المالكي في أكثر من مناسبة، ومخاوفه من انحدار العراق نحو هاوية التقسيم أو الحرب الطائفية هي صحيحة، إلا أن المؤشرات السياسية التي تبدو في الأفق لا تقود إلى حلول إنقاذية، وإنما في حقن جرعات من «المورفين» المسّكن، وفي تكريس الواقع السياسي الحالي في العراق العربي بزعامة «حزب الدعوة»، وإعادة كسب ولاءات لزعامات ذات طابع طائفي ثبت فشلها، وحاولت مظهرياً الخروج عن ركب العملية السياسية، والاستمرار بتشديد سياسة الإقصاء والتهميش، وتعزيز السياسات الثأرية والانتقامية قانونياً، بدل تنفيذ سياسة السلم الأهلي، والانفتاح على أبناء الشعب وطبقته الحية من السياسيين نظيفي الأيادي والمثقفين والكفاءات العلمية كنز العراق.

الجهود المبذولة هي عمليات ترقيعية للمراضاة بين بعض زعماء العملية السياسية، تحت بند الحفاظ على أضلاع المثلث العربي السني الشيعي الكردي من السقوط، رغم السياسة غير الحكيمة التي نفذت باستخدام العنف المسلح والقتل المدّبر ضد المعتصمين في المحافظات الغربية (السنية).
لقد قلنا في أكثر من مناسبة بأن المالكي ليست لديه مشكلة جدّية مع الأكراد المطالبين بمزيد من الامتيازات، ولديهم قدرة التلويح بالانفصال بحكم كردستاني مستقل تلبية «للحق التاريخي بتقرير المصير»، فالمالكي يتحكم بالمال والثروة وهو قادر على منحهم إياه إذا كان ذلك يصب في مصلحة استمراره بالسلطة، وهذا ما تحقق.

مشكلة المالكي في خصومه من العرب السنة، وقد استطاع خلال الشهور الستة الماضية إنجاز مهمة تفتيت القائمة العراقية لكونها الأخطر على مشروعه السياسي. عن طريق بناء توليفة جديدة- تمت بعد استشارات خاصة- وذلك باللعب على ورقة «التخلي عن الطائفية» ورفع شعار «المشروع الوطني» بعد إخراجه من عباءة «العراقية»، وبناء قاعدة انتخابية عريضة تضم وجوهاً من السنة والشيعة العرب إضافة إلى التركمان، مع عدم الاقتراب من المكون الكردي.

لقد شعرت بعض الزعامات السنية بخطورة هذا المشروع على مصالحها الخاصة، فقفز بعضهم إلى مسرح الاعتصامات في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى وجزء من بغداد، وحرفوا المطالب الشعبية نحو مصالحهم، وأوصلوا الرسالة إلى المالكي مع حزمة «الوساطات» التي قام بها بعض المهمشين والهامشيين. وفي تقديري أن بعض قيادات حزب الدعوة المتشددة لا تقبل بالانفراج خارج «المكون الطائفي» للحزب، خصوصاً مع الجماعات «السنية» التي تعاملوا معها خلال السنوات القليلة الماضية داخل البرلمان.

ويبدو المالكي أكثر مرونة من غيره في هذه المسألة. وهو يمتلك المعلومات اليومية لعمليات القتل الطائفي التي تستعيد نفسها مجدداً في بغداد خاصة، وما تتركه من تأثير سلبي على حكمه.
لقد قبل الدخول بلعبة «المحاصصة بثوب جديد» مرحلياً لأنه أراد ضرب جميع العصافير بحجر واحد. وأمامه وأمام حزبه عشرة أشهر أو يزيد لمناورات ما قبل الانتخابات المحتمل تأجيلها.

المهم لدى المالكي بقاء زعامة الحكم بيده أو بيد حزبه «الدعوة».

ولهذا يأتي استعجال تسريب أخبار حول قيام ما يسمى «جبهة إنقاذ» برئاسة المالكي ونيابة المطلق وتضم حزب الدعوة إضافة إلى مجموعة عناوين لأحزاب وحركات أغلبها كانت في صفوف «العراقية» مع عناوين جديدة قد لا تضم سوى أصحابها، وقد يكون هذا النشر رغم تكذيبات المالكي والمطلك لجس النبض حول مشاورات ما تحت الطاولة، وجميعها طمعاً باستمرار المواقع وتداولها لدورة انتخابية مقبلة ولمزيد من المنافع الذاتية على حساب مصالح الشعب العليا.

لقد تحول الفقراء وقسم منهم ما زال يتقاضى معونات دول اللجوء، والقسم الآخر لم يكن يمتلك داراً تأوي عائلته، إلى هواة جمع الملايين للوصول الى سقوف المليارات وشواهد العمارات والفلل والشركات التجارية الكبرى في دول الجوار، وثراء أقربائهم ومريديهم، تدل على مستوى الكسب غير المشروع المتاح بسبب المواقع الحكومية أو البرلمانية، فكيف يتنازلون عنها؟

إذا كان المالكي جاداً في دخوله لعبة «المشروع الوطني» وهي لعبة صحيحة وتكتسب قدراً كبيراً من النجاح، فعليه تجاوز أغلب الأسماء والعناوين «السنيّة» التي ثبت أمام الجمهور فشلها السياسي، والدخول في تحدي حقيقي قد يبدأ من داخل «حزبه ومستشاريه» سواء في البرنامج أو الأهداف والأدوات، وفق معايير وسياقات جديدة عبر مؤتمر وطني عام تشارك في الإعداد له أسماء وعناوين عراقية مخلصة كان لها مواقف مبررة سابقة في رفض الدخول للعملية السياسية في ظل الاحتلال، أما اليوم فالعراق لأهله ومن حق الجميع الشراكة في مصيره، وأن يتم التحضير لهذا المؤتمر بجدية وإرادة وطنية مستقلة ومن دون دوافع مصلحية داخلية أو خارجية، وبإشراف من الأمم المتحدة.

أما عملية إخراج المحاصصة بعنوان جديد، وبذات الوجوه الفاشلة فسيكون مصير شعب العراق هو المزيد من الوقوف في محطات الانتظار.

د. ماجد أحمد السامرائي – لندن