لعبة الآيات القرآنية - الجزء الثاني/محمد جواد شبر

 

 

 

 

 

 

إن من اخطر الظواهر في مجتمعنا الإسلامي هو استعمال الآيات القرآنية لأغراض شخصية، كان ولازال الفرد المسلم يستغل كلام الله لإثبات كلامه حقاً كان أم باطلاً، جاداً كان أم مازحاً، إذ أصبحت الآيات القرآنية يستشهد بها الفرد في موارد ما انزل الله بها من سلطان، فإن كان شاذا بتصرفاته في مجتمعه أو بين أسرته يستشهد بالآية: وأكثرهم للحق كارهون!! أو إذا كره شخصاً يردّد بحقه آيات نزلت في أناس قد حدد الله عاقبتهم يوم الدين، وإذا مات شخصاً يحبه يكتب على صورته أو لافتته آيات أنزلها الله بحق أشخاص هم أهل لذلك، يكتبها بغض النظر عمّا إذا كان المتوفى فاسقاً أو عادلاً.

رأيتُ أناساً يغتابون بآيات قرآنية، إذ أن شخصاً سمعته يقول عن فلان من الناس أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خُلقت!! فإنّه ما اكتفى بذنبه "الغيبة" بل واستشهد بآية من الذكر الحكيم!!.. ومن ناحية أخرى تُستغل الآيات القرآنية في تغطية الجرائم البشعة ضد الإنسانية التي أكد عليها القرآن الكريم ونزل من اجل تثبيتها وترسيخها وحمايتها؛ فترى جماعة مسلحة تكفيرية تقصف مناطق آمنة يذهب ضحيتها أطفال ونساء وشيوخ وأبرياء وهم يقرؤون الآيات القرآنية التي نزلت حينها بحق فئة معينة، منها الآية التي تكرّرت كثيراً على ألسنتهم: وما رميتَ إذْ رميت ولكنّ الله رمى، فلو بحثنا في سبب نزولها لوجدناها بعيدة كل البعد عن هذا العمل، وإنها نزلت في معركة خيبر حينما رمى الرسول (ص) بالسهم فهوى على كنانة بن أبي الحقيق وهو في فراشه –على رواية-.

كذلك رأيت أناساً إذا ما أرادوا أن يطعنوا بشخصية ثائرة يسقّطونه من خلال آيات ربما لم يفهموها، منها: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة، فإنهم يستغلون تلك الآية ليجلسوا في بيوتهم كالنساء خوفاً على حياتهم وممتلكاتهم وجاههم الاجتماعي، حتى يتركوا المفسدون يفعلون ما يحلو لهم!! وحينما يموت إنساناً مهماً مسلماً يتفنن ذووه وأصحابه وأتباعه في كتابة الآيات القرآنية تحت صورته أو على لافتات عزائه.. ومنهم من يكتب رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ومنهم من يكتب: يا أيّتها النفس المطمئنة ارجعي ....، وغيرها من الآيات التي تضمن للمتوفى رضا الله تعالى.

ومن المضحك المبكي أن بعض الناس ومنهم ربما رجال دين يطلقون على المنافقين والمخادعين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، الآية الكريمة: لو اطلعت عليهم لولّيت منهم فرارا، والآية نزلت في فئة مؤمنة ألا وهم أصحاب الكهف!!.. يجب علينا أن نستغل القرآن في تهذيب أنفسنا وتربيتها، وان نتمعن في أسباب النزول ونقرأ تفسير كلّ آية نسمعها من الناحية اللفظية والتاريخية وأن نطبقها على أنفسنا أولاً قبل تطبيقها على الآخرين، ومن ناحية المديح فلا يحق لنا أن نمتدح أشخاصا بآيات قرآنية لم تنزل في حقهم بل أن الله قد اختار أناساً ومدحهم بآيات، فلا يزكي الأنفس إلاّ الله تعالى.

يقول الإمام علي (ع) : (القرآن حمّال أوجه).. أي كلٌّ منا يستطيع أن يفسّره حسب ميوله ومصالحه الخاصة وكأنما القرآن أصبح لعبة أو كتاباً للأمثال، لا نعير أهمية للآيات التي تدعونا إلى التحابب ونبذ الفتنة والتمسّك بحبل الله المتين، وإنا أرسلناك رحمة للعالمين، لنتشبّث بآيات الانتقام والوعد والوعيد ونحن لا نعلم متى نزلت ولماذا؟ فصوّرنا للأمم والملل أنّ الإسلام دين الانتقام وليس دين الرحمة..

تركنا الآيات التي تدعونا إلى تهذيب أنفسنا ووقاية عقولنا من الانحراف والتخلّف وتمسّكنا بالآيات التي تهاجم الكفّار والمنافقين الذين أجرموا في الأرض، لنطلقها على أناس مسلمين يباهي النبي بهم الأمم.